البحث الميداني وتعدد الاختيارات المنهجية في العلوم الاجتماعية

البحث الميداني وتعدد الاختيارات المنهجية في العلوم الاجتماعية

إسماعيل الراجي

     نظمت فرقة البحث “الهجرة، والثقافة وقضايا التنمية” يوم الاثنين 22 ماي 2023، برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية- جامعة عبد المالك السعدي بتطوان، يوما دراسيا حول موضوع “البحث الميداني وتعدد الاختيارات المنهجية في العلوم الاجتماعية” مخصصا لفائدة طلبة الدكتوراه. ألقية فيه ثلاثة مداخلات رئيسية. وجرت المدخلات في حضور مجموعة من الأساتذة من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان والطلبة، والطلبة الذين قدموا من جامعات مغربية عدة. وبعد كلمة الترحيب من قبل رئيسة الجلسة الأستاذة كريمة الطيبي الوزاني، ومنسق فرقة البحث الأستاذ عبد الرحمن الزكريتي، بالأساتذة المحاضرين، والأساتذة والطلبة الحاضرين لليوم الدراسي، لتبدأ المداخلات الثلاث.

    كانت المداخل الأولى، من إلقاء عالم الاجتماع المغربي المختار الهراس. حيث درات المداخلة حول مجموعة من الإضاءات الابستيمية في حول “التثليث المنهجي” في الأبحاث الميدانية في العلوم الاجتماعية، ورافق ذلك إعطاء أمثلة وشروحات تخص منهجية التثليث. ومن المضامين الأساسية التي وردت في محاضرة الأستاذ الهراس حول التثليث المنهجي، الإشارة إلى الضرورات الملحة إلى استعمال “التثليث المنهجي” كتقنية من تقنيات البحث المتبعة في عدة مختبرات ودراسات اجتماعية. وتأتي أهمية هذه التقنية في البحث قصد تحجيم “مساحة الخطأ” في الأبحاث والدراسات التي يقوم بها الباحثين في العلوم الاجتماعية، والتوصل إلى نتائج دقيقة. وقد أكد الأستاذ الهراس، على أن هناك بعض الظواهر الاجتماعية التي يمكن دراستها بمنهجية التثليث؛ المنهجية التي تقوم على أساس دراسة ظاهرة بأكثر من ثلاث تقنيات وأكثر، يمكن أن تتنوع بين المناهج الكمية والكيفية، ويمكن أن تكون الدراسة تعتمد على أكثر من نظرية كالنظرية الوظيفية والبنيوية والتفاعلية…إلخ. وحسب شروحات الأستاذ الهراس، غاية استعمال منهجية التثليث في البحوث الاجتماعية، تكمن بالأساس في كونها تساعد في الدراسات الاجتماعية، وتساعد للوصول لعدة أهداف من بينها: تأكيد النتائج المتوصل إليها؛ الحصول على معلومات جديدة؛ التفسير وكشف تعقيدات الظواهر الاجتماعية؛ الوصول لمعلومات مفصلة أكثر.

    ومن بين أهم الملاحظات التي أشار إليها الأستاذ الهراس، وهو صاحب خبرة كبيرة في تجربة البحث الميداني التي قام بها في مسيرته الأكاديمية والبحثية وتقديم الخبرة السوسيولوجية؛ فيرى أن استخدام منهج التثليث تدعوه الأبحاث التي تعتمد على البراديغم الكيفي. وأثناء ختام مداخلته،  كان الأستاذ قد عرج أثناء مداخلته على العديد من العوارض المتعلقة بشكل عام بالمنهج والأبحاث الميدانية، وقدم فيها اضاءات وأمثلة عديدة، لكن محور المداخلة كان “التثليث المنهجي”. وبالإضافة إلى ذلك قدم ملاحظة حول الأدبيات التي تجعل من موضوع المنهج في العلوم الاجتماعية موضوعا لها، إذ لاحظ عدم اهتمام وتطرق هذه الادبيات-العربية والفرنسية- لمنهجية التثليث.

   أما المداخلة الثانية، فكانت من قبل السوسيولوجي حسن آحجيج، والتي خصصها الأستاذ تدور لـ”النظرية المجذرة” التي قام بتعريفها وتحديد خصائصها النظرية والمنهجية والميدانية.

   بعد أن عرف الأستاذ آحجيج بمؤسسي ورواد هذه النظرية التي تعد أداة في إجراء البحوث الاجتماعية الميدانية-الكيفية. تطرق أيضا لتسليط الضوء عن فلسفة هذه النظرية التي تنحت من نهج الاستقراء، حيث تنطلق من الخاص إلى العام. ومن الأمور التي تم تقديم شروحات حولها من قبل الأستاذ آحجيج، الإشارة إلى أن النظرية المجذرة هي “مقاربة داخلية” تنظر للظاهرة من الداخل أي من خلال “صوت المبحوثين” ما يعني حضور المشاركين(=المبحوثين) بقوة في متن السرد. ومن بين الأمور التي توقف عندها الأستاذ آحجيج بشكل خاص، شروط الحكم عن أن بحثا ما ينهج نهج النظرية المجذرة، فلكي يكون العمل البحثي يدخل ضمن هذه المنهجية ومن بناء مقولتها، ينبغي أن تتوفر فيه سبعة محددات وهي:

  • أن يكون “سؤال البحث واسع” الحدود، على عكس البحث الكمي الذي يكون فيه سؤالا محددا ومركز؛
  • تأجيل “مراجعة الادبيات” إلى أن ينتهي الباحث من بحثه، أي تأجيل القراءة في الأبحاث التي تعالج نفس الموضوع بشكل مباشر إلى انتهاء من البحث؛
  • “جمع البيانات وتحليلها” في “وقت واحد “وهذه العملية من الأمور التي يطول شرحها في هذا المقام؛
  • “التدوين في المذكرة”، إذ يلزم الباحث تدوين الملاحظات منذ دخول ميدان البحث إلى الخروج منه؛
  • “المقارنة المستمرة” وهي من بين الأمور التقنية في النظرية المجذرة؛ تعتمد على “تقطيع البيانات”. وعبر المقارنة المستمرة_ التي لا يسع المقام لشرحها_ يتم بناء “المفهوم الجيد” و”النظرية الجيدة”.
  • “الحساسية النظرية”، وهاته الخاصية ليست هي المراجعة النظرية، بل هي جزء علمي وفني يقوم به الباحث، بحسه وتجربته وقراءته ومعرفته إلى تحويل “البيانات” إلى نظرية؛ أي “توليد نظرية من البيانات” التي هي خاصية من خاصية النظرية المجذرة.
  • الاعتيان(=العينة) النظري، وفي هذا العنصر الأخير، الذي يعرف -الاعتيان النظري، هو عملية متكررة يقوم بها الباحث للرجوع للعينة المدروسة وللميدان مجددا، واختيار عينة أخرى، ويقوم بإجراءات المقارنة بين النتائج، من أجل الوصل إلى “مفاهيم جديدة”.

   في حين كانت المداخلة الثالثة والأخيرة من المحاضرات في اطار هذا اليوم الدراسي، من قبل عادل نجدي طبيب وأستاذ باحث في علم الأوبئة (كلية الطب طنجة)، قدم خلاها مداخلة تحت عنوان “الإمكانيات المتعددة للتعاون بين الباحثين في علم الاجتماع وعلوم الصحة”. وتطرق عرض المداخلة للأستاذ نجدي عرضا حول مفهوم الصحة العامة ، والمحددات التي تعتمل في الصحة العامة؛ ومن بينها المحددات الاجتماعية للصحة. كما توقف الأستاذ عند موضوع تعزيز الصحة…إلخ. وكانت خاتمة العرض تقديم عدة استنتاجات علمية تؤكد على وجود “نهج متعدد التخصصات لمعالجة مشكل الصحة” من بينها تخصصات العلوم الاجتماعية، وكل ذلك من أجل اتخاذ القرار الصحيح في السياسات الصحية على أساس الأدلة العلمية المنبثقة عن عدة تخصصات.

   وعلى ضوء انتهاء المدخلات، فتحت رئيسة الجلسة أبواب التفاعل وطرح الأسئلة من قبل الحاضرين من الأساتذة والطلبة. وبذلك أثمرت المشاركات الثلاثة بتقديم جملة من المعارف والاضاءات حول منهجية البحث في العلوم الاجتماعية، وحول العمل الميداني وتعدد الاختيارات في تقنياته. وعن أهمية علم الاجتماع والدور الذي يمكن أن يقوم به في خدمة علوم الصحة والسياسات العمومية الصحية. ومنه أعلن عن رفع الجلسة، ليستكمل اليوم الدراسي بتأطير ورشات ثلاث لفائدة الطلبة.

Visited 7 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

إسماعيل الراجي

باحث جامعي من المغرب