هل نحن أمام طبخة أوروبية مسمومة يتم إعدادها لمنطقة المغرب العربي؟
عبد السلام بنعيسي
أقر البرلمان الأوروبي توصية تقضي بمنع النواب المغاربة من دخول مقره في بروكسل إلى حين الانتهاء من التحقيق في قضية “فساد” مزعومة متهم فيها المغرب. وأقر البرلمان الأوروبي الإجراء الجديد في تصويت بأغلبية 401 صوت، مقابل رفض 3 نواب، وامتناع 133 عن التصويت.
إذا كان الفساد والرشوة سائدين في البرلمان الأوروبي، فهل المغرب وقطر وحدهما من يقدمان الرشوة لبعض البرلمانيين الأوروبيين؟ ألا توجد دول أخرى غيرهما تفعل نفس الشيء؟ النواب الذين يقبضون الرشوة من المغرب، لماذا لا يسعون للحصول عليها من دول لا توجد فيها برلمانات، ولا رقابة على المال العام، وقد تكون أحوج، من المغرب، لشراء الصمت الأوروبي، جراء انتهاكاتها الفظيعة لحقوق الإنسان في أرضها، وفي محيطها؟؟؟
اتهموا المغرب بالتجسس على الهاتف النقال للرئيس الفرنسي مانويل ماكرون ببرنامج بيغاسوس، إذا كان المغرب قادرا على التجسس على ماكرون، فماذا عن دول مثل الصين وروسيا والهند… المتطورة تقنيا أكثر من المغرب مائة مرة؟ ألا تكون أسرارُ فرنسا تحت أيدي هؤلاء بالجزئيات والتفاصيل، ما دامت تحت أيدي المغاربة؟؟؟
أما في ملف إرشاء النواب الأوروبيين، فنحن لا نزال في مرحلة الاتهام، والقضاء الأوروبي لم يحسم في الأمر بعد، ولم يصدر أي حكم قضائي يتضمن إدانةً ضد أي جهة في المغرب، وكما تقول القاعدة القانونية المعروفة: إن المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته، ورغم ذلك، قرر البرلمان الأوروبي منع النواب المغاربة من دخول مقره!!!! ألا يستخف هنا البرلمان الأوروبي بقضاء القارة العجوز ويقوم بتهميشه، حين يقرر بدلا عنه، أن المغرب مدان، ويتعين معاقبة برلمانه قبل المحاكمة؟ أليس هذا هو ما يسمى وضعُ العربة أمام الحصان؟؟؟؟
لكن، لماذا لا تكون مؤسسات مغربية أخرى، لا صلة لها بالبرلمان هي من قدمت الرشاوي، هذا إذا افترضنا، مجازفةً، أن المغرب رشى نوابا أوروبيين؟ فالأسئلة التي تفرض نفسها هنا هي: بماذا علم البرلمانُ الأوروبي أن نظيره المغربي هو الذي قدّمَ، كمؤسسة، رشاوي لبرلمانيين أوروبيين؟ على أي أساس وجَّه إليه النواب الأوروبيون هذه التهمة؟ وما هي الأدلة والحجج التي اعتمدوها للجزم بأن البرلمان المغربي كان وراء الرشاوي الموزعة على نواب أوروبيين؟
الرائج في الإعلام الأوروبي هو أن بعض العناصر في المخابرات المغربية هي التي سعت لاستمالة بعض النواب الأوروبيين لجهة المغرب، فما دخل البرلمان المغربي في هذه النازلة؟ فما دام القضاء الأوروبي لم يصدر حكمه الباث والنهائي في هذه النازلة، مع توفير كل الشروط اللازمة لتأمين محاكمة عادلة ونزيهة للمتهمين، فإن أي إجراء يتم اتخاذه ضد المغرب، وتحديدا ضد برلمانه، يكون إجراءً باطلا، بحكم القانون، وكل ما ينتج عنه يكون، ظلما، وتعسفا، واعتداء على النواب المغاربة الذين يطالهم هذا الإجراء.
يتعين في البرلمان الأوروبي، احترامُه الشديد والتام للرأي العام الأوروبي ولناخبيه أساسا، وتبعا لذلك، يجب عليه تبرير، أي خطوة يُقبِلُ عليها، بمعطيات قانونية مقنعة، ولا يرقى الشك إليها. لا يليق بمنتخبين، من طراز رفيع، يُشرّعون للقارة الأوروبية، وتنعكس التدابير التي يتخذونها، إيجابا أو سلبا، على شعوب في دول، وربما في قارات برمتها، داخل أوروبا وخارجها، لا يليق بهم، اتخاذ قرارات عشوائية وغير مدروسة. العقوبة في جميع القوانين الوضعية، تطال مقترفي الجريمة تحديدا، ولا يجوز أن تشمل غيرهم، بأي صيغة من الصيغ.
غير أن البرلمان الأوروبي، في منعه النواب المغاربة من دخول مقره، يكون قد اتخذ قرارا عقابيا ضد كافة أعضاء البرلمان المغربي، فنحن إزاء عقاب جماعي، يتخلله عيب كبير، شكلا ومضمونا، ولا تربطه صلة بالقانون. إذا كان في البرلمان المغربي سياسيون انتهازيون ووصوليون، فإن فيه أيضا مناضلين حقيقيين، ينتمون لصفوف اليسار، وممثلين للطبقة العاملة، وفيهم من تعرض في حياته النضالية للمضايقات، وحتى للسجن، ومنهم من يناضل، بصدقٍ واستماتة، من أجل محاربة الرشوة والفساد في بلده المغرب، لكي يكون دولة حقٍّ وقانون، فكيف يمنع البرلمان الأوروبي مثل هؤلاء النواب من دخول مقره؟ هل يجوز خلط الأبيض بالأسود، واليابس بالأخضر؟
يفترض في البرلمان الأوروبي أن يظل على علاقة طبيعية وعادية بنظيره المغربي، وخصوصا النواب الذين لهم سمعة طيبة، ولا تشوب سيرتهم النيابية أي شائبة، وإذا كانت لديه ملفات يتهم فيها بعض المسؤولين المغاربة بتقديم رشاوي لنواب برلمانيين أوروبيين، كان عليه أن يمُدَّ بها البرلمان المغربي، وأن يطالبه بالتحقيق في شأنها، وإذا لم يبادر البرلمانيون المغاربة للتجاوب، مع نظرائهم الأوروبيين، وإذا لم تقبل السلطة في المغرب التعاون في تنفيذ أحكام قضائية صدرت ضد فاسدين مغاربة، حينئذ يحقُّ للبرلمان الأوروبي وقف التعاون مع البرلمان المغربي، ومنع أعضائه من دخول مقر البرلمان الأوروبي، وحتى أوروبا نفسها.
المخالفات القانونية ينبغي التصدي لها بتدابير قانونية وعقلانية، لكن البرلمان الأوروبي يتصرف مع المغرب بعقلية متنصلة من المنطق ومن القانون. وتصرُّفهُ كله تعسُّف وعنجهية، ووراء قرار منع النواب المغاربة من دخول مقر البرلمان الأوروبي، دوافعُ سياسية، ليس لها علاقة بمخالفات قانونية مفترضة ارتُكبت من طرف بعض المسؤولين المغاربة، ولعل الأمر يشكل مقدمة وتمهيدا لقرارات جائرة أخرى في الطريق قد تتعرض لها الرباط.
السعي لتلبيس المغرب التهمة تلو الأخرى، وملاحقته بالحملات الإعلامية المتواترة، عنوانٌ لتأزُّمٍ في العلاقات الأوروبية المغربية، وهذا التأزم لا يزال في مستهله، كيف يتطور؟ وما الهدف النهائي منه؟ وإلى أين تفضي وتنتهي سياسةُ شدَّ الحبل بين الطرفين؟ كيفما كانت الأجوبة على الأسئلة السالفة، فإن المؤكد هو أن المغرب، البلد المعتدل في سياسته والذي كان دائما مقربا من الغرب ومواليا له، ليس هو المستهدف لوحده من الحملة الأوروبية المشنة عليه، المنطقة المغاربية كلها في دائرة الاستهداف. وقد نكون أمام طبخة غربية مسمومة يتمُّ إعدادها لمنطقة المغرب العربي الكبير، طبخةٌ ستتجلى في الأيام والشهور المقبلة محتوياتها للعموم..