موطئ قدم ألمانية في الخليج العربي
د. خالد العزي
حذرت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك الدول العربية من التقارب مع دمشق، وقامت بزيارة بتاريخ 15 الشهر الجاري استغرقت ثلاثة أيام إلى منطقة الخليج العربي، مبتدئة جولتها من المملكة العربية السعودية (على الرغم من تأخر الرحلة بسبب تعطل الطائرة الحكومية والبحث عن بديل)، وصولا إلى قطر، التي قضت بها يومي 16- 17 أيار-مايو 2023، في مهمة رئيسية من المفترض أن هدفها كان إظهار اهتمام ألمانيا بتوسيع التعاون مع دول المنطقة، لكن واقع التطورات فرض نفسه في زيارة بيربوك، ونقلت التركيز بشكل أساسي إلى المبادرات السلمية فيما يتعلق بالأحداث في اليمن والسودان، ونقلت معالجة مشكلات تطوير التعاون مع المملكة العربية السعودية وقطر في قطاع الطاقة في المرتبة الثانية.
مع قادة قطر جرت مفاوضات وتوقيع اتفاقات عديدة، وكان موضوعها الرئيسي هو الطاقة، حيث تتزايد أهمية قطر كمورد للغاز لألمانيا بشكل لا يقاس.
في العام الماضي، وقع البلدان اتفاقية مدتها 15 عامًا بشأن توريد الغاز الطبيعي المسال القطري، واعتبارًا من عام 2026 ستشحن الإمارة ما يصل إلى مليوني طن من الغاز الطبيعي المسال سنويًا إلى ألمانيا. ومع ذلك، فإن هذه الكميات لا تمثل سوى 3% من الغاز الذي تستهلكه ألمانيا.
بالإضافة إلى ذلك، أصبحت قطر مستثمرًا رئيسيًا في ألمانيا. وقد استحوذت الإمارة مؤخرًا على حصة 10% في شركة الطاقة الألمانية.
تشارك العاصمة القطرية في فعاليات شركة “فولكس فاغن” للسيارات وشركة “سيمنز” الكهربائية. ومن جانبها، تقوم ألمانيا بنشاط مميز في تصدير البضائع إلى قطر، حيث بلغت الصادرات الألمانية إلى الإمارة أكثر من مليار يورو في عام 2019 (قبل بدء جائحة فيروس كورونا).
الغريب في قصة العلاقات الجديدة بين قطر وألمانيا هو الوقوف أمام الأحداث الأخيرة التي حصلت بين الدولتين أثناء استضافة قطر بطولة كأس العالم لكرة القدم، حيث ساد جو من العدائية الواضحة من قبل الجانب الرسمي الألماني ضد قطر، فكان على بيربوك إعادة تأهيل ألمانيا إلى حد ما، فيما يتعلق بالموقف العدائي تجاه الإمارة، والذي اتخذته في نهاية العام الماضي رئيسة وزارة الداخلية الألمانية، النائبة الاشتراكية الديمقراطية نانسي فيذر (مسؤول أيضًا عن الرياضة) فيما يتعلق بشروط حصول قطر على حق إقامة كأس العالم وتنظيم البطولة والوضع مع حقوق الإنسان.
وحصل اللقاء مع أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، الذي جرى في قصره بالدوحة، بحسب القناة الأولى للتلفزيون الألماني، بالإضافة إلى قضايا التعاون الثنائي، تم بحث الأوضاع في إيران، بما في ذلك علاقاتها مع روسيا، والوضع في أفغانستان والصراع الروسي ـــ الأوكراني. وفي محادثتها مع أمير قطر، كان على “بيوربوك أن تفصل بين اهتمامها بحقوق الإنسان في الإمارة واحتياجات ألمانيا من الطاقة”. لقد وصفت بيربوك الطاقة بالقضية الأمنية المهمة، وشددت خلال المؤتمر الصحفي مع رئيس الوزراء القطري على أن ألمانيا تسعى للاتفاق على هدف عالمي ملزم بشأن التوسع في الطاقة المتجددة.
وطبعا لم يكن ممكنا لبيربوك تجاهل مواضيع مثل المصالحة السعودية مع إيران وتطبيع العلاقات بين المملكة وسوريا. وكان من بين مهامها الحصول على معلومات حول خطوات الرياض الإضافية المخطط لها في هذا الاتجاه. وفي الواقع، انه في أوروبا، تكاد أسباب المصالحة بين إيران والمملكة العربية السعودية بوساطة الصين مبهمة وليست مفهومة بالكامل بعد.
أما بالنسبة لإعادة التأهيل الفعلي للرئيس السوري بشار الأسد، والتي تمت بدور فاعل للمملكة، فلم تستطع بيربوك مقاومة تحذير زميلها السعودي من مخاطر التقارب مع دمشق. وقالت بشكل قاطع: “لا ينبغي مكافأة الأسد على الانتهاكات الجسيمة اليومية لحقوق الإنسان”.
لقد تخلل اللقاء بين بيربوك والوزير السعودي المواضيع الرئيسية للمفاوضات في المملكة العربية السعودية حول الوضع في الدول المجاورة للمملكة (اليمن والسودان)، وكذلك التعاون في موضوع الهيدروجين. وعُقدت الاجتماع مع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود في مدينة جدة على البحر الأحمر، وقد أشادت بيربوك بالسعوديين على استعدادهم للتفاوض مع الحوثيين وشكرهم على مساعدتهم في إجلاء المواطنين الألمان من السودان الذي مزقته الحرب الأهلية. لقد بذلت بيربوك قصارى جهدها لتظهر نفسها كصانعة للسلام في المنطقة. حيث تضمنت خططها إجراء مفاوضات مع وزير الخارجية اليمني ومنسق الأمم المتحدة للمساعدات الإنسانية في اليمن.