هل دخلت أوكرانيا النفق المظلم؟
محمد العروقي
مرت بسلام عملية إقالة او استقالة قائد الجيش الأوكراني، الجنرال زالوجني، واستبداله بالجنرال “سيرسكي”، وكما يقول المثل العربي بالعامية (زالوجني كبر راسه وعقله) و تنحى بطريقة حضارية، و تمت إقالته أيضا بطريقة تليق بيه بعد اجتماع مع الرئيس، ولكن ماذا بعد؟
سيناريوهات الحرب الجديدة
في تصريحات لمسؤوليين أوكرانيين، قبيل استقالة زالوجني، ألمح وزير الدفاع الأوكراني أن الحرب في عام 2022 ليست كما كانت في عام 2023، ولن تكون في العام 2024 مثل السنوات التي سبقتها، لذا وجب تجديد دماء القيادة و ضخ وجوه جديدة تؤمن بالسيناريوهات الجديدة. وهذا تلميح من أميروف أراد ان يوحي به أسباب إقالة زاوجني، لكن من وراء الكواليس الكل تحدث عن خلافات أهمها موضوع التجنيد والتعبئة، لذا تحدث الرئيس الأوكراني في تصريحاته الأخيرة عن إنشاء وحدة (الأنظمة غير المأهولة)، وهي التي تعتمد على الوسائل التكنولوجية والتقنية في مواجهة العدو، ماتنفذه أوكرانيا في الآونة الاخيرة، من ضرب الخطوط الخلفية للروس لشل قدراتهم الهجومية، وهذا ماحصل في مطار بلبيك في جزيرة القرم آخر يناير الماضي، لذا فهي استراتيجيات وسيناريوهات قد لا يؤمن بها الجنرال السابق زالوجني، ويركز عليها الرئيس لتعويض قلة القوى البشرية على الجبهة مقارنة مع إمكانيات روسيا البشرية.
كما أنه وفي ظل ضعف الدعم الغربي لأوكرانيا في الآونة الأخيرة، وخاصة من طرف الولايات المتحدة، لجأت أوكرانيا إلى اعتماد التصنيع العسكري المحلي بالتعاون مع العديد من الدول الغربية، و هذا ما سوف تركز عليه في عام 2024، حسب تصريحات الرئيس زيلينسكي، لتعويض النقص. وهو ما يمثل إشكالية ستواجها أوكرانيا هذا العام، في ظل حديث عن نوايا روسية لعمليات تقدم في الأراضي الأوكرانية، خاصة في الربيع بعد الانتخابات في روسيا.
لكن ووسط كل ذلك تمكنت أوكرانيا من النجاح نسبيا الدول الأوروبية، من أن أي ضعف في دعم أوكرانيا فإن ذلك سيؤثر على القارة الأوروبية ويزيد من تهديد روسيا للدول الأوروبية، لذلك أصبحت هذه الدول الآن أكثر جدية في إيجاد موارد لدعم أوكرانيا، ولو تخلت عنها الولايات المتحدة، خاصة وأن الأخيرة تنتظر العملية الانتخابية، وقد يكون ترامب هو الرئيس القادم.
أمام كل ذلك تواجه أوكرانيا معضلة داخلية أيضا، مثل قضايا الفساد، والتجنيد والتعبئة، وإن كان من المستحيل القضاء على موضوع الفساد بدرجة 100%، إلا أن الدولة الأوكرانية تحارب ذلك، وهذا بمثابة جبهة داخلية تستنزف إمكانيات الدولة. وأما الموضوع الأخطر فهو موضوع التجنيد الذي أصبح ضرورة، حيث كشفت صحيفة “واشنطن بوست” قبل أيام عن الوضع المتردي و معنويات الجنود الأوكرانيين على الجبهة، فمنهم من لم يسترح منذ بداية الحرب، وآخرون يشكون من النقص العددي، وآخرون يشتكون من قلة الذخيرة، لكن الأخطر من كل هذا وذاك ، هم من يفكرون في كيف وماذا يفعل نظراؤهم من الشباب الأوكران الآن على ضفاف النهر، ولماذا هم ليسوا بالجيش معهم، وهذا مؤشر خطر جدا، وقد يخلق حالة من التمرد أو الاضطرابات داخل الجيش.
وتتواصل خطورة تصور السيناريو والمشهد القادم خلال ما ذكرته وسائل الإعلام الألمانية قبل فترة وجيزة، بأنه في حال انتصرت روسيا بالحرب فإن 10 مليون أوكراني جديد سوف يلجأون إلى أوروبا، وإذا نظرنا بحسبة بسيطة فإن عدد سكان أوكرانيا حسب إحصائيات رسمية كان في 2014 حوالي 36 مليون نسمة، بمن فيها سكان القرم والدونباس المحتليين، ليقدر عدد سكانها بحوالي 28 مليون نسمة بعد احتلال تلك المناطق، ومنذ اندلاع الحرب ترك أوكرانيا حوالي 6 مليون نسمة، ليتبقى حوالي 22 مليون. وبما أنه في أوكرانيا كبار السن هم أكثر من جيل الشباب، فإنه يتبقى حوالي 10 مليون نسمة من الجيل الشاب ومن الأطفال، و لو أخذنا نصفهم سيكون من النساء و الأطفال، والنصف الأخير 5 مليون نسمة، مابين لائق للخدمة العسكرية أو غير لائق، أو طالب جامعي أو أسباب اخرى، فلن يبقى للجيش أكثر من مليون شخص. وهذه هي الأزمة الحقيقية التي تواجها أوكرانيا وعلى الغرب إدراكها، قبل أن تدخل البلاد النفق المظلم.