لبنان على مرجوحة اتفاق بكين- فرنسا

لبنان على مرجوحة اتفاق بكين- فرنسا
 
حسين قاسم
 
   من السهل استنتاج أن هناك تطورات وإعادة ترتيب للأوضاع العالمية عند متابعة المشهد السياسي الدولي. رغم أن الحرب الناشبة حالياً بين روسيا وأوكرانيا، وأن تداعياتها على الصعيد الدولي حتى اللحظة، لم تسمح بعد بترتيب ميزان القوى العالمي، إلا أن الوضع في الشرق الأوسط يتجه نحو إعادة الترتيب وباكورته بدأت من اتفاق بكين. هذا الاتفاق الذي يرى به كل طرف مصلحته أنه يشمل ترتيب معظم الساحات الملتهبة، إنما لا اتجاه لحلول جذرية بل لاطفاء الحرائق في هذه الساحة او تلك، وترجمته باعتماد حلولاً وسطية، بدءاً من اليمن وصولاً الى لبنان، علماً ان الساحة الاكثر تعقيداً هي الساحة السورية، نظراً لتداخل عوامل أخرى هي ابعد واكبر من اطراف اتفاق بكين.
   وإذا كان المسار اليمني، لن يأخذ حلاً جذرياً شاملاً لبلدٍ انهكته الحروب المتتالية، بل سيجري ترتيب صفقة تقاسم نفوذ بين اطراف النزاع هناك، لكنه يوفر خروجاً مُشرِّفاً للمملكة العربية السعودية من الحرب اليمنية.
 إنما في لبنان، يلاحظ المتابع أنه لا يُعتبر ذا أولوية بالنسبة للمجتمع الدولي، لا سيما للاتحاد الأوروبي والمؤسسات الدولية الأخرى. بالتالي يتعاملون مع الأوضاع اللبنانية تعاملاً روتينياً وإدارياً.
   بالمقابل فإن المشهد السياسي اللبناني اليوم يختلف عن عام 2016، عندما تولى ميشال عون رئاسة لبنان. حينها كان ميزان القوى مائلاً لصالح قوى الممانعة، لكن منذ “ثورة 17 تشرين” خسر أتباع إيران بمجالات عديدة، بدءاً من الانتخابات البرلمانية التي جرت في أيار- ماي من العام الفائت، إلى مسؤوليتهم عن أخطر أزمة سياسية ومالية واقتصادية واجتماعية تعصف بلبنان، إلى التداعيات المرتقبة للتفاهم السعودي الإيراني.
   برأيي المعنيين بالوضع اللبناني في الاتحاد الاوروبي، أن هناك ثلاث ملفات تبحثها المؤسسات الدولية، الملف الأول هو تحقيق الاستقرار السياسي في لبنان، لا سيما بعد إتمام الترسيم البحري بين لبنان واسرائيل، إن هذا الاستقرار الذي أرساه الترسيم المذكور ليس جنوبًا فحسب، إنما ينعكس على مجمل الوضع اللبناني والذي يسهم ليس استجراراً للغاز والنفط فقط، وإنما في استعادة الثقة بالوضع اللبناني، من أجل تشجيع الاستثمارات الاجنبية والعربية في لبنان، وبالتالي على اللبنانيين استكمال الإنجاز السياسي، بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، وإجراء تعيينات والقيام بالإصلاحات اللازمة ومحاربة الفساد، كمقدمة للحوار مع المؤسسات الدولية للحصول على المساعدات المختلفة، وبناءً عليه فإن ميزان القوى الراهن لا ينتج عنه الإتيان برئيس جمهورية من فئة معينة، والذي يُطلق عليه في لبنان رئيس تحدي، أذاته يسري على رئاسة الحكومة وأعضائها، وكذلك على التعيينات المنتظرة في مناصب الفئة الأولى. خاصة في حاكمية المصرف المركزي، وقيادة الجيش.
   في ضوء هذه الحلول الوسطية التي تدعو لها الأوساط المتابعة للوضع اللبناني في الاتحاد الاوروبي، فستكون الخطوات السياسة المقبلة في لبنان موجهة نحو تحقيق التوازن وتعزيز التعاون بين القوى المحلية المختلفة. بهدف تحقيق الاستقرار الداخلي للبنان وتعزيز تطلعات الشعب اللبناني نحو تحسين الظروف المعيشية والاقتصادية.
كي تتمكن الحكومة اللبنانية الجديدة من تعزيز العلاقات مع المجتمع الدولي وجذب الاستثمارات الأجنبية، لدعم إعادة إعمار البنية التحتية المتضررة والنهوض بالقطاعات الحيوية، ومن أجل تنفيذ إصلاحات جذرية في القطاع المالي والمصرفي والاقتصادي للبنان، بما في ذلك مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية والمحاسبة. تعتبر هذه الإصلاحات ضرورية لتحسين الثقة في المؤسسات اللبنانية واستعادة الاستقرار الاقتصادي.
   كذلك تدعو هذه الأوساط إلى إعادة الاعتبار للبنان على الساحة الدولية، وإلى تعزيز علاقاته مع الدول العربية وفي طليعتها دول مجلس التعاون الخليجي.
   الملف الثاني كان ملف النازحين السوريين، الذي يشترط النظام السوري لإعادتهم إعمار سوريا، وبما أن المساعدات تذهب إلى أوكرانيا فلا مكان عند الأوروبيين لمشاريع بهذا المستوى، لكن بإمكان لبنان أن يطلب زيادة المساعدة المادية له ليتمكن من الاستمرار في إيوائهم، ولا يمكنه فعل ذلك دون إعادة تكوين هياكل دولته المهدمة.
    الملف الثالث هو الوضع الاقتصادي، حيث أن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة التي تعصف في لبنان باتت معروفة للقاصي والداني، ولا يمكن فعل أي شيء في ظل الوضع الراهن المُهترئ، وإن حلوله صارت معروفة.
   بناءً على ما تقدم فإن هوية الرئيس المقبل للجمهورية لن تكون لفرنجية ولا لأي مرشح يشبهه، لا سيما في ظل ما يرشح يومياً عن جدية اتفاق بكين، والأنظار المقبلة ستكون شاخصة لزيارة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي إلى السعودية.
Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

حسين قاسم

ناشط وكاتب سياسي لبناني