ثورة الجدائل السوداء

ثورة الجدائل السوداء

حميدة نعنع

في أحد شوارع طهران المزدحمة مرت فتاة شابة في العشرين من عمرها ترتدي حجابا أسودا يلف شعرها الفاحم. كانت مهسى أميني مسرعة الخطى، مما جعل الحجاب يسحل قليلا إلى الخلف. إنها ترتكب (جريمة) أخلاقية دون أن تدري. لحقت بها مجموعة من الرجال والنساء وأوقفوها. جرّوها إلى مايسميه رجال الدين في إيران “مركز شرطة الأخلاق”. هناك خضعت  للضرب والتعنيف لأنها خالفت قواعد وضع الحجاب. ضربت حتى أغمى عليها دون أن يرحمها جلادوها فسقطت ارضا فاقدة الوعي.

أدرك الجلادون أن مهسى أميني، وهي (شابة كردية)، فقدت الوعي. لم تنقل إلى المستشفى مباشرة لإسعافها، بل ظلت تعاني في “مركز شرطة الأخلاق” لساعات. عندما نقلت إلى المستشفى قرر الأطباء أن الفتاة في حالة خطرة نتيجة ضربة على الرأس. توفيت الشابة الكردية بعد يومين.

أشعلت وفاتها الشارع الإيراني تقوده النساء اللواتي قررن نزع الحجاب، وبعضهن قصصن شعورهن احتجاجا على وفاة الشابة الكردية. ساند الطلبة والمحامون والكتاب والفنانون النساء، واشتعلت الثورة. الشعب بكل فئاته في مقابل آلة القمع من الباسيج وشرطة الاخلاق. انتقلت المظاهرات ككرة النار من طهران إلى المدن الأخرى، فاشتعلت منطقة البلوش بعد أن قام أحد رجال الباسيج باغتصاب فتاة بلوشيه تبلغ من العمر خمسة عشرة عاما. هاجمت الجماهير مركز الباسيج، وقتلت الرجل الذي اغتصب الفتاة.

من منطقة البلوش إلى مشهد.. إلى المدن الأخرى. تضافرت عوامل القهر القومي مع الفقر المدقع الذي ضرب المجتمع الإيراني نتيجة السياسات الحمقاء للنظام الذي كان يفضل تمويل الميلشيات في لبنان وسورية واليمن وافريقيا بحجة نشر (الثورة الاسلامية)، في حين تعاني الشعوب الإيرانية من التضخم وارتفاع الأسعار والبطالة والفقر، بينما الولي الفقيه والمسؤولون الإيرانيون مشغولون بشكل الحجاب، وطول اللحية، وشكل اللباس، وكثير من التفاهات الأخرى التي لا تبني اقتصادا ولا تقدم خدمات .

نظام خرج من بطون القرن الأول للهجرة، ومذهب انحرف عن الدين الإسلامي إلى غياهب الكتب الصفراء والخرافات، نظام يخالف كل المذاهب ويعتبر أن الفقيه الذي اختاره عدد من رجال الدين ليكون ولي الإمام الغائب، الذي سيعود في آخر الزمان وينشر العدل على الأرض، فتحول الولي إلى حاكم مطلق، غيبيات في خرافات، في فلسفات تعود إلى عصر الدولة العباسية التي ناهضها الفرس سرا وأيدوها علنا تحت مذهب (التقية)، والتقية لمن لايعرف معناها هي الكذب والنفاق، والتظاهر بما لايضمر الإنسان.

 سئل الخميني عن التصريحات التي كان يدلي فيها بباريس حول الحرية والديمقراطية، والتنكر لهذه التصريحات بعد أن تسلم السلطة فأجاب: كنت أتبع مذهب التقية، أي الكذب .

النساء اليوم وكل فئات المجتمع يثورون لوضع ولاية الأمة في موضع ولاية الفقيه الدكتاتور، الذي يتحكم بالشعوب الإيرانية بكل قومياتها، بدءا من الغذاء إلى أسلوب اللباس. الظلم يتعرض له الإيرانيين منذ نصف قرن في ظل نظام كهنوتي يخالف العقل .

أعمار الثوار اليوم تتراوح بين خمسة عشرة وأربعين عاما، أي أنهم جيل جديد هو جيل الانترنيت والعلوم الحديثة، جيل لم يعرف الخميني، ولكن مازال محكوما بخرافاته. آن الأوان للثورة التي جسدت النساء فيها الطليعة أن تنتصر، فكم هو أمر محزن أن تقص النساء شعورهن وترميها في النار، أي قهر تعانينه؟ أي ظلم دفع بجميع الفئات للخروج إلى الشارع منددين بظلم نظام دكتاتوري فاشل.

وقف العالم كله لإدانة الحالة في إيران، ولكن مما يدعو إلى الحزن أن أميركا والغرب لم يحسموا أمر التغيير في إيران، لأنهم يريدون توقيع الاتفاق النووي مع نظام ضعيف، كما قال روبير ماليه مندوب أميركا إلى إيران (لا نريد إسقاط النظام بل تغيير سلوكه). انتصار الثورة في إيران سيغير المعادلة في منطقة الشرق الأوسط، والغرب مازال لم يحسم أمره في هذا التغيير..

 فهل تجبر النساء الإيرانيات القوى العظمى على تغيير موقفها؟

Visited 24 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة