ساكنة الأرض: ثمانية ملايير نسمة.. ماذا بعد ؟

ساكنة الأرض: ثمانية ملايير نسمة.. ماذا بعد ؟

 سعيد بوخليط

يوم 15 نونبر، فطنت البشرية، إلى أنَّ عدد أفرادها فوق هذه الأرض قد بلغ بالتمام والكمال سقف ثمانية ملايير،حسب تقارير المؤسسات الدولية التابعة للأمم المتحدة. طبعا، نسبة عددية يلزم أن يُخْصم منها فَرَضا حشود وقوافل الذين ماتوا بين طيات أزمنة سحيقة؛ تناسبا مع الامتداد الأصلي لزمن الأرض. بالتالي، كان بوسع العدد الحالي مقاربته درجة أكبر بكثير، مما يقتضي حتما ازدحاما تحت سقف البسيطة وثقلا مأساويا لايتصور مقارنة مع المعطيات الراهنة.

كم عدد البشر الآخرين الذين مروا على ظهر البسيطة وتلاشوا جراء قانون الموت؟ فلنتصور أيّ معنى ستأخذه الحياة أرضيا، لو انعدمت خرائطية الموت بقوانينها المنطقية الدالة.

للإشارة فقط، من باب الاستطراد في الموضوع حتى تتجلى وتتسع الرؤية، تؤكد نفس الدراسات المهتمة بـأن تعدادنا السكاني سيتطور إلى 9 .7مليار سنة  2050، ثم 10.4عند حلول سنة.2080

توقع،يطرح تحديات مصيرية ودقيقة جدا، بخصوص تحقيق أهداف التنمية المستدامة، بمفهومها المتكامل جراء تمتيع الكائن البشري بمختلف حاجياته البيولوجية وترسيخ حقوقه المعنوية ضمن سياق الانتساب الفعلي إلى عالم يحظي بفضاء بيئي سليم.معادلة أضحت بعيدة المنال؛ بل مستحيلة في خضم سطوة جشع رهيب، يُمَأسسه ماديا ورمزيا، محليا ودوليا، بكل الأحاييل والرهانات شرذمة من يملكون ضد جحافل من لايملكون. 

شكَّل دائما التذكير بتواريخ أعياد الميلاد، سواء ضمن نطاقها الشخصي أو حين انتقالها إلى مجالها العمومي، لحظة نوعية بامتياز، مفارِقة للغاية، بخصوص إعادة طرح هواجس  السؤال الوجودي أو الأسئلة بالأحرى، قياسا مع أيّ مناسبة أخرى، بحيث يلح مرة ثانية السؤال المؤرق الغائب/ الحاضر، الذي لايغيب قط مهما بلغ تحايل الذاكرة :

ما دواعي ولادتنا ؟ ماذا نفعل هنا؟ ما نصيب مسؤولية الفرد في مجيئه إلى هذا العالم؟

أسئلة تشغل حتما،هواجس الإنسانية وقد أدركت رقم ثمانية ضمن تعداد المليارات. مناسبة تطرح ثانية وبكيفية مغايرة لما تراكم،جلّ الأسئلة الحارقة على المستوى الجيني والاقتصادي والسياسي والاجتماعي والصحي والقِيَمي والبيئي والمناخي، إلخ.قضايا الغذاء، الموارد الحيوية، النسل، الخصوبة، الموارد الحيوية، الثروات، العيش المشترك، الصحة، الأوبئة…

جُملة خيارات جوهرية، تكتسي مطلقا بعدا تراجيديا ارتباطا بسياق مأساوي، تتجاذبه الأعاصير الهدامة، من كل جانب مثلما الشأن مع وضعنا الراهن، يستفسر الإنسان عن مختلف الجوانب المحيطة به التي بوسعها إضفاء معنى حقيقي على وجوده، قد يتبيَّن لها أجوبة مباشرة ذات طابع تقني ظرفي،غير أن السؤال المؤرق باستمرار،بعد كل الأجوبة الإجرائية، يكمن أكثر ثم أكثر في فاجعة سؤال الولادة ! وحدها، واقعة الموت تضمر جوابا.

ظل الموضوع المتعلق بالنمو الديمغرافي على الأرض، متأرجحا تبريره بين تيارين أساسيين :هناك توجه المتفائلين بارتفاع معدلات الخصوبة واستمرار متواليات الولادات دون توقف، مستندين على تأويل مفاده أن ازدياد رقعة البشر وتطورهم الكمي وفق وتيرة تصاعدية، يعتبر مؤشرا إيجابيا يعكس نجاحا بخصوص تحسين مستوى نظام الحياة، وارتفاع معدل أمل بقاء الشخص حيا. وضع، يظهر نجاح المنجزات البشرية على جميع الوجهات، والانتصار بكيفية يقينية على قسوة الطبيعة. 

يقابل هذا التصور،وجهة نظر ثانية أقرب إلى الحس التشاؤمي، ترفض صراحة ولادات البشر،دون ضابط عقلاني وفلسفي عميقين، وإلا فلا معنى لهذا الأمر سوى الاكتظاظ  واستنزاف ممكنات الطبيعية الحية، لأنه كلما ارتفعت الكثافة، تقلصت في المقابل أسباب الحياة وسخاء عطائها، وازدادت سبل يوميات الإنسان شقاء ومكابدة.لذلك، يلزم أن تبقى كفَّة معادلة ثروات الكون راجحة، مقابل تقلص البشر.

طبعا، الحل التوفيقي لمعادلة التكاثر والتناسل، مع حفاظ الطبيعة على هويتها بغير اختلال أو استنزاف فندرة، كما الوضع الآني، يكمن في التعايش بين الطرفين، العدوين اللدودين، مع أنهما كيان واحد.الإنسان انبثاق نوعي من الطبيعة، والأخيرة حِضن هائل للأول. غير أن هذا الإنسان، بتطلعه اللانهائي كي يوطد ويرسخ مركزيته الكونية، دأب بلا كلل على اكتساح الطبيعة بالسعي إلى تسخيرها لصالحه.

نتيجة ذلك، وقعت هزات فظيعة في خضم مسار هذه العلاقة، الجدير بها أن تبقى متناغمة، متوازية إيقاعيا، ملؤها احترام خصوصية وتعددية الثنائي المقدس : الإنسان/الطبيعة. أقصد أساسا، تسامي الإنسان بنبله، في كنف طبيعة عذراء تحافظ بإباء على طبيعتها.ما العمل راهنا؟ حيال جحيم الاحتباس الحراري، بمختلف تبعاته نتيجة الانسياق الأعمى وراء الاستهلاك المفرط للوقود الأحفوري تحت مبرر رفع الإنتاجية؛ بغية تكريس الرخاء المعيشي.

فيما يخصني،أستحضر بالدرجة الأولى الأفق الأنطولوجي بخصوص تقييم الكثافة السكانية، بغض النظر رهانات المعطيات السوسيو- اقتصادية : ماجدوى الإنجاب؟بالتالي، ماهية حضور الإنسان في هذه العالم.

إنه السؤال الفيصل،عندما يتبناه كل فرد بقناعة متأمِّلة، ستتغير هذه الأرض نحو الأفضل. حينها، ربما أبانت فعلا عن ما يستحق الحياة.   

Visited 2 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

سعيد بوخليط

كاتب ومترجم مغربي