إسرائيل تتلوى في نفق الانقلاب القضائي
حسين قاسم
حالة صراع داخلي غير مسبوقة تشهدها إسرائيل تشرخ المجتمع الإسرائيلي اليهودي وتقسمه إلى فئتين متصارعتين يبدو الجسر بينهما غير ممكن، على الأقل راهناً.
تنتظم هاتان الفئتان حاليًا في معسكرين متنازعين: معسكر اليمين الجديد الذي يتبوأ الحكومة ويضم في صفوفه تنويعات من أقصى اليمين الشعبوي واليمين الكهاني والصهيونية والحردلية (المتزمتة قوميًا ودينيًا) والحريدية التي مرت بعملية “تهويد قومي” مستمرة، وذلك في مقابل المعارضة التي تقوم بالاحتجاجات على خطة الانقلاب القضائي لياريف ليفين وتجمع أحزاب الوسط واليسار واليمين الدولاني. ولكل معسكر سماته الطبقية والاجتماعية والإثنية ورؤيته لطابع الدولة. ويتوافق المعسكران على يهودية الدولة وعلى الصهيونية لكنهما يختلفان على العديد من الامور الاخرى. وما زال المشهد السياسي الاسرائيلي يتعرض لاهتزازات مختلفة بدأت تطاله في الصميم،
فقد طغى على الحياة السياسية الاسرائيلية لعقود خلت موضوعة يهودية الدولة في محاولة من القوى العميقة فيها على استدراك الآتي من المخاطر عليها هو الخطر الديمغرافي، بخوف واضح من تزايد عدد سكان عرب اسرائيل على هويتها اليهودية، وقد تبلغت تلك القوى بتقرير احصائي يشير لذلك الخطر القادم، بالمقابل ونتيجة للاضطرابات التي لن تتوقف فيها سواء مع الفلسطينيين او مع محيطها، ورغم محاولاتها المتعددة من تخطى تلك الازمات، سواء بالإجراءات العسكرية والقمعية وتوقيف عملية السلام مع السلطة الفلسطينية ، اضافة للدعم الاميركي غير المحدود لها، والانهيارات التي حصلت في دول الطوق،
على الرغم من ذلك شهدت إسرائيل في السنوات الاخيرة توترات سياسية وصراعات داخلية بين الأحزاب والقوى السياسية نتيجة التقلبات الحكومية والانتخابات المتكررة. هذا الوضع أدى إلى تشكيل تحالفات حكومية جديدة تضم مجموعة متنوعة من الأحزاب التي تمثل مجموعة واسعة من الآراء والتوجهات السياسية، ثم ان استمرار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي يشكل تحدياً سياسياً هاماً لها، وابقى العنف والحروب سمة من سمات وجودها، في حين استمرت التوترات الاجتماعية بين المواطنين الاسرائيليين عرباً ويهود،
في الوقت عينه استمرت التحديات الامنية ماثلة وحاضرة وأبرزها موضوع مواجهة البرنامج النووي الايراني، فيما استفحلت فيها مسألة التفاوت الاجتماعي بين فئاتها والتنمية المستدامة، كذلك تفاقمت الصراعات بين اليهود الشرقيين والغربيين وغيرهم، الى ان انفجرت على نطاق واسع، لا سيما ان الشرارة التي أشعلت فتيلها لم تكن مسألة عادية وكبرت، بل بدأت كبيرة وضخمة مباشرةً، وهي ان حكومة نيتنياهو استهدفت فوراً الركن الاساسي في المجتمعات التي تصف نفسها بأنها ديمقراطية الا وهو الجسم القضائي، اي الجسر الذي يجمع ويفصل بين اطراف السلطة.
اختارت الحكومة له عنواناً هو “برنامج إصلاح الجهاز القضائي” بينما وضع لها معارضوها عنوان “الانقلاب القضائي” أو “الانقلاب على نظام الحكم”، كشف تحقيق نشره مؤخراً موقع مركز “هشومريم” / الحرّاس (الذي يعرّف نفسه بأنه “مركز للإعلام والدمقراطية؛ جسم إعلامي غير سياسي غايته تعزيز أسس الديمقراطية في إسرائيل من خلال المشاريع الإعلامية والتعاون مع وسائل الإعلام الإسرائيلية الأخرى”) عمّا وصفه بأنه “انقلاب ليس أقل دراماتيكية تتضمنه الاتفاقيات الائتلافية الجديدة ويمر من تحت الرادار دون أن ينتبه له أحد ودون أن يحظى بأي اهتمام أو أن يثير أي ضجة”، وهو الذي يتمثل في “تجزئة الجهاز القضائي في إسرائيل على نحو يمنح المحاكم الدينية اليهودية مكانة المحاكم العادية، المدنية، بكل ما في الكلمة من معنى وبكل ما يعنيه ذلك”! حتى أن الموقع اختار لتحقيقه الشامل هذا عنواناً يقول: “دولة شريعة، فعلياً: الانقلاب القضائي الذي لا يتحدث عنه أحد”!
ففي كل واحدة من هذه الاتفاقيات، حسبما يكشف موقع “هشومريم”، بنود حول أوضاع المحاكم الدينية اليهودية ومن بينها التوافق على توسيع صلاحيات هذه المحاكم لتشمل، أيضاً، صلاحية النظر والبتّ في كل ما يتعلق بما يسمى في الشريعة اليهودية “ديني مَمونوت” (أي: قوانين الأموال)، وهي القوانين التي تعالج شؤوناً مدنية لا علاقة لها بشؤون المحاكم الدينية، وفي مقدمتها القضايا والنزاعات ذات الجوانب والأبعاد الاقتصادية، وهي قوانين كثيرة ومتشعبة تشمل، من ضمن ما تشمل: قوانين الشراكة، قوانين الجيرة، قوانين الأضرار، قوانين الملكية وما إلى ذلك. ورغم أنه لم يرد أي ذكر لهذه البنود ضمن “برنامج الإصلاح القضائي” الذي عرضه وزير العدل ياريف ليفين بعد أيام قليلة من تسلمه منصبه الجديد هذا، إلا أنها تشكل “خطوة إضافية أخرى في تغيير نظام القضاء في دولة إسرائيل”، كما يشير تقرير “هشومريم”.
اضافة لذلك فان الأمر وصل عند برنامج الحكومة القضائي الى قضايا الاحوال الشخصية والذي بدوره يشمل تجزئة واضحة بين الرجال والنساء نحو المس بحقوق المرأة وصولاً لمنعها من حضور المحاكمات وتالياً عدم قبول شهادتها امام المحاكم وتأثيرها اللاحق على مسائل الطلاق والزواج والميراث وحضانة الاطفال.
بيد ان مندرجات المعروض يتضمن ايضاً اجراءات هائلة تُعيد النظر بكامل وضعية العرب الفلسطينيين المقيمين في اراضي ال٤٨ نحو تفرقة عنصرية مقيتة.