تمثيلات المسلم في الصحافة الدنمركية المكتوبة
متابعات:
شهدت رحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، يوم أمس الثلاثاء 16 ماي 2023، مناقشة أطروحة لنيل درجة الدكتوراة من جامعة محمد الخامس، تقدم بها الطالب الفلسطيني، المقيم في الدنمرك حسن العاصي. بإشراف الدكتور محمد الداهي، أما لجنة المناقشة فتكونت من الأساتذة: د. زهور كرام (رئيسة)، ود. العالية ماء العينين، ود. يحيى عمارة، ود. محمد خَريصي.
جاء في كلمة في البداية قدمها الأستاذ المشرف د. محمد الداهي:
“تكونت لدي -بصفتي مشرفا على أطروحة حسن عاصي زهاء خمس سنوات- صورة عنه أجملها فيما يلي:
حسن صحافي محنك، باحث نشيط، فاعل في المجتمع المدني. وهذا ما نلمس جزءا منه في موجز سيرته الذاتية. يعمل ضمن مجموعة الصحفيين الاستقصائيين في نقابة الصحفيين الدنمركيين. عمل في راديو إدفاد التابع لمنظمة إدفاد العالمية لمكافحة التمييز العنصري. عمل في تلفزيون كوبنهاغن معد برامج خاصة عن اللاجئين. عمل في المنظمة الدنمركية لمساعدة اللاجئين. عضو في نقابة الصحفيين الدنمركيين. عضو في الاتحاد الدولي للصحفيين. عضو في اتحاد الصحفيين الفلسطينيين. عضو في الاتحاد العام للكتاب الفلسطينيين.
– أصدر عدة كتب أهمها: ثرثرة في كانون، خلف البياض، أطياف تراوغ الظمأ،امرأة من زعفران، درب الأراجيح مغلق.
-يقيم حسن عاصي في الدنمرك، ويعيش تمزقا هوياتيا وثقافيا بصفته مسلما وفلسطينيا، كما أنه صحافي يتفاعل يوميا مع الأحداث التي تمس هويته ووطنيته، وتقدم صورة نمطية عن الإنسان العربي أو المهاجر بصفة عامة. وعيا مني بهذه الازدواجية في طبعه وسلوكه حرصت في تعاملي معه على ما يلي:
– أن يميز بين الموضوعين العلمي والإيديولوجية بحسب بيير بورديو في مقدمة كتابه ” مهنة عالم الاجتماع”، ويتخذ المسافة اللازمة حيال الموضوع حتى لا يسقط عليه آراءه وانطباعاته الذاتية.
-أن يفصل بين حسن عاصي الصحافي وحسن عاصي الباحث لما يفترضه كل مجال من خصوصيات واعتبارات وشعائر.
– أن يستغني عن التحليلات المفعمة بجدال اليومي وحساباته المغرضة. وهذا ما حفزني في الأخير على حذف كثير من الفصول والفقرات مستأنسا بشفرة أوكام (Rasoir d’Ockam) ومراهنا على الكيف وليس على الكم. وهذا جعل حسن يمخض الأطروحة لاستخراج الزبد، ويشذب أطرافها وغصونها حتى تغدو قدا ممشوقا.
– ما نراهن عليه في أية أطروحة هو – علاوة على نصاعة لغتها وانضباطها المنهجي- أن تكون مفيدة للقراء بتقديم معلومات وإحصائيات ملائمة، وتنتج معرفة تسهم في تقارب الشعوب وتبادل الخبرات. وفي هذا الصدد غبطت لأداء حسن بالنظر إلى ما يلي:
-أسعفتني الأطروحة على تعرُّف الدنمرك : الدنمركية أو الفسلفة الدنمركية، واقع الصحافة الدنمركية، وضع المهاجرين في الدنمرك، المواضيع التي تستأثر باهتمام الرأي العام الدنمركي، الحركية السياسية والنقابية والجمعوية في الدنمرك، تنامي الرهاب الإسلامي بسبب تزايد عدد المهاجرين المسلمين في الدنمرك، والتخوف من أسلمة الدنمرك.
– عالج حسن عاصي موضوعا من مواضيع الأدب المقارن وهو الصوريات Imagologie))، سعيا إلى فهم تمثيلات المسلمين في الصحافة الدنمركين باعتماد صحيفتي السياسة Politiken و يولاند بوستن Jyllandsposten خلال الفترة الزمنية الممتدة من عام 2000 إلى عام 2018. واستعان- في التأكد من صحة الفرضيات المنطلق منها- بالمنهج التلفظي المدمج الذي يعزز مكاسب النظرية التلفظية ( المدرسة الفرنسة المتمثلة في أعمال إميل بنفنسيت وكاترين كربرات أوركيوني وأنطوان كليلولي) بما تحقق من منجزات في إطار النظرية الحجاجة والتداولية وسيميائية الجهات(sémiotique des modalités)، ويراهن من جهة أخرى تحليل المادة اللغوية(النعوت العاطفية والأكسيولوجية والموضوعية، الأفعال الذاتية، الجهات، أفعال الكلام، العُدة الحجاجية) التي يستخدمها “المتحدث أو المتلفظ الدنمركي” في تقديم صورة عن الذات (الصورة الذاتيةAuto-image) وصنع صورة المسلم وترويجها ( الصورة الغيرية Hétéro-image).
يكشف الأدب العام والمقارن “الأساطير الجماعية” التي يروجها شعب ما عن الأجانب. وهو ما يقتضي تداخل المعارف والتخصصات (تاريخ الأدب، والتاريخ السياسي، وعلم نفس الشعوب، وعلم الاجتماع) لاستيعاب التمثيلات والصور من جوانب متعددة وبطريقة نسقية. لا ينبغي إغفال أيضا التحولات الجيو-سياسية التي أدت إلى نعت العربي أو المسلم بـ “الإرهابي أو المتطرف” بسبب الأحداث الإرهابية التي روعت العالم بأسره منذ عقود من الزمن، في حين كان يُنعت في إبان المرحلة الاستعمارية بـ” المتوحش الطيب” لتكريس تخلفه وتبعيته وتوحشه. تندرج التمثيلات أيضا في نطاق المتخيل الاجتماعي بدعوى أن أفراد جماعة أو شعب ما يتقاسمونها في تفاعلهم إيجابا أو سلبا مع الآخر الأجنبي والمختلف (الهوية والغيرية)، ويتناقلونها من جيل إلى جيل آخر(التاريخ)، ويصفون غيرهم بالنعوت الممجوجة والمستهجنة ( العلاقات الدولية) لتعزيز ” الوظيفة التدميريَّة” باعتبارهم مصدرا للشر أو لخطر داهم. وفي هذا الصدد يتمثل المغرب- في مؤلفات الرحالة والروائيين الفرنسيين- بكونه بلدا “متخلفا وغريبا” يحتاج إلى دعم القوى الأجنبية وسندها لتعميره وتمدينه، وأضحت “اليابان المُهانة” الموضوع الأثير لدى الروائيين اليابانيين في أثناء الاحتلال الأمريكي، وقدم الروائيون الفرنسيون المولعون بـ”روايات التجسس” ما بعد عام 1945 صورة نمطية عن العالم الثالث بصفته بؤرة للفوضى والعنف والفساد.
– طلبت منه أن يستفيد من جزئي الكتاب القيم للدكتور محمد البكري (الخطاب السياسي للحركات الاستقلالية، من دجنبر سنة 1942 إلى مارس 1956: بنيته ووظيفته في ضوء لسانيات الخطاب) فيما يخص الجهاز التلفظي، وطريقة الاشتغال على المتن الصحفي، واختزال الأصوات المتعددة في صوت ” المتحدث أو المتلفظ الجمعي” الذي يعبر عن رأي جماعة أو فئة من الناس أو الناطق الرسمي باسم توجه سياسي أو حزبي. وإن وجد حسن مصاعب في قراءة الكتاب في جزئيه الضخمين فقد توفق في استثمار عينة من المفاهيم لتحليل المتن الصحفي المعتمد، والاستعانة به لاستيعاب التوجهات الكبرى للمنهاجية التحدثية على الطريقة الفرنسية.
– اختار حسن- بحكم درايته بالمجال الذي يتحرك فيه- صحيفتين تتوافر فيهما -علاوة على معايير ارتفاع نسب السحب والمقروئيَّة والانخراط- خاصيتا تمثيل تيارين كبيرين في الدنمرك، وتعبئة الجماهير العريضة المتعاطفة معهما، وهما: التيار اليميني المتطرف والتيار الليبرالي. وفي هذا الصدد، يستغل اليمين المتطرف موضوع الهجرة للدفاع عن فكرة إجلاء المهاجرين وخاصة المسلمين بدعوى أنهم يشكلون خطرا على عادات الدنمركيين وأسلوبهم في الحياة، وطريقتهم في تدبير مشاكلهم بالسبل الديمقراطية والعلمانية. في حين يرى “المتحدث الدنمركي” الليبرالي أو اليساري أن الدين الإسلامي لا يشكل عائقا أمام اندماج المهاجرين المسلمين ما داموا يسهمون في تنمية البلاد، ويمارسون شعائرهم الدينية في إطار القانون الذي يسري على المواطنين جميعهم، ويكفل لهم حرية التعبد وحرية التعبير. لا يجبر هذا المتحدث- عكس المتحدث اليميني المتطرف- المهاجرين على الانصهار والذوبان في الثقافة العرقية الدنمركية، بل ينادي بشكل جديد للمواطنة يقر بتعدد الهويات والأعراق والثقافات (حرية التعبد والحق في الاختلاف)، ويميز بين المواطنين بالنظر إلى مؤهلاتهم وأدائهم الواجب الوطني، واحترام القيم الديمقراطية والعلمانية.