“جَمِيعَهُمْ يَتَكَلَّمُونَ مِنْ فَمِي” للقاص المغربيّ أنيس الرّافعي: بحثا عن آثار الشامانيّة الجديدة في حياتنا المعاصرة

“جَمِيعَهُمْ يَتَكَلَّمُونَ مِنْ فَمِي” للقاص المغربيّ أنيس الرّافعي: بحثا عن آثار الشامانيّة الجديدة في حياتنا المعاصرة
 إصدارات:
 
   في مؤلّفه الجديد، الموسوم بـ “جَمِيعَهُمْ يَتَكَلَّمُونَ مِنْ فَمِي”، الصادر مؤخرا عن دار خطوط وظلال الأردنيّة (ط 1، 2024)، يخوض الكاتب المغربيّ أنيس الرّافعي تجربة سرديّة مختلفة وغير مسبوقة، هي عبارة عن بحث قصصيّ في غياهب الشامانيّة الجديدة ومتاهاتها المتشعّبة. فعلى امتداد 21 نصّا، و21 صورة تمثّل “معرض الشامان” الافتراضيّ، يجد القارئ نفسه منخرطا في رحلة عكسيّة مثيرة من المستقبل البعيد إلى الماضي السحيق، من أجل اكتشاف الأسطوريات المستحدثة للفكر السحريّ الإحيائيّ، والشامانيات المعاصرة التي تخترق بنيات مجتمعاتنا العربية الحديثة وذهنياتها اللاّواعيّة. في منجز الرافعي الجديد، تترسّخ فكرة الكتاب القصصيّ الجامع كبديل جذريّ للمجموعة القصصيّة، ويتحوّل هذا الكتاب إلى دراسة معرفيّة تخييليّة يتقاسم فيها المتن الإطاري والهامش الشارح دينامية بناء السرد الحكائيّ ضمن ضفيرة واحدة لا انفصال فيها. تحارُ الذائقة التقليديّة وهي تمخر عباب هذا الكتاب العاتي رؤية وتخييلا ومرجعيّة، هل هي في طور الدخول إلى منطقة جديدة من أدب الرعب البدائيّ، أم على أهبة اكتشاف عجائبيّة شامانيّة غير مطروقة نقديّا، أو على وشك التوحّد والتفرّق في تجربة صوفيّة جوانيّة بمقاييس فنطاسيّة تجوس في الأسرار والظلال والمجاهل؟. الواضح جليّا، أنّ هاته المحطة التجريبيّة الأحدث، مفكّر في مظانّها برويّة وتمعّن سامقين، بغاية وضع الحجر الأساس لنوع جديد، يمكن أن نطلق عليه “القصة الاثنوغرافيّة / الأنتربولوجيّة”، إذ أنّ النصوص بالكامل مشبعة بمرجعيات هذين الحقلين الشاسعين، ومصيّغة بتقنيات وأدوات شامانيّة صرف من قبيل (الخشخيشة، الأرواح المساعدة، التحوّل إلى حيوان، معاشرة اللاّمرئيّ، لبدة السّاحر / المحارب، الضريح، القربان، المعراج الشامانيّ، القناع، الطبل، الطلسم، غشية الاستحواذ، الطوطم، الأعشاب المهلوسة…). في”جَمِيعَهُمْ يَتَكَلَّمُونَ مِنْ فَمِي” يقدم لنا أنيس الرافعي رحلته الشامانيّة الروحانيّة الخاصّة، المنفتحة على معرفة باطنيّة عميقة، وإشراقات صوفيّة وجوديّة طالعة لتوّها من “برج الصمت”، إذ نقرأ على ظهر الغلاف الرابع المقطع التالي: (ولما فرغتُ من إعمال النّظر، الذي ضاهى استبدالي لأعضائي الداخليّة بأعضاء جديدة، عدت إلى مستقرّي؛ بيد أنّي وجدت أنّ شيخي المبجّل قد قضى نحبه، وأنّه أوصى لي بريشة نسر واحدة. عندها، فهمتُ أنّ دوري قد حان لكتابة تعاليمي ونشرها على خاصَّتي السرّيّة . فهمتُ أنّ المخلوق يكون مغرورا متى كان له ريش كثير. فهمتُ أنّ الإنسان بدوره طائر مُفترِس له مخالب حادّة يقتل بها طرائده من البشر دون رحمة. فهمتُ أنّنا لا نملك شيئا داخل دنيا تشبه دائرة من حجر، وأنْ لا شيء يستحقّ أن نُلاحقه داخل قرص مسيّج بالصّمت المطبق. فهمتُ أنّ الحيازةَ، وعشق الحيازة جير مغشوش وتبن مخلوط. فهمتُ أنّ ندبة الوجود لا تنغلق ولا تبرأ لأنّ نسور العدم لا تنفكّ عن التمزيق. فهمتُ أنّ رحلتي الطويلة كانت يوما واحدا اختزل حياة كاملة.. ثمّ أفقتُ من منامتي…وبكيت).
Visited 4 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة