جبران النبي.. وجبران تحت الصفر!
محمود القيسي
“أعطنى النايَ وغنّ فالغناء سر الخلود
و أنين الناي يبقى بعد أن يفنى الوجود
هل اتخذتَ الغابَ مثلي منزلاً دونَ القصور
فتتبّعتَ السواقي وتسلّقتَ الصخور؟
هل تحمّمتَ بعطرٍ ونشّفتَ بنور”..
هل يستوي (جبران خليل جبران) و (جبران جرجي باسيل)..؟ هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون..؟
وهل يستوي الذين يعطون والذين يأخذون..؟ وهل يستوي الذين أضاءوا اسم لبنان في العالم والذين قطعوا النور عن لبنان..؟ وهل يستوى النور والظلمة… والضوء والعتمة؟!
كلّا كلّا، وألف كلا… لا يستوي نبي جبران خليل جبران النبي ويهوذا سمعان باسيل الإسخريوطي..!؟
لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون.. ولا يستوي الذين يعطون والذين يأخذون.. ولا يستوي الذين يأكلون والذين يضرسون…..!
اسألوا أهل العلم والمعرفة والفلسفة والحكمة، والسياسة والاقتصاد، والرياضيات والفيزياء والكيمياء، والأدب والشعر والتاريخ والفنون وجميع مدارسها .. إن كنتم لا تعلمون! اسألوا أهل العلم والعلوم والمعرفة دون استثناء، حيث أن لا استثناء في العلم والعلوم.. إن كنتم تعلمون أو لا تعلمون.
“أعطنى الناي وغنّ فالغناء سر الخلود.. وأنين الناي يبقى بعد أن يفنى الوجود.. هل جلست العصر مثلي بين جفنات العنب.. والعناقيد تدلّت كثريّات الذهب.. هل فرشت العُشبَ ليلاً ..وتلحّفتَ الفضا.. زاهداً في ما سيأتي.. ناسياً ما قد مضى؟..
لم يكن جبران خليل جبران نبيّاً.. ولم يكن فيلسوفا.. بل، كان فيلسوفًا نبيا.. ونبيًا فيلسوفا.. كان نبي فلسفة “الرابطة القلمية”، التي أراد هو وأصحابه من الأدباءِ والشعراءِ السوريين واللبنانيين، كميخائيل نعيمة، وعبد المسيح حداد، ونسيب عريضة… من خلالِها تجديد الأدبِ العربي وإخراجه من مستنقعه الآسِن، وقد أُسست هذه الرابطة عامَ 1920 م. كتاب «النبي» هو درّة ما كتبه «جبران خليل جبران»، وخلاصة ما توصل إليه، وعصارة تجاربه الذاتية ونظرته الحياتية؛ فقد ضمَّنَه كل آرائه في الحياةِ والموت، الطعامِ والشراب، الحبِّ والزواج، وغيرها؛ لذا فقد اعتبره جبران «ولادته الثانية» التي ظل ينتظرها أكثر من ألف عام.
“أعطني الناي وغنّ.. فالغنا عدل القلوب.. وأنينُ الناي يبقى.. بعد أن تفنى الذنوب.. أعطني الناي وغنّ.. وانسَ داءً ودوا.. إنما الناس سطورٌ.. كُتِبت لكن بما.. أعطني النايَ وغنّ.. فالغناء سر الخلود.. وأنين الناي يبقى.. بعد أن يفنى الوجود”.
يسرد جبران آراءَه في كتاب النبي على لسان الحكيم «المصطفى» الذي ظلَّ بعيدًا عن وطنه اثني عشر عامًا، وعاش بين سكان جزيرة «أورفاليس» كواحدٍ منهم، منتظرًا عودته إلى مسقط رأسه. وحينما ترسو السفينة ويحين موعد رحيله يرجوه سكان الجزيرة أن يخطب فيهم؛ فكانت خطبة الوداع التي لخص فيها مذهبه. لقد نجح جبران في كتابه في أن يتجاوز حدود ديانته، ليرسي دعائم إنسانية تحترم الإنسانَ لكونه إنسانًا لا لأي عاملٍ آخر.
ينتمي كتاب النبي إلى مجموعة فريدة من الأعمال التي تشمل أعمال إدوارد فيتزجيرالد، رباعيات عمر خيام (1859)، وبعض أعمال ويليام بليك، التي تمت مقارنة أعمال جبران بها. كتاب النبي جعل من جبران واحداً من أعظم الشعراء الذين تم نشر أعمالهم على نطاق واسع، خلف وليم شكسبير فقط ولاو تزو. الكتاب الذي وصلت مبيعاته باللغة العربية.. الأكثر مبيعاً في القرن العشرين!
دائمًا ما كان يردد جبران النبي أن منبر الإنسانية قلبها الصامت لا عقلها الثرثار. أنتم تؤمنون بما تسمعونه يقال أمامكم، فآمنوا بالأحرى بما لا يقال، لأن صمت الناس أقرب إلى الحقيقة من أقوالهم. ليس الجمال في ملامح الوجه، الجمال الحق هو نور ينبع من القلب. ولا تختر نصف حل، ولا تقف في منتصف الحقيقة، ولا تحلم نصف حلم، ولا تتعلق بنصف أمل. حتى لو كان هناك البرق والعواصف الرعدية في الوقت الحالي، كن على علم بأنه لا يمكن أن يكون هناك مطر دائمًا. ليست صعوبات المسار هي التي تؤذي قدميك ولكن الحصاة الموجودة في حذائك. لدينا جميعا عائق للتغلب عليه. دعونا نتعلم من خلافاتنا ونجعلها كلها “فرصة”. في المدرسة يعَّلِمونك الدَرس ثم يختَبِرونك، أمَا الحياة فتختَبرك ثم تُعَلِمك الدرس. قد تَقصُر الحياة وقد تطول، فَكُلّ شيء مَرهون بالطريقةِ التي نحياها بها. المتشائم هو من يصنع من فرصه صعوبات، والمتفائل هو من يصنع من صعوباته فرص. تذكر أنه لا يمكن إطلاق سهم إلا من خلال تثبيته وهذه هي الحياة. عندما تعيد الحياة للصعوبات، فهذا يعني أنها ستطلقك في النهاية في الاتجاه الإيجابي.
أما في ما يعود إلى جبران العونية والعتمة والمياه المقطوعة والطاقة المقطوعة، انتشرت إشاعات كثيرة حوله، عن ثروته وعن شرائه أراضي شاسعة في لبنان، وعن امتلاكه منازل خارج لبنان، وعن طائرة خاصة يملكها. وحسب ما نشره الصحفي ميشال لاروش في موقع سويسري مقالاً ذكر فيه الـ 100 مليون دولار التي جناها جبران العتمة من البواخر وصفقات النفط والكهرباء ومن بعض المغتربين، بحجة الدفاع عن المسيحية في لبنان والشرق من الغزوات القادمة في عقله المريض وجيوبه المنتفخة.. كما ذكرت مصادر لصحيفة “الديار” في صفحة خفايا (2 شباط- فبراير 2013) أن “وزير الطاقة جبران باسيل وصلت ثروته إلى مليار دولار، وهو لا يراجعه أحد في التيار الوطني الحر، وأعطاه رئيس التكتل العماد ميشال عون الحرية المطلقة أن يتصرف كما يريد”. ورأت المصادر أنه “إذا كان الوزير جبران باسيل يريد أن يكون شفافاً عليه أن يقدم ورقة بأنه يرفع السرية المصرفية عن حساباته في لبنان وفي العالم كله، لأنه قد يكون وضع في سويسرا حسابا في غير اسمه”.
كتب الروائي التركي – عزيز نيسين قصة قصيرة لها دلائل عظيمة…. عن عائلة حاكمة تعيش في قصر كبير.. لم تجد مانعا من أن تؤجر حجرة منه.. ثم حجرة أخرى.. ثم ترهن حجرة ثالثة.. وهكذا جرى المال في يد الأسرة والصهر الطمّاع.. وراح ينفقه على أشياء لا لزوم لها.. لكن المستأجرين سرعان ما ضجوا بالشكوى من قلة المياه.. وانقطاع الكهرباء.. وتوقف الخدمات.. فوافقت الأسرة على أن تقترض منهم لإصلاح المياه والكهرباء المقطوعة والخدمات المتوقفة.. ثم اقترضت منهم لإصلاح شبكة الصرف.. ثم اقترضت منهم لإصلاح الطرقات والحديقة.. ولأنها عجزت عن السداد.. فقد سمحت بتوكيل الصهر بمزيد من الغرباء يدخلون البيت ويسكنون فيه.. ثم سمحت لهم بالسيطرة على الحديقة.. ثم تركت لهم كل البيت وسكنت فوق السطح.. ثم لم تجد مفرا من أن يعمل أفرادها في خدمة هؤلاء الغرباء.. أصبحوا خدما لهم..
وهنا صرخت الابنة الكبرى: إن هذا البيت لم يعد بيتنا.. نحن الذين أصبحنا فيه غرباء.. لكن الأب غضب بعنف على ما سمعه من ابنته.. وسارع بفتح خزانته السرية وأخرج منها ورقة قديمة تثبت أنه ورث البيت أبا عن جد. وقد دخل عزيز نيسين السجن بعد نشره لهذه القصة.. وقال المدعي العام العسكري الذي كان يحاكمه إنه كان يقصد الوطن بهذا البيت.. فابتسم عزيز نيسين ابتسامة ساخرة وقال: مادمتم بهذه الفطنة فلماذا فتحتم أبواب وحجرات القصر والوطن للغرباء حتى احتلونا بالديون، وأصبحنا نحن الغرباء رغم سندات الملكية التي نحملها ونحن سعداء؟!!
Visited 28 times, 1 visit(s) today