في وداع الفنان عبد الله حمصي .. اللبنانيون لم ينسوا “ستنا بيروت”

في وداع الفنان عبد الله حمصي .. اللبنانيون لم ينسوا “ستنا بيروت”

ريم ياسين

ودع اللبنانيون اليوم الفنان عبد الله حمصي في مدينته طرابلس، وهو المعروف بشخصية “أسعد” و”دويك”، في حضور حشد من المثقفين والفنانين ووجوه الشاشة الصغيرة ورفاق درب الفقيد في فرقة ابو سليم الطبل الكوميدية التي أسسها الفنان صلاح تيزاني، وقد صلي على جثمانه في المسجد المنصوري الكبير بمشاركة شعبية حاشدة ايضا، قبل أن ينقل جثمانه الى مقابر المدينة ويوارى في الثرى.

والقى الفنان صلاح تيزاني “ابو سليم” كلمة رثى فيها صديقه الراحل، منتقدا الواقع الماساوي الذي وصلنا اليه، وموجها رسالة إلى “اسعد الذي زرع الرياحين والكوميديا النظيفة الظريفة بين الناس”.

من جهته، وجه الفنان صلاح صبح “شكري شكر الله” التحية للحمصي، مستذكرا الفنان محمود مبسوط “فهمان”، ومشيرا الى ان “اللقاء لا بد حاصل معهم”. كما وجه الفنان حسام صيادي المعروف بشخصية “يا سعيد” تحية للراحل.

توفي حمصي، يوم امس عن عمر ناهز 86 عاما، وهو من مواليد طرابلس ــــ شمال لبنان عام 1937، واحترف الفن من خلال القناة السابعة على تلفزيون لبنان الرسمي، وأطل على المشاهدين بشخصية لاقت شهرة واسعة هي شخصية “دويك” القروي الذي وصل إلى المدينة التي تتناقض اساليب العيش فيها مع القرية وفاضحا الكذب والرياء والسرقات ومنتقدا الاوضاع الاجتماعية، وكان يردد في كل حلقة عبارة “صبحك بونجور ستنا بيروت”، التي ما زال اللبنانيون يكررونها حتى اليوم.

أما في مسلسل المنتقم فقام اسعد بدور درامي مختلف كليا فالدور الذي لعبه لا يشبه عبد الله الحمصي ولا اسعد لا من قريب ولا من بعيد شخصيه مركبه تعيش صراعات سيكولوجيه تذكرنا بشخصية احدب نوتردام، إذ مثل دور انسان صامت كان يؤديه بعينيه ومن خلال تعابير وجهه تعرف ما يخفي وما يضمره وفي النهايه يظهر على حقيقته المريبة، يدخل خفيه من النافذه وبيديه حبل والشر يتطاير من عينيه. وينقض على الضحيه وقد لف الحبل حول عمقها وراحه يضغط بعزم لا يلين الى انت تلاشت بين يديه وراحه يضحك ضحكات هستيرية. اذ استطاع ان بحسن قراءته للشخصية ويجسدها بشكل جيد وكان مقنعا للغاية.

وبعد أكثر من أربعين سنة على مسلسل “دويك يا دويك”، ظهر حمصي في فيلم وثائقي للإعلامي جورج صليبي عام 2016، حيث شارك في ثلاثة مشاهد من فيلم (بونجور بيروت).

وقال صليبي لرويترز: “طلبت منه المشاركة بشخصية دويك التي مثلها في مسلسل تلفزيوني في مطلع السبعينيات وكانت تعبّر عن رجل القرية الطيّب الذي تفاجأ ببيروت وناسها والحياة فيها وقرر تركها والعودة إلى القرية”.

وأضاف صليبي: “استحضرت تلك الشخصية برمزيتها بعد أكثر من أربعين عاما للدلالة على المفاجأة التي شعر بها عندما رأى بيروت وقد خسرت بيوتها وطابعها العمراني العريق.. يومها أمضى يوما كاملا في تصوير المشاهد وتنقلنا بين ثلاثة أحياء في بيروت وتحت أشعة الشمس وهو بثيابه التراثية والشروال واللبادة على رأسه، وأعدنا تصوير اللقطات أكثر من مرة، فلم يعترض ولم يتأفف ولم يشعر بالتعب أو الملل، وكان مثالا للفنان الملتزم والعريق بمهنته والتزامه …هو يبقى عنوانا من عناوين الزمن الجميل في عالم التمثيل والشاشة الصغيرة”.

وجسد حمصي أدوارا بارزة في أكثر من 15 فيلما منها فيلما الأخوين رحباني والفنانة فيروز (سفر برلك) و (بنت الحارس).

عاش في كنف أسرة مؤلفة من 10 أولاد. تابع دراسته في مدارس طرابلس، ولكنه ترك المدرسة قبل الشهادة المتوسّطة، وساعد والده في عمله في صناعة القشدة. ولكنه استمر في التمثيل خفية عن والده.

 عمل البداية مع فرقة كوميديا لبنان وفي عام 1966 قام الفنانان عوني المصري وعبد الكريم عمر بتحضير عملًا في مسرح الفرير بطرابلس كما قاما بنُصح أعضاء الفرقة بالذهاب إلى تلفزيون لبنان، وبالفعل تم قبول الفرقة وأصبحت تقدم عروضًا على الهواء مباشرةً تحت مسمى “فرقة أبو سليم الطبل”، كانت الفرقة مؤلفة من 27 ممثلًا، ومن أبرز شخصياتها: أبو سليم وأسعد وفهمان ودرباس وشكري وجميل وأبو نصره، وكانت المرأة ممنوعة من التمثيل لذلك كانوا في بعض الأحيان يأخذون أدوار امرأة.

خلال اكثر من 60 عاما في مسيرة العطاء الفني سجل  أكثر من 1700 ساعة تلفزيونية، أكثر من 60 مسرحية، حوالي 3000 حلقة إذاعية، أكثر من 15 فيلماً سينمائياً وشارك في مهرجانات بعلبك وقلعة طرابلس.

كان يهوى الرياضة إلى جانب الفنّ، فمارس رياضة كمال الأجسام وفاز ببطولة الشمال في العام 1955 وكذلك يهوى السباحة وقد تمرّس بها جيداً ومن هواياته الصيد البري والبحري ولعبة الزهر.

فنيا أيضاً كان يهوى الفولكلور والتراث، فتعلّم طريقة الأداء الإبداعي بالسيف والترس، بالإضافة إلى أداء الزجل اللبناني، المعنّى والعتابا والميجانا وغيرها

من أعماله المسرحية: “أسعد وعيلة أبو الريش”، “شاكوش ومنشار”، “أسعد شو”، “أسعد على الهواء”، “آباء وأبناء”، “أسعد طبيب”، “قضيةوحرامية” 1970 من تأليف جورج جرداق، “الى وزارة التربية مع أطيب التمنيات” 1971، “قدف يا بحار” 1973، “دويك والمغناطيس” 1974 لأنطوان غندور، “يعيش ما حدا” 1975 تأليف فؤاد المستحي وإخراج باسم نصر، “الجراد” 1978 تأليف فاروق الأحدب وسعيد تيزاني، “هندومة سقطت الحكومة” 1990 لأنطوان غندور، بالإضافة إلى مجموعة من أعمال الكاتب والشاعر بشير الضيفة منها: “هية هية”، “طبخة بحص”،  إخراج الأدهمي، “منحوس وعروس”.

شارك عبد الله في مجمل الأعمال التلفزيونية التي قدمها شقيق زوجته هدى صلاح تيزاني (أبو سليم)، وفي “عزيزتي مروة” بطولة سميرة بارودي، و”المنتقم” لإحسان صادق، و”قصص حب” لأنطوان غندور، ومسلسل “صح النوم” مع الفنان دريد لحام، ومسلسل “دويك يا دويك” إخراج باسم نصر ومسلسل “مالح يا بحر” للكاتب مروان العبد.

من أعماله في الإذاعة “ديوك الحي الله معكم” من تأليف فاروق الأحدب وجلال الرفاعي، “قهوة مرة يا اسكندر”، بالإضافة إلى عدة أعمال لجورج يمين ويعقوب الشدراوي وانطوان غندور، كما قدم “الناس أجناس”.

من اعماله السينمائية اضافة الى سفر برلك وبنت الحارس مع فيروز، شارك في فيلم “أيام اللؤلؤ” بالاشتراك مع صباح وكريم أبو شقرا إخراج وئام الصعيدي،”عودة البطل” و”الفجرية والأبطال” للمخرج سمير الغصيني و”غيتار الحب” للمخرج محمد سلمان و”الليل الأخير” للمخرج يوسف شرف الدين، “حبي الذي لا يموت” بالاشتراك مع ملحم بركات، “الرؤيا”، “المرمورة”، “مريام الخاطئة” إنتاج مصري، “نهلا” إنتاج جزائري، و”نهاية حلم» فادي تابت.

اتسمت مسرحياته الكوميدية بمعالجة قضايا الناس بأسلوب ساخر فهو كان يرى ان على الفنان ان يكون ملتزما بقضايا الناس والشعب، “لان الفنان إبن الشعب يلتزم بكل قضاياه وليس بقضية معينة يميل اليها، فالفنان ليس زعيما سياسيا يميل الى فكر او انتماء او اتجاه سياسي معين، هو يأخذ من كل الافكار التي يراها مفيدة يقرب بين وجهات النظر ويأخذ منها المفيد والممكن معالجته دراميا”.

وهو كان يعتبر الاعمال التي قدمتها فرقهة الفنون الشعبيهة اعمالا ملتزمة وموضوعاتها مستوحاة من صميم معاناه الشعب وان بقالب كوميدي او تراجي ـــ كوميدي وتناولت صراع العرب الاسرائيلي والحرب اللبنانية والتحرير.

وهو اشار الى ان الفارق بين شخصية اسعد التي جسدها في مسلسلات ابو سليم ودروه في مسلسل دويك يا دويك بسيط “لان شخصية أسعد مع ابو سليم احبها الجمهور لانها تنسى وتتميز بهفواتها المضحكة والمسلية أما في دويك شخصية ابن الجبل الذي يقع في مقالب في المدينة فهو الانسان الصادق بين مجموعة من الكذبة المتوحشين.

وعن الشخصية الاحب اليه، قال: “انا احببت عبد الله الحمصي الذي استطاع لعب شخصي’ دويك وأسعد وفي فيلم الليل الاخير والمنتقم انا معجب لأنه اعطى هذه الشخصيات كلها”.

لم يستطع عبد الله حمصي ان يحقق في السينما ما حققه في التلفزيون والمسرح ففي حين اسندت اليه ادوار البطوله في المسرح والتلفزيون كانت ادواره في السينما مكملة ولا يمكن تحميله تبعات هذا الأمر لأن الموضوع يتعلق بظروف الانتاج ووضع السينما اللبنانيه التي لم تستطع ان تتحول الى صناعه حقيقية.

يفسر الحمصي أن “هناك عشرات النجوم على مستوى العالم في السينما والتلفزيون لنجوم التراجيديا اما نجوم الكوميديا فعددهم قليل جدا ولو اردنا ان نتحدث عن مخرجين كوميديين بارعين فهم لن يتجاوزوا اصابع اليد الواحده لانه فن صعب ومعقد فاما ان ينجح العمل الكوميدي او يسقط هذا الشيء يجعل المنتجين حذرين وخائفين من هذه المغامره”.

اهتمم الحمصي بمسرح الاطفال وقال ان مسرح الاطفال الجيد هو القادر على أن يملأ نفوس الاطفال بالمرح والنشاط عند مشاهدتهم في عرض المواقف الحياتية المختلفة لاسيما المواقف التي تاتي بصور درامية او فكاهية وهي تقدم للاطفال قيم المجتمع الايجابية والسلبية بأسلوب ممتع ومقنع معا وهنا تبرز قدره الكاتب المسرحية اولا والممثلين والمخرجين ثالثا على تقديم النصوص الجيدة التي تتفاعل فيها النماذج الشخصية بطريقة مناسبه

كان لديه أحلام كثيرة ومنه حلمه القديم بإقامه مسرح يومي في طرابلس على غرار مسرح الوطني في وسط بيروت قبل الحرب الأهلية الذي اسسه شوشو مع المخرج نزار ميقاتي.

Visited 2 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة