آمال اللبنانيين بانتظار الربيع
حسين عطايا
مع ساعات هذا الصباح، دخل لبنان فعلياً ورسمياً في عِداد عهد الفراغ الرئاسي، والذي مهما كانت تحدياته ونتائجه، لن يكون أمن عهد السنوات الست التي عبرها لبنان ليل أمس، فتلك السنوات كانت أساساً هي الفراغ الحقيقي في سُدة الحكم، فلم تحمل سوى الانهيار وتلاطم أمواج الأزمات التي أدمت لبنان وشعبه، وحفرت عميقاً أخاديد جِراح تحتاجُ أزمنةٍ لتنتهي ويستعيد الوطن الصغير بعضاً من عافيته .
قد يتخيل البعض، بأن الفراغ الرئاسي، سيُنهك لبنان ويزيده تعقيدات وتكبُر المصائب وتتعاظم، ولكن وفقاً لمعلومات كثيرة ترشح من مصادر إقليمية ودولية، بأن لبنان ليس متروكاً لقدره، بل تُفعل مجموعة عملٍ إقليمية ممُثلة بالرياض وأبوظبي والقاهرة، ودولية تتمثل بواشنطن وباريس، تسعى جاهدة لتفعيل مبادرتها إن على صعيد المساعدات الاجتماعية، أو السياسية الاقتصادية، والتي تتحضر لمرحلة ملء وتمرير مرحلة الفراغ لما بعد الاستحقاقات الداهمة، والتي حتماً ستتمخض عنها فيما بعد مبادرة تُنهي الفراغ وتضع حداً لسياسة استنزاف لبنان وأهله، وتضعه على سكة الحلول الآتية بعد حين .
ففي هذا الشهر، بعض الاستحقاقات الداهمة التي لها تاثير على الواقع اللبناني تؤخر التفرغ لإيجاد وفرض الحل في لبنان، منها الانتخابات النصفية في الكونغرس الامركي، والتي تشغل بال إدارة الرئيس جو بايدن، ويتحضر لها لأنها ستجري قريبا في العشر الأولى من نوفمبر الحالي، وستكون لها انعكاسات على إدارته .
كما أن الانتخابات الإسرائيلية أيضا لها بعض التأثير، خصوصاً في حال حالف الحظ الرئيس السابق لحكومة الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والذي سيُعيد خلط الأوراق مجدداً على الحدود الجنوبية للبنان، كونه يُهدد بالانسحاب من اتفاق الترسيم، وقد يكون هذا مُجرد شعارات في السباق الانتخابي ليس اكثر .وكذلك ما للحرب الروسية الأوكرانية من انعكاسات على الساحة اللبنانية، كما لمؤتمر القمة العربية المنعقدة في الجزائر اليوم أيضا تأثيرات وارتدادات .كل هذه الاستحقاقات، وما سيليها في الفترة القريبة، تُعتبر سبباً في تأخير نضوج طبخة الحلول التي ستواجه الفراغ الرئاسي، وقد تطول أشهُراً، وحتماً ستجد لها الحلول قبل الصيف المقبل.
بعض المعلومات القليلة التي ترشح من بعض اللقاءات قد يكون الفصل الأول من العام القادم بداية الربيع هو الفترة التي ستنضج الحلول فيها، وستكون بوابة الحل في لبنان وعلى العديد من المستويات، والتي ستضع لبنان على طريق أن يكون جزءاً من الحل في المنطقة وليس هدية للحل لأحد الاطراف الداخلية أو الإقليمية، والتي بدأت تباشيرها في الغزل الأمريكي- الإيراني على مستوى الطاقة، وانعكس في العراق بعد عامٍ من الشغور والأزمات، وبالتالي لم يكن الترسيم الحدودي البحري بين فريقي النزاع أي لبنان وإسرائيل سوى ارتدادات لذلك الغزل الاميركي ـــ الايراني، والذي أسس لمرحلة تبريد حدود النزاع لفترة طويلة، ومن أهم مفاعيله أنه تم وضع سلاح حزب الله جانبا،ً وقد يكون وضعه في ثلاجة الانتظار إلى يومٍ قد يكون بنداً رئيسياً على مائدة حوارٍ لبناني برعاية إقليمية ودولية، قد يُعقد في لبنان أو خارج حدوده .
وليس بعيداً عن الحراك الإقليمي العربي والدولي موضوع ترشيح النائب ميشال معوض، العصا لمحور حزب الله الذي أتقن فن التعطيل مع حُلفائه، فكانت رسالةً واضحة المعالم بأن مجموع الأصوات التي نالها وسينالها المرشح معوض ليست تفصيلاً بسيطاً في حسابات البرلمان اللبناني، بل هي جزء مهم ومتمكن قد يُستعمل سِلاحاً تعطيلياً في حال حاول حزب الله التمادي بلعبة التعطيل ومحاولة فرض مرشحاً من بيئة الممانعة، التي ينتمي إليها، لأن الكتل النيابية التي تقف خلف ترشيح معوض ليست تفصيلاً بسيطاً أو قوى طفيلية مستجدة وعابرة، بل هي أساسية ومؤثرة في الساحة السياسية اللبنانية وعلى شتى الصعد .
إذن، الحل للفراغ ليس قريباً أو مُستعجلاً ويُقاس بالأشهر وليس بالسنوات، كما حصل فيما مضى وأنتج تسوية أتت بميشال عون إلى كرسي الرئاسة، في هذه الفترة، والتي حتماً سترافقها بعض الحماوة في السياسة أو محاولة البعض لتسخين الساحة السياسية، لكنها حتماً ستكون فترة سماح لتبريد الرؤوس الحامية وترويضها لإنتاج الحل على وقع ساحة مليئة بالمفاجآت وعلى شتى الصُعد، وهذا الأمر سيكون نهاية لمرحلة وبدء مرحلة جديدة ستكون واعدة للبنان وشعبه، وسيكون للرياض ومحورها دوراً أساسياً في إنتاج وإنضاج الحلول، وستخلفها فورة اقتصادية وعمرانية وبعضاً من البحبوحة التي شهِدها لبنان في بداية تسعينات القرن الماضي.