رواية “الْمُوتْشُو” لِحَسن أَوْريد.. بَيْنَ شُحِّ الحكايةِ وَشَظَفِ الُّلغة والْأَحْكام الْجَاهِزَة…

رواية “الْمُوتْشُو” لِحَسن أَوْريد.. بَيْنَ شُحِّ الحكايةِ وَشَظَفِ الُّلغة والْأَحْكام الْجَاهِزَة…

 د. المصطفى مويڤـن

أَما قَبْل:

     لقد سَبَقَ لي أَنِ اِطَّلَعْتُ عَلى بَعْضِ أعْمالِ الْأُسْتاذ “حَسن أَوْريد[1]، وَبِخاصّة رِوايَتَهُ “رَوَاءُ مَكَّة”، الَّتِي أَثَارَت، حِينَها جَلَبَة[2] ولا طَحينَ مَعَها؛ إِذْ رَوَى الْكَاتِب، مِنْ خِلالِها رِحْلَتَهُ لِلْحَجِّ، كتَجْرِبَة رُوحِية؛ وَالْواقِعُ أَنَّنا أَشَرْنا، سَاعَتَها، أَنَّ النَّص يَتَحَدَّثُ عَنِ تَجْرِبَةٍ عادِيَّة، قَدْ سَبَقُه إلَيْها كُتَّابٌ كُثُرٌ، مِنْ قَبِيل “عبد الله حمودي”[3] و “محمد أسد”[4] فَأبْدَعَاَ وَأَحْسَنَا.

   ومن خِلَال مُطالَعَتي لِكتاباته السَّردية، تَبَيَّنَ لِي أنَّ الكاتِبَ مِنْ طِينَة الْكُتَّاب الَّذينَ لَا يَتَهَيَّبُون الكتابةَ؛ لذلك ألْفَيْنَاه سَريع القذْف، بِه إسْهال حادٌّ في الْكِتابَة. وَهَذا سُلوك يَجْعل صاحِبَه، يَهْتَمُّ بالنَّشْر أكْثَر مِن اهْتِمَامِه بالْكِتابَة، ذاتِها. فالسُّرْعَة الْمُفْرِطة تُوقعُ صاحِبَها في الْأَخْطاء والابْتِدال فالاجترار؛ وهذا ما سَنَقِفُ عَلَيْه هَا هُنا؛ عِلْماً، أَنَّ مِقْياس الإِبْداع، لاَ يُقاسُ بِكثْرة الْمَنْشورات وتِعْدَادها وتَنَوُّعها، بلْ بِمدى نَوْعِيَّتها وَثَرائِها. غير أن مخالفتنا للأستاذ “حسن أوريد” الرأي، لا يَنْقُص فَضْله كما لا تَزِيدُه موافقتنا له الرأي حجة؛ خُصُوصاً إِذا كُنْتُ أَكْتُبُ مَا أَكْتُب، كما قال مَعْروف الرُّصافي، “إِلَّا تَحَرِّيّاً لِلْحَقِيقَةِ مَعَ احْتِرامِي لِآرَائِهِ”[5].

   كما أَنَّ حُبَّ الاطِّلاع، هَذا، جَعَلَني أُتابِع قِراءَة النَّص كَامِلاً، مِمَّا أَوْقَفَنِي، رُغْمًا عَنِّي؛ عِلْماً أَنَّنِي مَا كُنْتُ أَسْعَى لِلْوُقُوفِ عَلَى هَفَواتِ النَّص وَمَجْموع الأَخْطاء اللُّغوية والْمُعجمية والتركيبية والمغالطات التاريخية، التي لا تُخْطِئُها الْعَيْن، كَمَا سَنرَى؛ خاصة وأَنَّ الرَّاوي يَنْتَقِدُ الآخَرين مِمَّن يَتَعَسَّفونَ في التَّعامُل معَ اللُّغَة الْعَرَبِيَّة، “اللغة العربية تبتذل”(الرواية، ص. 109)..

أمَّا بَعْد:

   تَقَعُ رِواية “الْمُوتْشُو” لحسن أوريد، الصادِرَةِ عَنْ دار المتوسط، في العام 2022، في 425 صفحة، مِنَ الْحَجْمِ الْمُتوسِّط، وتَنْقَسِمُ إلى جُزْئَيْن، يَشْمَلُ الْجُزْءُ الأَوَّل حَيِّزاً وَرَقِيّاً يَبْتَدِأُ مِنَ الصَّفْحَةِ الْأُولىَ إِلى الصَّفْحة 299، فِيمَا يَنْتَظِمُ الْجُزْءُ الثَّاني عَلَى باقِي صَفَحاتِ الرِّوَايَة؛ فَيَنْتَشِرُ عَلَى طُولِ الصَّفَحَات، مٍنَ الصَّفْحَةِ 300 إٍلَى الصَّفحة 425.

   الرواية مُوَقَّعَةٌ، في صَفْحتها الأخيرة، بتاريخ: السبت 25 رمضان للعام 1442 / 8  ماي 2021؛ مع الإشارة إلى أن 25 رمضان للعام 1442، يُقابِلُه يوم الجمعة وليس يوم السبت، إِنْ كان الكاتبُ يَرْكُنُ لِلتَّقْوِيمِ الْغِرِيغُورِي.

   تَتَّخِذُ الرواية من شهر شتنبر 2018 بداية لها وتنتهي في ربيع 2019، في حين تَدورُ أَحْداثها بَيْن مُدُن: الدار البيضاء والرباط فطنجة…؛ وفي أماكن مخصوصة: عمارة الأحباس بالدار البيضاء، حيث مَقَرُّ الجريدة التي يَشْتَغِل أمين بها، مستشفى ابن رشد، حيث تعْمَل نعيمة بلحاج، طبيبَة في جِراحَة الْأعْصاب، شُقَّة نعيمة، شارع الجيش الملكي، محطة القطار أكدال….. في حين، يَتَأَسَّسُ النَّصُّ عَلى كَتِف كُلٍّ مِن:

   1 ـ شَخْصية أَمين الْكوهن، الصُّحفي، ذي الثَّلاثين سَنة (ص. 7)، جامِعي، مُزْدوج الثّقافة والتكوين (ص. 11)، وهُو الْمَدعو “الموتشو” (ص. 17 و 77) ، الَّذي يَشْتَغل في صحيفة ذات تَوَجُّهٍ إِسْلامي ثُمَّ اسْتُغْنِيَّ عَنْه، بِسَبَب مَواقِفِه الْيَسَارِية، والذي كان بِصَدَدِ كِتابَة سِيرة ذاتِية عن شخص يُدْعى “بنيس” الذي عايش أحداث تاريخية بالمغرب ومصر، وهو الغائب الحاضر في النص، مِنْ أُصُول يَهُودية؛

   2 ـ نعيمة بلحاج، طبيبة في جراحة الأعصاب بمستشفى ابن رشد بالدار البيضاء، العازبة، ذات الأربعين سنة (ص. 18)، ذات أصول يهودية هي الأخرى.

   3 ـ محمد بنيس، الغائب الحاضر، فهو لا يحضر كصوت روائي ولكن كملفوظ روائي عبر صوت أمين، ثم هناك إيسْتر اليهودية، التي تقيم في نفس العمارة التي يقيم بها أمين بالرباط، كما يحفل النص بشخصيات ثانوية : دلال (الرواية، ص. 9) ومحمد أمزيان، المكلف بالصفحة الثقافية بالجريدة التي يشتغل بها مع أمين (الرواية، ص. 8)، معين السوداني (الرواية، ص. 8) ، فوزي (الرواية، ص. 13) ، البواب، أ.

    إِنَّ ما دَفَعَني لِقراءة رواية “الْمُوتْشُو”، في الْمَقَام الْأَوَّل، هُو تِلْك الضَّجة التي اصْطَنَعها بعْضُ الْقُراء، بِحُسْن نِيَّة، أَوْ بِدافِع الْغَيْرة، أَو مِن دُونِهِمَا أو بِهِمَا مَعاً، وهو خيرا فعلوا، إذْ لَوْلَاها مَا وَقَفْتُ علَى عُيوبِ وَزَلَّاتِ النَّص وَوِزْرِ صَاحِبِه؛ إِذِ اعْتبروا الروائي قَدْ أَساءَ للأستاذ “عبد الله العروي”، وَذَلِك في الْفَقْرَة الْوَارِدَة فِي الصَّفْحة 109، والَّتِي جاءَ فيها: “كان مثقف مغربي قد كتب في السبعينيات كتابا جيدا عن أزمة المثقفين العرب، والإيديولوجيا العربية، وكان بحق مثقفا جيدا لا مكان عنده للمعرفة التقريبية، ويتحلى بالصرامة العلمية، ولو أنه أضحى هو نفسه معبرا في خريف عمره، عن الأزمة، لأنه لم يعد يقول شيئا سوى أوان فارغة“[6].

   اعْتَقَدْتُ وَقْتَئِذٍ، وحَتَّى لا أَتَجَنَّى عَلَى الرِّوائي، أنَّ الْقَوْلَ، أَعْلاهُ، جاءَ فِي مَعْرِضٍ تَخْيِيلِيٍّ، عَلَى لِسَان الرَّاوي، وَلَيْسَ مِنْ صَرِيح الْقَوْلِ، الَّذِي يُمْكِن أنْ نَنْسُبَه لِلْمُؤَلِّفِ، دُونما أَنْ نَنْسى الْحُدود الفاصلةَ بَيْن الْمُؤَلِّف والرَّاوي؛ هو كذلك، ولكن وَبِتَمَعُّنٍ في النّص يتَبَيَّن لَنا أنَّ الْملْفوظَ أَعْلاه قَوْلٌ مُلْغِزٌ، وغَيْرَ بَرِيءٍ، جاءَ فِي غَيْر مَحَلِّه؛ أَوْ لِنَقُولَ، إِنْ كُنَّا نَبْحَثُ لِلرِّوائِي عَنْ عُذْر، فالْمَقُول أَتَى في سِيَّاقٍ مَبْثُورٍ؛ إِذْ كَانَ مِنْ بابِ أَوْلَى أَنْ يَتَفاداهُ الرِّوائِي؛ إِذْ لَا مُسَوِّغَ، ثَقافيَّ أَوْ فَنِّي، لَهُ؛ بَلْ نَعْتَقِدُ أَنَّ الْمُؤَلِّفَ قَدْ أَقْحَمَهُ، في الرِّوايَةِ، بِشَكْل فَجٍّ، لَا مُبَرِّر، فِكْري، لَه؛ خاصَّة وَأَنَّ الرِّوائِيَّ لَمْ يُبْدِ، تَعِلَّةٌ أَوْ سَبَباً لِتَقْريعِ الأستاذ العروي وإِطْلَاقِ كَلَامٍ غَيْرٍ مَسْؤُول؛ إِذِ الْحُكم الْوارِدُ بَقِيَّ مُعَلَّقا، كَسَائِر الْأَحْكامِ الَّتِي يُورِدُها الْكاتِبُ في نَصِّه، وَهُو مَا سَنَعْمَلُ عَلَى بَيَانِه هَاهُنا.

   فبَعْدَ الْحَديثِ عَنْ تَقْديم أَمين، لِمِلَفِّ تَرَشُّحِه لِلِالْتِحاق بالجامعة، ثُمَّ انْتِقَادُ الراوي لِلَجْنَة الانتقاء “وكان يظهر جليا أن لا أحد منهم قرأ رسالته، وكان أغلبهم يُبينون عن ضحالة فكرية، ويشفعون بركاكة لغوية وأخطاء نحوية” (الصفحة 108)، “لم يكن يريد أن يُحشر في زمرة جامعيين أبعد همهم البحث والدقة والموضوعية، وشُغلهم الشاغل النميمة وكتابة البلاغات التي تحبل بالأخطاء” (الصفحة 109)، يُعَرِّجُ النَّصُّ، بَعْد ذلك، لِجَلْد دُورِ النَّشْر “دور النشر أغلبها مؤسسات ربحية، تقوم على الاحتيال، إما جهارا أو بالتدليس. ليست هناك أية ضمانة لصيانة حقوق الكاتب” (نفس الصفحة) ” أغلب أعضاء اللجان لم يبدعوا شيئا، سوى رسائلهم التي تعود إلى أزمنة سحيقة، ولكنهم حاذقون في العلاقات العامة، ولا يتقنون اللغة التي يزعمون الارتقاء بها” (نفس الصفحة).

   مِنْ هُنا، يَتَبَيَّنُ أَنَّ الرِّوائيَّ، كانَ قَدْ وَضَعَ خُطَّةً قِوامُها الْقَذْفُ والسَّبُّ والقَصْف الْمُمَنْهَج، عَن سَبْق إِصْرارٍ وَتَرَصُّد؛ بحيثُ لَمْ تَسْلَم مِنْ قَذائِفه أَيَّة جِهَة، لذلك فلا غَرْوَ أَنْ تُصِيبَ الأستاذَ عبد الله العروي بَعْضُ الشَّظايا الطائشة. وَكأَنِّي بِالْكاتِبِ يُسَارِعُ بِتِرْسَانَتِه الْهُجُومِيَّةِ لِلتَّغْطِيَّة عَلَى بَسَاطَةِ وَهَشَاشَة الْحِبْكَة الرِّوائِية؛ وَالَّتِي يَسْعَى، جَاهِداً لِتَضْخِيمَها، مَعَ ادِّعَائِه كَوْنَ رِوَايَتِهِ: “تحمل نظرة ناقلة لوضع العالم العربي، وتحاول أن تبحث في طياتها عبر طريق الحوارات بين الشخصيات عن جواب: لماذا أخلف هذا العالم موعده مع التاريخ؟ [7]؛ وهُو مَا لَمْ نَلْمَسْهُ الْبَتَّة.

   الواقع أنَّ النَّصَّ عِبَارَةٌ عَنْ حِكَاية بَسِيطَة تَنْبَنِي عَلَى عَلَاقَةٍ قِوَامُها الْجِنْسُ وَمُعاقَرَةُ الْخَمر واستظهار أسماءه: خمر روخا (ص. 184)، الشمباني (ص.130)، خمر كاليلي (ص.322)..، وَالتَّنَقُّلُ بَيْن مُدُن عَدِيدة (الدارالبيضاء، الرباط، فاس، ميدلت، طنجة…) واسْتِعْراض لعَنَاوين الْكُتُب:  “الإخوة كرامزوف ”  (ص. 93)، “إذا كان هذا إنسانا” (ص. 43)، ديوان “أحد عشر كوكبا” (ص. 55)، “السجن اليهودي” (ص. 162)، “سيرة القدس” (ص. 227)، “أخلاق الوزيرين” (ص.219)، “اعترافات أغسطين”، (ص.194)، “المسألة اليهودية” (ص. 163)، “عودة الروح” (ص. 130)…. دُونَمَا أَنْ نَعْلَم مُحْتَوى تِلْك الْكُتب “استلقى على السرير، وأخرج سيرة “رحلة جبلية، رحلة صعبة” لفدوى طوقان.. ثم ما لبث أن أغلقها.. تتحدث الكاتبة عن ماض ولى.. وضع الكتاب جانبا” (الرواية، ص. 310). يمكن اعتبار النص رِحْلَةٍ سُرْيالِيَّة، في جُزْئِها الثَّاني، عَلَى الْخُصوصِ؛ إِذِ اهْتَدى الرِّوائي لِتِقْنِيَّة الْهَذَيان الْمَرضي، عبر آلِيَّة التَّوَهُم، “كان سفره توهمات” (الرواية، ص. 368)، لِتَمْريرِ مَا لَمْ يَقْوَى عَلَى قَوْلِهِ جِهَاراً. لَقَدْ شَمَّر لِلدَّعْوةِ لِلتَّطْبِيع وَالْجَهْرِ بِه وَتَبْخِيسِ الْقَضِيَّة الْفِلِسْطِينِيَّة وَرُموزِهَا (مَحْمود دَرْويش، غَسّان كَنَفانِي) وَنَعْت الثَّقافَة الْعَرَبِيَّة بِالضَّحالَةِ وَتَعَدَّى ذلك إلى تَسْفِيه كُلِّ مَا هُوَ جَميلٌ. وَحَتَّى لَا تُحْسَبَ تِلْكَ الْمَواقِفُ عَلى الرّاوي، أَوْ لِكَيْ لَا يَظْهَرُ أنَّه هُو مَنْ تَبَنَّاها، يَتَحَصَّنُ وَراءَ الْهَلْوَسَة، كطَوْقِ نَجَاة، وَكَأَنَّ الشخصية الروائية الرئيسية “أمين”، غَيْر مَسْؤُول عَن أَقْواله وَأَفْعالِه؛ غَيْر أَنَّ ما يُعَرِّي زَيْفَ حِيلَةَ الروائي وَقِلَّة حِيلَتِه، أَنَّه لَمْ يَكُنْ بِمَقْدورِهِ الرَّد عَلى أَيِّ ادِّعاءٍ كَانَ قَدْ أَساءَ لِلْقَضيَّة الْفِلِسْطِينِيَّة أَوْ لِلتَّارِيخ وَالْإِنْسان الْعَرَبِيَّيْن؛ بَلْ إِنَّ الشَّخْصيَّة الْمِحْورية فِي النَّص، “أمين”، كَانَتْ تَتَبَنَّى الطُّروحاتِ الصَّهْيونية وَتُدافِعُ عَنْها بِشَراسَة. لَمْ يَحْصُل، وَعَلى امْتِدادِ صِفَحاتِ الرِّوايَة، أَنْ عارَضَ أمين أَوْ دَحَض أَيَّ مَوْقِفٍ يَتَعَرَّضُ لِلثَّقافَة الْعَربِيّة، سَواءٌ لِلرَّد عَلى “إيستر” أَوْ عَلى “إليازار إيتان” و”ريبيكا”…

   ما وَقَفْنا عَلَيْه، هُو كَوْن الرِّوايَة تَتَأَسَّس عَلى تِيمَة التَّطْبيع والتَّطْبِيل وَالتَّزَلُّفِ لِلْكِيَّان الصَّهْيُوني بِاعْتِبَارِه، وَكَمَا جاءَ في النَّص، حامِلاُ لِواءَ السَّلام والديموقراطية: “إخنا دولة ديمكراطية” (الرواية، ص. 333)؛ فأمين يُعَبِّرُ عَنْ سَعادَتِه وهو يَحُل بإسرائيل ” أعبر عن سعادتي الغامرة بالحلول في إسرائيل، أرض الرواد” (الرواية، ص. 315)،”حين حللت وجدت أناسا طيبين، ودودين، ذوي إحساس إنساني رفيع” (نفس الصفحة)، “إسرائيل دولة طبيعية، محبة للسلام، وتمد يدها للسلام” (الرواية، ص. 320)، “إسرائيل واحة ديموقراطية وشعب عظيم محب للسلام” (الرواية، ص. 321),

   تُعَبِّر الشَّخْصِيَّةُ الرِّوائِيَّة الْمَرْكزية فِي النَّص صَراحَةً عَنِ الِانْهِزَامِيَّة وَالِانْبِطاحِ “لَدَيَّ الشجاعة الكافية لأعبر عن أفكاري. المعادون لإسرائيل في بلادي فئات هامشية، مؤدلجة تحسن الضجيج، لكن الاتجاه العام هو من أجل التطبيع مع إسرائيل” (نفس الصفحة)؛ كَمَا يُعَبِّر أَمين بِكُلِّ صَلَافَةٍ عَنِ معاداته للْإِنْسان الْعَربي، إذ يقول: “العرب يكرهون أنفسهم، ويكرهون بعضهم البعض، فلا غرو أن يكرهوا الآخر” (الرواية، ص. 318). يَعْتبر النَّص الْمُقاومَة الْفِلِسْطِينية “إِرْهاباً”، إِذْ نَقْرَأ الآتي: “كانت عملية حاسمة، وضعت حدا لتسلل الارهابيين في الشمال.. أبان فيها جيش التسال عن احترافية كبيرة وحس إنساني رفيع… الإرهابيون جعلوا لبنان كله رهينة …وتنفس المدنيون في جنوب لبنان الصعداء من أعمال الإرهابيين الذين كانوا يجثمون عليهم ويخنقون أنفاسهم” (الرواية، ص. 323).  الأَدْهى أَنَّ أمين يَتَنَكَّرُ لِعُروبَتِه، يقول، في معرض الرد على سؤال وُجِّهَ إِلَيْه: “حينما سأعود للمغرب سأقرر هل سأكون عربيا أم لا. أنا هنا في مركز موشي ديان بتل أبيب، في إسرائيل، عربي حتى إشعار آخر” (الرواية، ص. 318)، والسبب في ذلك أنه تحول بقدرة قادر من صحفي نكرة إلى شخص وقف له الحضور “وأخذوا يصفقون.. واستمروا في التصفيق” (الرواية، ص. 314)، بل اعتبروه وجها “من الوجوه المعبرة عن التغيير الحاصل في العالم العربي. العالم العربي يتغير”(ن. ص).

    عن أي تغيير يتحدث الراوي والروائي من وراءه، ألم يرد في الصفحة 129، الآتي: ” لم يعد ممكنا أن ننتظر شيئا من العالم العربي للأسف…

   رد أمين بأسى: ـ العالم العربي لا يوجد.”

فأمين، الذي يدعي كَوْنَهُ مثقفاً “َفَضَّل أن يبقى بقميص بعنق مفتوح. ذلك أليق بالنسبة إلى مثقف” (الرواية، ص. 309)، يسعى لتزييف التاريخ، وذلك كما يتجلى في الحوار التالي:

 ” ـ .. كنا نقيم حلقات في الجامعة عن المجزرة التي تعرض لها الفلسطينيون في صبرا وشاتيلا ..

ـ الحادث مؤسف طبعا. لكن فيم نحن مسؤولين؟ مسيحيون قتلوا مسلمين، كما قال مناحيم بيغين.. لا دخل لنا في الأمر، ومع ذلك قامت مظاهرات في تل أبيب منددة بالحادث” (الرواية، ص.ص. 323 و324). تعتبر الرواية أن الجامعة في البلاد العربية قامت بعمليات غسيل دماغ للطلبة، لأنهم تبنوا القضية الفلسطينية بل إن الرواية اعتبرت الشاعر محمود- درويش فاشستيا، نقرأ الحوار التالي:

“ـ كنا في غسيل دماغ حقيقي. كنا في الجامعة نردد مظاهر الصمود الفلسطيني في بيروت، ونحفظ قصيدة للشاعر الفلسطيني محمود درويش عن حصار بيروت..

ـ شاعر فاشي، نظم قصيدة يدعونا فيها أن نرحل…

ـ كنت أحفظها..” (الرواية، ص.323)؛

ـ “الصراع العربي الإسرائيلي قصة أسرة، ردد أمين مع نفسه… نزاع تغلب عليه العاطفة الجياشة.. وليس النزاع على الأرض إلا الجانب البارز” (الرواية، ص. 58). يأخذ مفهوم “الخيانة” عند الروائي معنى لم نعهده من قبل. فعندما علمت نعيمة بذهاب أمين لإسرائيل، نعتته بالخائن:

“فتح الواتساب، وأرسل برقية إلى نعيمة بالفرنسية:

“خمني أين أنا؟”.. ثم أخذ صورة للشاطئ والبنايات المحاذية محاذرا أن يأخذ صورا بها حروف بالعبرية. حملها في هاتفه، وأرسلها لنعيمة. ثم عاد إلى كنبة السويت، وقشر برتقالة، وأخذ يأكل صنوفها حين بلغته رنة واتساب. نظر في الشاشة. كانت نعيمة، مع رسالة منها.

ـ في مكان ما. يعبق بالشاعرية.. البحر والشاطئ. أنتاليا، أراهن.

كتب أمين:

ـ تل أبيب.

أعقبه رد نعيمة:

ـ لا أصدقك.

رد:

ـ بلى.

كتبت:

ـ خائن.

أجاب:

ـ فعلا؟

ردت:

ـ كان عليك أن تأخذني معك.

عقب:

ـ أجادت أنت؟ ” (الرواية، ص. ص. 308 و309)

   كما يَتَنَصَّلُ “أمين” مِن التَّاريخ وَحَقائِقِه الثَّابِتَة، لِمُجَرد انْطِباعَات، يقول أمين: “قد لا يكون ذلك كافيا كي أجري حكما شاملا، ولكن ألا يقال بأن الانطباع الأول هو الصحيح” (الرواية، ص. 315)، ” كان يشعر بالسعادة… كم كان مخطئا في الجري وراء سراب. وحدة العالم العربي، والقضية الفلسطينية، وكتابات العرب ولغة العرب، ذلك كله هراء” (الرواية، ص. ص. 310 و311)، ” كنت مقولبا بإيديولوجية منافية لمسار التاريخ، ونفقت في مجاري السياسة، والحقيقة هي وحدها الثورية” (الرواية، ص. 315). كما شَيْطَنَت الرواية الآخر: “استفعال الإمبريالية الفارسية وبروز العثمانية الجديدة” (الرواية، 316).

   نَعْلَمُ مِن مَنْطوقِ النّص أَنَّ أمين صَحَفِي، أَلْصَق بِهِ الْمُؤَلِّف صِفَة، يَسَارِي، كانَ يَشْتَغِل في صَحِيفَة ذاتُ تَوَجُّهٍ إِسْلَامي، تَخَلَّتْ عَنْ خَدَماتِه، مُنْذُ الصَّفَحات الْأُولى مِنَ النَّص، لِيَعْتَاش علَى مُدَّخَراتِه وَالْعَيْش فِي كَنَفِ نَعِيمة الطَّبيبَة.

   تتأسس الرواية على حوارات مقحمة ومشاهد جنسية مبتذلة مؤثثة بقينات الخمر والعازل الطبي، دون أن ننسى تفنن المؤلف في هواية جمع أسماء المؤلفين والفلاسفة والموسيقيين: سارتر (ص. 393)، أدورنو، (ص.182)، جيمس- جويس (ص.287)، شوبنهاور (ص. 162)، شوبان (ص. 128)، فولتير (ص.265)، برنار هنري ليفي (ص. 183)، ميشل عفلق، جورج حبش وبن غوريون (الرواية، ص. 105)، ابن ميمون، ابن باجة، ابن حزم، ابن رشد (ص.164)، سبينوزة (ص. 169) …؛ حتى غدت الرواية، كُنَّاش الحالة المدنية.

الأخطاء اللغوية:

   تتزاحم الأخطاء اللغوية في نص “الموتشو” حتى تغدو شخصية روائية، صحيح أنه يمكننا أن نغض الطرف عن الأخطاء الواردة في الحوارات، باعتبارها ملفوظات عفوية، ولكن أن تصدر تلك الخطاء عن الكاتب، أو الروائي، فهو ما لا يمكن استساغته، خاصة وأن الكاتب يحود عن حمى اللغة العربية، في أكثر من مكان في النص.

   لنتأمل النماذج التالية:

نقرأ في الصفحة 116، ما يلي:

ـ ” لما أن فتح الباب”؛

ـ” ريثما أن أرتب الشقة”؛

 كما نقرأ الآتي:

ـ” نهض إلى الحمام، تبول وهو يمسك الحائط بيده” (الرواية، ص. 136)، أليست هذه الفقرة مكتوبة باللغة العامية المغربية؟

ـ “أشعل أمين سيجارة. حل عنده النادل ليخبره أن التدخين ممنوع في المكان. أطفأ السيجارة” (الرواية، ص. 174).

نقرأ في الصفحة 93، ما يلي: «.. وانتهت في فراش “المفتش الأكبر” Le grand inquisiteur، عراب المنظومة. ودلل “المفتش الكبير” كل شيء”؛

ـ “ألقى أمين النظر لصور المطعم للعراق على الحائط” (الرواية، ص. 182)؛

ـ ” بيد أن المنظومة التي يحن له صاحب المطعم” (ن. ص)؛

ـ “مبدئيا. ما زال له متسع من الوقت” (الرواية، ص. 222)؛

ـ “جَيْل يُدِير الظهر للكتاب لفائدة الشاشة” (ن. ص)؛

ـ “انغرز المفتاح في الباب. نهض أمين من مكانه في الكنبة” (الرواية، ص. 227)؛

ـ ” كنت في حاجة كي أغير الجو” (الرواية، ص. 117)؛

ـ “استطار غضبا حين حشوت أنفي في حياته” (ن. ص)؛ ما هذا؟؟

   ففي نفس الفقرة يستعمل المؤلف لفظة “الكبير” للدلالة على “الأكبر”، وكأن لا فرق بينهما عنده، كما أنه يترجم لفظة inquisiteur”” بمفتش والصواب هو “محقق”، وهنا يحظرني قول الجاحظ: “واللغتان إذا التقتا في اللسان الواحد أدخلت كل واحدة منهما الضيم على صاحبتها”[8].

ـ ” Dure, dure est la vie(لكم هي شقية الحياة) (ص. 71)؛

   الظاهر أن الروائي لا يعير فرقا بين لفظتي: “سعر” و”ثمن”، إذ يستخدمها كمترادفتين: “نادى على النادل. أدى السعر”(ص. 181)؛ فالسعر هو القيمة المعلن عنها لبيع سلعة ما، في حين أن الثمن هو يؤديه المشتري بعد التفاوض مع صاحب السلعة.

مسالة أخرى لم أجد لها مبررا، إذ  

المعجم والأسلوب:

   يفاجأ القارئ وهو يطالع النص، إلى المعجم الذي يمتح منه المؤلف، بحيث يستعمل كلمات ليس ذاك محلها، دون الرجوع للمعاجم المتخصصة، والنماذج أدناه تقرب القارب مما وقفنا عليه:

 “أخذ أمين القنينة وفض غلفها، ثم أدخل سنان اللولب في يسر، وشرع في تدوير اللولب في رفق وإيستر تنتقل بين المطبخ والمائدة. نزع أمين اللولب، وتوقف في الوسط، كمن هو في وسط عملية جنسية يستطيل المتعة، وأخيرا جر في قوة حتى انتهى صوت الغشاء ينفصل عن القنينة” (الصفحة 117).

“سمع جرسا على الباب، أبا بوشعيب ربما، اليوم أحد، وهو لا يشتغل يوم الأحد، ويذهب عند أسرته بعين عودة” (الرواية، ص. 207)؛

“وضع أمين الحقيبة في سقف التاكسي”(الرواية، ص. 428)

“أسلم مفاتيح الشقة” (ن. ص)

ـ “لم يتناول منذ أن استيقظ أي شيء سوى القهوة” (الرواية، ص. 74)؛

   الهذيان الحقيقي، لنقرا النص التالي: “مرحلة انتهت من حياة أمين كانت شقة في الطابق الأرضي من عمارة 42، بزنقة ضاية الرومي، حي أكدال، مسرحا لها. لم تكن رواية، وإنما قصة حقيقية، انعكست في حياة أمين، في تبادل أدوار بينه وبين الضمير المستتر” (الرواية، ص. 428).

   يتحدث الراوي في النص الماثل أمامنا عن مغادرة أمين لشقته ونهاية مرحلة من حياته؛ مما يجعلنا نصادف ألعابا بهلوانية للضمائر؛ فضمير التأنيث في فعل الكينونة “كان” يعود لمرحلة من حياة أمين، إلا أن الراوي يربطه بالشقة التي يشغلها أمين، ما تعذر علينا فهمه؛ لعل المؤلف يرفع هذا اللُّبس بسديد رأيه.

فوضى حروف الجر

ـ “طلب أمين في كأس شاي” (الصفحة 74)؛

ـ ” نام مع الفجر” (الصفحة 74)؛

ـ “- نادى على والدته من الهاتف” (الرواية، ص. 109)؛

ـ “أمسكها بدراعها الأَمْين بقوة” (الرواية، 260)؛

ركاكة في اللغة

   تتراوح اللغة التي يستعملها الروائي بين العربي الفصيح والعامية، الحاضرة في حوارات الشخوص الروائية، الشيء الذي يسبب فوضى من الراوي؟

نقرأ في الصفحة 216، ما يلي:” يعود أمين إلى الشقة حوالي الثالثة والنصف. يكون الغذاء جاهزا. ينال منه. يفضل أن يتناول

استعمال مرادفات في غير محلها، من قبيل:

 ” ـ أمين اضبط نفسك. أخبرتك. لا يمكن اليوم.

  ـ كيف أستطيع الاصطبار.”

المعجم: “غشي الفراش في رفق” الرواية، ص. 265)؛

   لقد استعمل الروائي لفظة “اصطبر ” عوض “صبر”، وهي وبالرجوع للمعجم نجد فرقا بينا بين “الصبر” و”الاصطبار”، فلفظة “اصطبر” تأتي للزيادة في الصبر ونتيجة الاستمرارية والتكرار في الأمر المراد به الصبر، وهو ما كان ادعى للروائي أن يستعمل فيه لفظة “صبر”؛

ـ “لا يجرؤ أن يكلمك في الهاتف (الرواية، ص. 75)؛

ـ “مبدئيا. ما زال له متسع من الوقت” (الرواية، ص. 222)؛

   مثال آخر: نقرأ في الصفحة 203، ما يلي: “التحق بها سباحة، وانفتل بين فخذيها وقلبه“، هذا المقطع يطرح إشكالية المعنى؛ 

فبالرجوع للمعجم، نجد لفظة “انفتل”، تعني “التوى”، كما يمكن أن تؤدي معنى “انصرف”، من هنا أجدني عاجزا عن معرفة كيفية الالتواء والانفلات بين الفخذين والقلب؟

الخلط اللا مفهوم للحوارات باللغة الفرنسية، التي تتجاوز في بعض الأحيان الصفحة والصفحتين، كما هو وارد من الصفحة 199 إلى الصفحة 203، بالإضافة إلى كتابة الكلمة بالعربية والفرنسية معا، وإقحام حوارات باللغة الفرنسية، لا داعي لها.

ثقافة الإحباط:

   يطلق الروائي، عبر هذيان أحكاما، بعد إقحامها في سياقات لا تستدعي ذلك، وهي أحكام تبخيسية للإنسان العربي، ويا ليتها كانت مبنية على رؤى موضوعية، ومسنودة بأحكام علمية، خاصة وأن المؤلف يدعي القومية العربية، ويدعي دفاعه عن القضية الفلسطينية، إذ نجد شخصية أمين نستكين لرأي إستير بكل انتهازية 

” ـ لم يعد ممكنا أن ننتظر شيئا من العالم العربي للأسف. قرن من الزمن من أجل لا شيء، كما قال غسان تويني ردد أمين بأسى.

ـ العالم العربي لا يوجد.

ـ لا يوجد لأنه أخفق. لو أنه نجح لما كان للموضوع ليثير أسئلة عن وجوده من عدمه.. ما فشل هو عملية البناء، أما مواد البناء فموجودة…” (الصفحة (129،

المشاهد الجنسية المقحمة:

“ـ لم يمهلها، أولج عضوه في فرجها.

ـ أمين !

أمسكها بدراعها الأمين بقوة ” (الرواية، 260)

   يُقْرن الروائي الفكر الثوري بالجنس وشرب الخمر، نقرأ في الصفحة 93: ” كانوا أربعتهم لا يفترقون. يتبادلون الحديث حول أريج “الربيع العربي” وهم يشربون الخمر حتى الفجر، ولا يصحون إلا مع الظهر. كانت أجواء ثورية”

إقحامات مجانية

   يهرع المؤلف لإقحام حوارات ونصوص وفقرات من كتب بشكل لا يخدم أطروحة النص، إن كانت هناك أطروحة أصلا، زيادة على أن الكتاب يعج بأحكام تحمل تناقضاتها، من قبيل:

ـ “في هذه المدينة، إما أم تكون غنيا، وحينها تفتح لك المدينة صدرها، وإلا عليك أن تكون إسلاميا لتواجه سطوتها. وهؤلاء ليسوا من هؤلاء ولا أولئك..” (ص.240). هنا نساءل المؤلف عن علاقة الغنى بالإسلاموية؟

“نزل أمين بغرفة بفندق صغير يسمى Mon rève هكذا، والصواب Mon rêve (حلمي)، فندق في المتناول مما تتيحه إمكانيات أمين. ميزته أنه قريب من مطعم لابافاروزا. كانت الأخطاء الإملائية بالعربية والفرنسية في الواجهات والإعلانات مؤشرا على تدني مستوى التعليم.  Réstaurant, Acceuil, Préstige أو بالعربية : أشري دارك. لا تنسى ذكر الله. لنحمي شواطئنا. أو أخطاء إملائية من قبل متعلمين، تظافر الجهود، أو الغيض (عوض الغيظ)، وتقريض عوض تقريظ أو زبنائنا الكرام. أو نرجوا، أو في تعابير تبعث على الضحك، من قبيل زنقة “الاجتماع” (كذا) la Réunion. وراء ثانوية اليوطي بالدارالبيضاء في تقاطع مع زنقة كواد لوب. لم يخيب الفندق ظن أمين، رغم أنه قديم يعود للفترة الاستعمارية. كان نظيفا، وبه دوش، وهو ما كان يحتاجه أمين..” (الرواية، ص. 90).

   بالنظر لهذه الفقرة التي، يبدو أن الروائي يتحدث فيها عن الفندق الذي نزل به، ليتوقف فجأة، وبشكل غير مفهوم، ليحلق في دنيا الأخطاء الإملائية التي نصادفها في حياتنا اليومية، دونما ضرورة تذكر، كما هو شأن تدخلاته العديدة التي نصادفها في الكتاب؛ ليحط الرحال، ويعود للموضوع الأصلي. والنماذج، على ذلك، كثيرة. بالإضافة لمشاهد جنسية بورنوغراغية رخيصة، لا داع لها.، نقرأ في الصفحة 203: ” رفعت فخديها. وطئها. أخذ يرتفع وينخفض على تأوهاتها وهي تصرخ. Plus fort, plus fort (أقوى، أقوى) إلى أن بلغ الرعشة. أدخل يده في تبانه، ولمس السائل اللزج.. احتلم. كان يشكو الغلمة.”

خلاصة:

   لم أعثر في هذه الرواية على شيء ذي بال، يمكن اعتماده كتجريب روائي، يمكن أن يُضيف جديدا للرواية المغربية، على الرغم، من كثرة المادحين والمتزلفين للرجل، عدا الأخطاء اللغوية والمعجمية، التي عرضنا البعض منها، على كثرتها.

   إن خير ما ينطبق على نص “الموتشو”، فيما يخص اللغة المستعملة والترجمات المصاحبة ما قاله راوي الرواية، عينه، إذ شهد شاهد من أهلها: “كانت أغلب الترجمات ركيكة وغير دقيقة ولا تنفذ إلى جوهر النص ولا تحمل عبقرية اللغة العربية ولا يجشم أصحابها أنفسهم التنقيب في تراث اللغة العربية للبحث عن المصطلح أو الكلمة المؤدية للمعنى، أو نحث مقابل مستقى من مادة اللغة العربية وعبقريتها…” (الرواية، ص. 207)، إن “اللغة العربية تبتذل”(الرواية، ص. 109) في هذا النص.

   كان الروائي، في هذا العمل، يريد الظهور بمظهر جديد وارتداء ثوب قشيب، لكن العكس هو ما حدث، بلغة الأستاذ عبد الفتاح كيليطو.

   فعندما يتوجه المؤلف لريجيس دوبري، لا يعتمد على النصوص الجريئة والشجاعة، التي تستحق احترام الرجل، والتي تتبنى القضية الفلسطينية وتنوير الرأي العام، بل يجتزأ من كلامه ما يتماشى ومواقفة المنحازة.

   على هذا الأساس تكون الانتقائية الواضحة لنصوص بعينها الغرض منها سلب المتلقي حق التفكير وأخذ مسافة من النص؛ إضافة إلى أن المؤلف قد اعتمد استراتيجية الهجوم كخير وسيلة للدفاع، وذلك بهدف حشو دماغ المتلقي بمغالطات وتبخيس للتاريخ وللمثقفين وللقيم الثقافية وللرموز النضالية، بعدها يكون من السهل، تمرير خطاب الأمر الواقع والتعايش اللامتكافئ، وإسرائيل المحبة للسلام.

Visited 11 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. المصطفى مويـﭭـن

كاتب مغربي