نفوذ موسكو في القوقاز يتحكم بالسلام بين أرمينيا وأذربيجان

نفوذ موسكو في القوقاز يتحكم بالسلام بين أرمينيا وأذربيجان

د.خالد العزي

عقد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بتاريخ 25 تموز ــــ يوليو 2023، اجتماعا مع وزيري خارجية أرمينيا وأذربيجان أرارات ميرزويان وجيهون بيراموفن، حيث تم مناقشة الوضع حول ناغورني كاراباخ والتحضير لمعاهدة سلام بين باكو ويريفان، واعلنت روسيا خلاله عن استعدادها لتقديم أقصى قدر من المساعدة.

في مؤتمر صحافي بيريفان تحدث رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان عن نفس المواضيع، وبغض النظر عن مكان اجتماع للتفاوض ـــ في موسكو أو واشنطن أو بروكسل ـــ فإن المفاوضين وجدول الأعمال والقضايا الأساسية ومنطق المناقشة لم يتغير.

في إيران كذلك، ناقش ميرزويان الوضع في جنوب القوقاز مع الرئيس إبراهيم رئيسي، وأكد الجانب الإيراني مرة أخرى على مقاربته، وجوهرها أنه يعارض بشكل قاطع أي تغيير في الحدود المعترف بها دوليًا لدول جنوب القوقاز. هذا يعني أن الحفاظ على مقطع 40 كلم من الحدود الأرمينية ــــ الإيرانية هو الخط الأحمر للغاية بالنسبة لطهران، ولن يسمح بتغييره بأي حال من الأحوال.

الوضع لا يزال غامضًا للغاية. فالنظام العالمي السابق، الذي كان يُعتبر أحد العوامل الرئيسية للاستقرار في العالم وفي منطقة جنوب القوقاز، لم يعد موجودًا. ولكن لا يزال البحث مستمر عن تأثير النظام العالمي الجديد، في رسم الخريطة الجيوسياسية الجديدة في المنطقة وحتى الآن لا أحد يعلم. فالسلام في جنوب القوقاز ممكن، ولكن فقط بعد الانتهاء من الصورة المرسومة للمنطقة وذلك بمشاركة المجتمع الدولي.

وفي ظل السياسة الدولية الجديدة في المنطقة يمكن  توقيع اتفاق على عدة مواد أخرى لمعاهدة السلام المستقبلية المنشودة بين أرمينيا وأذربيجان، والأهم من ذلك، أنه سيتم إيجاد حل ما بشأن فتح ممر لاتشين.

وهنا يجب أن يقال إن الرأي العام في أرمينيا بات يتغير لجهة دور قوات حفظ السلام الروسية الموجودة في المنطقة واستبدالها بقوات حفظ سلام دولية نتيجة غياب دورها وخاصة بعد حصار ناغورني كاراباخ من الجيش الأذربيجاني.

لكن التبديل في دور ومهام قوات حفظ السلام يجب ان يكون من خلال الوصول الى قرار دولي في الأمم المتحدة أو قرار من  منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. من اجل  التوافق على دور ومهمة البعثة الدولية وعدم الاصطدام بموقف روسيا معارض. وهذا غير ممكن، لأن التفويض لا يتم إلا بموافقة جميع الأطراف. وأذربيجان، التي تعتبر مشكلة ناغورني كاراباخ مشكلة داخلية، لن توافق على ذلك أبدا.  ولا يسعهم إلا أن يعرفوا هذا الموقف في ستيباناكيرت.

يتخوف الأرمن من الصدام المباشر بين الاذربيجانيين والأرمن في ناغورني كاراباخ مما يفرض عليهم ايجاد حماية الاقليم كي لا تذهب الأمور  الى المواجهات الدموية التي قد تؤدي الى ابادة جماعية للسكان، وخاصة إذا قررت روسيا الانسحاب،  لان الوجود الروسي في المنطقة يعني حماية السكان من أي تهديد بإبادة السكان، فيريفان تشعر بنوع من الخطر على الاقليم لان الوجود العسكري في الاقليم تنتهي مهمته  في العام 2025. 

وقد شدد رئيس وزراء أرمينيا على دور ممثلي “أرتساخ  الاسم الأرميني لناغورني كاراباخ للبحث في مستقبل الإقليم وكيفية تقرير ما يجب أن يكون في المفاوضات والحوار”.

يجب مناقشة القضايا المتعلقة بحقوق وأمن شعب آرتساخ، من خلال حوار بين ستيباناكيرت وباكو في إطار آلية دولية. والتي ستتاح لسلطات ناغورني كاراباخ وشعبها الفرصة ضمن هذا الشكل لإثارة جميع القضايا التي تهمهم، فضلاً عن تحمل المسؤولية السياسية عن محتواها.

وفي المقابل، أذربيجان لم ترفض مناقشة حقوق وأمن أرمن ناغورني كاراباخ على طاولة المفاوضات”، وهذا الاستعداد لم يأت من التصريحات العلنية لممثلي أذربيجان.

اما رئيس جمهورية ناغورني كاراباخ غير المعترف بها، أرايك هاروتيونيان، فيؤكد من جهته، أن كاراباخ ستواصل النضال من أجل تقرير المصير، داعيا السلطات الأرمينية إلى توخي الحذر في تصريحاتها بشأن الاعتراف بوحدة أراضي أذربيجان.

اما موسكو فهي ستبذل قصارى جهدها بعدم إعطاء فرصة للغرب من اجل إبرام معاهدة سلام بين أرمينيا وأذربيجان دون وجودها، لأن هذا سيعني نهاية ليس فقط النفوذ، ولكن الوجود الفعلي لروسيا في جنوب القوقاز.

سوف يستغرق التفاوض على معاهدة سلام وقتاً طويلاً، ويمكن أن نستنتج أن كلاً من قوات حفظ السلام الروسية وحرس الحدود الروسي على الحدود الإيرانية والتركية ستبقى في أرمينيا لفترة طويلة جدًا. ولا يمكن الحديث عن هذا الاستبدال أو المغادرة حتى الآن.

Visited 2 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. خالد العزي

أستاذ جامعي وباحث لبناني