فرنجية.. رهان المخاطرة الفرنسية في لبنان

فرنجية.. رهان المخاطرة الفرنسية في لبنان

 ريم ياسين

   في السباق على رئاسة الجمهورية، يظهر من بيروت أن سليمان فرنجية هو مرشح فرنسا في لبنان. بينما تنفي ذلك وزارة الخارجية الفرنسية، ولكن يبقى أن سليمان فرنجية هو في قلب المعادلة، التي تدرس حاليا من قبل الدبلوماسيين الفرنسيين، لإخراج لبنان من الطريق المسدود بعد سبعة أشهر من الفراغ الرئاسي. والأحزاب الممثلة في البرلمان لم تستطع الوصول إلى إجماع، وهي غير آبهة بنتائج  الفراغ الدستوري. بينما يغرق لبنان في الأزمة، وضعت الإصلاحات التي تنتظرها المؤسسات الدولية، الممولة جانبا من قبل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الذي يرى نفسه كمؤتمن على سير الأعمال فقط.

   سليمان فرنجية، الزعيم الإقطاعي من مدينة زغرتا شمال لبنان ورئيس تيار المرده والوزير السابق، هو أولا مرشح الثنائي الشيعي حركة أمل وحزب الله المسلح. ولكنه يحتفظ بعلاقات صداقة مع دول الخليج والولايات المتحدة الأميركية. يعتقد هذا الزعيم الذي يبلغ من العمر 57 عاما أن حظوظه أصبحت أقوى بعد التقارب الذي حصل بين السعودية ودمشق، وهو يلوح بميزة خاصة به، وهي علاقته الوثيقة بالديكتاتور السوري بشار الأسد صديق طفولته، وقد قام بزيارته في منتصف شهر أبريل الماضي،

ولم يستطع الشيعة، الداعمون لسليمان فرنجية، حتى الآن إيجاد أكثرية في البرلمان لانتخابه. إذ ينقصهم الغطاء المسيحي، أو دعم حزب مسيحي، لأن رئيس الجمهورية يجب أن ينتمي إلى الطائفة المسيحية.  وحزب القوات اللبنانية هو أكثر المعادين لسليمان فرنجية. وهذا بسبب دورها في اغتيال والده طوني ووالدته وعشرة من عائلته سنة 1978. يقول ريشار كيو ميو جياأم ، مسؤول في القوات اللبنانية أن فرنجية هو مرشح الخط السوري- الإيراني، ولا يمكن أن يمثل اتجاها جديدا. ليس باستطاعتنا أن نبني أو نقوم بإصلاحات مع وجود ميليشيا مسلحة تابعة لإيران. فسليمان فرنجية هو حتى الآن مرشح تحدي، بينما نحن نعمل على إيجاد توافق حول مرشح يتخطى الانقسام السياسي. هذا ما قاله سيمو أبو راميا، نائب  التيار الوطني الحر، وهو حزب ميشيل عون رئيس الجمهورية السابق وحليف حزب الله.

   ولكنه يعترف بأن هناك مرض لبناني يقضي بأن ينتظر الزعماء اللبنانيون حلا يأتي عبر الاتفاق بين العرابيين الخارجيين. وكانوا يعتمدون كثيرا عل فرنسا التي رعت لبنان منذ بداية الأزمة الاقتصادية والمالية سنة 2019 التي نشطت كثيرا بالنسبة لواشنطن والرياض.

 الخيار البراغماتيكي

    منذ أن أظهرت باريس فرنجية كخيار برغماتيكي بالنسبة لها، كثرت الانتقادات. فرئيس القوات اللبنانية سمير جعجع اتهم فرنسا بأنها تدافع عن مصالح مشتركة لها مع حزب الله في مرفأي بيروت وطرابلس وغيرها… ويتهم البعض باريس بأنها تفكر بإعادة إعمار سوريا. أما النواب التغييريون فهم منزعجون من الاتجاه المغاير للرئيس الفرنسي، الذي كان حتى شهر ديسمبر الماضي، ينادي بتغيير الزعماء السياسيين في لبنان والتخلص من المسؤولين الذين يقفون بوجه تنفيذ الإصلاحات.  يقول ميشال حلو، رئيس الكتلة الوطنية، أن فرنجية يمثل النظام الفاسد والإقطاعي الذي دمر لبنان.

    وقد بانت المبادرة الفرنسية بعد الاجتماع الذي عقد في باريس في 6 فبراير الماضي بين الولايات المتحدة وقطر والمملكة العربية السعودية ومصر، حول خريطة طريق لرئاسة الجمهورية في لبنان. وفق دبلوماسي فرنسي، اختار الرئيس مكرون أحد الاحتمالات التي وضعت على الطاولة.  وهي عبارة عن سلة واحدة تضم سليمان الفرنجية لرئاسة الجمهورية، نواف سلام لرئاسة الحكومة وهو قاضي في محكمة العدل الدولية وسفير سابق لدى الأمم المتحدة. ويقال إن اختيار هذه الشخصية الإصلاحية جاء من الرياض التي تشترط تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والمالية لإعادة استثماراتها في لبنان.

    يقول دبلوماسي فرنسي آخر، إنه إذا كان هناك رئيس حكومة إصلاحي، فيجب أن يكون هناك رئيس جمهورية يؤمن التوازن بين القوى السياسية ويعيد ثقة المجتمع الدولي. وفرنجية هو الوحيد ذو الوزن التاريخي لدى المسيحيين. بحسب الرئاسة الفرنسية، يبدو أنه من المستحيل العمل ضد النظام والقوى السياسية التقليدية. على الرئيس أن يتمكن من التفاوض مع حزب الله وهو الأقوى في البرلمان، ومع رئيس المجلس النيابي نبيه بري  حتى يدعموا الإصلاحات الضرورية لنهضة لبنان.

   يقول المحلل السياسي كريم إميل بيطار إن هذا الاتجاه ينبع من نظرة سياسة الواقع. وهو يتميز بأنه مع فرنجية، تعرف ماذا ينتظرك. فهو زعيم تقليدي ليس فاسدا أكثر من غيره،  وهو يمثل استمرارا للنظام القائم. وهو اكتسب شيئا من الاحترام حتى لدى خصومه، بأنه يلتزم بما يقوله، وبأنه لا يغير مواقفه. وقد أعطى وعودا للفرنسيين عند زيارته لباريس في شهر أبريل الماضي، وقد وقع على وثيقة التزام. وحجة فرنسا أنه لم يظهر أي احتمال آخر مقابل هذا الحل.

   يقول وليد جنبلاط معترضا إنه توجد بدائل كثيرة أخرى إذا فكرنا أكثر.  وبإمكاننا الخروج من الطبقة السياسية التقليدية. الزعيم الدرزي الذي يعتبر بوصلة اللعبة السياسية في لبنان، لم يغير موقفه اتجاه ترشح فرنجية. وقد طرحت عدة أسماء منها قائد الجيش جوزيف عون وهو مرشح قطر، أو إحدى الوجوه المستقلة، مثل الوزير السابق زياد بارود،  والمسؤول في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور. ولكن هذه الأسماء لا تحظى بعد بدعم كاف.

عدم استعجال الرياض

    تعتمد فرنسا على الرياض لإحياء مبادرتها. فالمملكة السعودية التي تعمل بنشاط في اليمن وسوريا والسودان على خلفية اتفاقها مع إيران، لا تبدو مستعجلة في الملف اللبناني. غير أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان استمع إلى حجج الرئيس الفرنسي بالنسبة للتخلي عن لبنان وهو على حدود سوريا وذهابه إلى الفوضى.

   فقد استأنف السفير السعودي في لبنان وليد البخاري استشارته،  وسيلتقي قريبا سليمان فرنجية. موضحا أنه لا يوجد لدى الرياض فيتو ضد أي مرشح، ولكننا نفضل التوصل إلى إجماع لبناني.

 غير أن دبلوماسيا فرنسيا يؤكد أن محمد بن سلمان أعطى موافقته على فرنجية للرئيس الفرنسي. ويقول إن النظام السعودي لم يكن راضيا ولكن الدبلوماسيون يفعلون ما يريد محمد بن سلمان.

   أما الدعم السعودي لنواف سلام، فلم يعد أكيدا. فالسعوديون يرددون على مسامع الأحزاب المسيحية أنهم لن يفرضوا مسارا عليهم، ومن الممكن إقناع جبران باسيل، رئيس التيار الوطني الحر، مقابل ضمانات بإعطائه مراكز، مثل قيادة الجيش. هذا أصعب مع سمير جعجع، الذي يهتم أكثر بالمعركة على الزعامة المسيحية. يوجد احتمال بالحصول على بعض الأصوات السنية، ولا يزال لدينا أمل مع وليد جنبلاط. وهناك من يقول إن البعض ينتظر ليعرف المبلغ الذي سيدفع لهم.

    أما باريس فهي تتمهل حتى منتصف شهر حزيران لإقناع الأطراف المعنيين. وذلك قبل انتهاء مدة ولاية حاكم مصرف لبنان وهو استحقاق مهم جدا.

   إذا نجحت المبادرة أم لا، على المسؤولين اللبنانيين اقتراح بديل، ونحن في جميع الأحوال سنعمل مع الرئيس المنتخب، يختم الدبلوماسي.

بتصرف عن يومية “لوموند” الفرنسية،  12 ماي 2023

Visited 6 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة