رحيل راسل بانكس.. الشاهد على خلل وتفكك أمريكا

رحيل راسل بانكس.. الشاهد على خلل وتفكك أمريكا

باريس – المعطي قبال

   للعثور على نظيره في الإمساك بمعاناة البؤساء وتهميشهم من طرف الرأسمال المتوحش، يجب العودة إلى كتابات جون دوس باسوس، وليم فولكنر، جيمس بالدوين… كان الوريث الشرعي والأمين لعوالمهم المثخنة بالعنف والصخب، لكنه طورها ووسع من مجالها على ضوء الحروب والأزمات والانكسارات الاقتصادية والاجتماعية التي كانت أمريكا ولا تزال مسرحا لها.

   لذا يعتبر راسل بانكس، من مواليد 28 مارس 1940، والذي غيبه الموت في 7 يناير 2023 عن 82 عاما ، أحد الكتاب الأمريكيين الكبار والمميزين باعتباره آخر الضمائر النضالية اليقظة والمدافعة عن معذبي الأرض. شاعر، روائي وكاتب قصة، كان بانكس شغوفا بكتابة محكيات عن مشاكل الطبقة العاملة التي كانت عرضة للبؤس والمخدرات ومشاكل العنصرية. نقلت العديد من أعماله إلى السينما مثل «الأيام القادمة الجميلة» و«بلاء». كان عضوا بالأكاديمية الأمريكية للفنون والآداب، وكذا الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم. ترأس ما بين 1998 و2004 البرلمان العالمي للكتاب الذي أنشأه سلمان رشدي، كما أطلق مدن اللاجئين بأمريكا الشمالية وهي عبارة عن ملاجيء لكتاب منفيين أو مضطهدين في بلدانهم.

   راسل بانكس سليل عائلة متواضعة حيث اشتغل والده لحاما. وقضى طفولته بالنيل هامشير. كان ناشطا سياسيا وكاتبا ملتزما حيث ندد بلا مواربة بالتدخل الأمريكي في العراق وقانون الباتريوت، توجت أعماله الروائية ومن أهمها “الانجراف القاري” و”مفرق الغيوم”، بجوائز قيمة مثل جائزة جون دوس باسوس، جائزة أنسفيلد – وولف عام 1999، والجائزة الأميركية للكتاب عام 1982، زمالة متحف جوجنهايم، وزميل الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم. كانت له مواقف مشرفة ومساندة للفلسطينيين. في رواية «الانجراف القاري»، يحكي بانكس بالتوازي، مصيرين لتحقيق الحلم الأمريكي: مصير بوب ديبوا الذي أقنع زوجته بطي صفحة الحاضر بمدينة نيو هامشير والالتحاق بأخيه الذي أصبح ثريا بفلوريدا. بالمقابل وعلى مبعدة مسافات طويلة، تهرب فانيس دورسانفيل رفقة رضيعها من هايتي للالتحاق بزوجها بأمريكا. قررت الهروب من العنف والفوضى السائدين في بلدها. لكن الخيبة كانت بحجم الأمل. في هذه الأوديسة المعاصرة، يقف القاريء عند أحلام اليقظة الوهمية التي تغذي الحالمين بـ «عدن أمريكا» التي تتحول عند أول لقاء بها إلى كابوس مخيف.

   البورتريه الذي يرسمه بانكس لأمريكا عبر رواياته أو قصصه القصيرة تطغى عليه الألوان القاتمة وبين الفينة والأخرى ينتفض قبس نوراني يذكرنا بأن الأمل بين يدي البسطاء والمهمشين على الرغم من قسوة الحياة. وكما لو تنبأ بنهايته في روايته الأخيرة «آه كندا» التي صدرت في شهر سبتمبر الماضي عن منشورات أكت سود، تدور أحداث الرواية من حول منتج وثائق شهير، ليونارد فايف وهو في 77 من عمره قرر تصوير شهادته الأخيرة قبل وفاته. أليس ليونارد فايف صنوا لبانكس؟ على أي قربنا نتاج هذا الأخير، بإبداعية واقعية وشعرية، من خلل وتفكك أمريكا من الداخل.

Visited 12 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".