ما هي الأصول الروسية التي تقرر تجميدها؟ وما هي طبيعة الرد الروسي على ذلك؟

ما هي الأصول الروسية التي تقرر تجميدها؟ وما هي طبيعة الرد الروسي على ذلك؟

د. زياد منصور

       في جلسة استثنائية عقدت في 20 أبريل- نيسان، أقر مجلس النواب الأمريكي قانونا بشأن مصادرة الأصول الروسية لصالح أوكرانيا. وصوَّت لصالح المشروع 360 عضوا، وعارضه 58. وبالتوازي مع ذلك، صوَّت أعضاء الكونجرس لصالح تقديم 61 مليار دولار كمساعدة لكييف. على الأرجح، لن يتم تضمين العقارات في موسكو في هذه الحزمة. وبموجب مشروع القانون، يتم استخدام الأصول المجمدة لدفع تعويضات لأوكرانيا، وكذلك لاستعادة البنية التحتية للبلاد. نحن نتحدث عن 4-5 مليارات دولار تخطط واشنطن لتقديم جزء من المبلغ على شكل قروض.

    جاء الرد الروسي على قرار واشنطن سلبيًّا وحادًّا. إضافة إلى ردود فعل لخبراء لفتوا فيها إلى أنَّ ما جرى هو تجاوزًا للخط الذي سيغير الوضع المالي العالمي. إذ تثبت مصادرة الأصول الروسية للدول الأخرى أن أموالها يمكن أن تُسرق بسهولة إذا احتاج الغرب إليها. وهذا قد يجبر الدول على البحث عن آليات أخرى للحفاظ على أموالها. ذلك أن اقتصاد العالم الحديث بأكمله مبني على الغرب كمركز مالي وقانوني واقتصادي، فهو الذي  يضع القواعد، وينظم العلاقات، ويتمتع بميزة عسكرية مطلقة. ولعل هذا الوضع القائم كان يناسب الجميع في مرحلة معينة. وفي الوقت نفسه، كانت هناك أسطورة حول العالم الغربي، وهو العالم المثالي، والعادل، ولا شك فإن ما يجري في أوكرانيا قد فضح هذا الدور وأظهر هشاشة هذا العالم في لحظات تاريخية محددة، أثبتت أن “العالم الحر” لا يتصرف دائمًا وفق منظومة القيم التي يطلقها ويروج لها.

      لكن هذه السياسة قد لا تفلح دائمًا كما جرى مع دول عربية عديدة، فروسيا ليست بهذا الضعف ولديها قدرات ذاتية وطاقة هائلة، وقد استطاعت تعويض الأموال المسروقة من خلال نمو الدخل على مدى السنوات الثلاث الماضية، كم وأن الاقتصاد الروسي يعتمد على قاعدة إنتاجية قوية، وليس على اقتصاد المبادلات والمضاربة والبورصات.

    يذكر أنه بحسب بعض البيانات، فإن الأموال الغربية، بما فيها الأمريكية، المستثمرة في الاقتصاد الروسي أكبر بكثير من تلك المجمدة، وهذا يتيح لروسيا إمكانية البحث في مصير هذه الاستثمارات والأموال المنقولة وغير المنقولة.

    على هذا فإن العالم غير الغربي برمته يدرك الحاجة إلى خلق آليات اقتصادية بديلة من شأنها أن تساعد في ضمان سلامة الثروة وفتح طرق جديدة لنموها. وهذه لم تعد نظرية، بل ضرورة عملية. إذ ينتهي العالم القديم، ويولد عالم جديد.

    وفق مصادر روسية مالية فإن المبلغ الإجمالي للأصول الروسية المجمدة هو 280 مليار دولار، منها خمسة إلى ستة مليارات دولار فقط في الولايات المتحدة، ومعظم الأموال (210 مليار دولار) مجمدة في الاتحاد الأوروبي، لذلك نحن نتحدث عن مبالغ صغيرة نسبيًا، فالجزء الأكبر من الأصول مجمدة في الاتحاد الأوروبي، ولم يتخذ الأوروبيون أي قرار بعد في هذا الشأن..

    ومن الناحية النظرية، فإن قرار مصادرة الأموال يمكن أن يقوض الثقة في واشنطن. إن هذه الخطوة لن تؤتي ثمارها على أرض الواقع. ولكن إذا تمت مصادرة الأصول رغم ذلك، فسوف يكون لدى روسيا ما تجيب عليه. ففي روسيا، وفقًا للخبراء، تم تجميد عشرات المليارات من الدولارات المملوكة لشركات أمريكية أو كيانات قانونية تابعة لها.

ما هي هذه الأصول؟

    هي أصول البنك المركزي، وصندوق الرفاه الوطني، ووزارة المالية، فضلا عن الأقسام والوكالات المرتبطة بالاتحاد الروسي. وبالمعنى الدقيق للكلمة، فإن هذه الأصول، من خلال آليات الصناديق الخاصة، يمكن بالفعل نقلها للأغراض التي تم اعتماد هذا القانون من أجلها. إن هذه المبالغ المجمدة تقدر كما ذكرنا بحوالي 280 مليون دولار تابعة للبنك المركزي الروسي. ويتم الاحتفاظ بمعظم هذا المبلغ في الودائع الأوروبية.

    وتقع معظم الأصول في الاتحاد الأوروبي، وتحديداً في بلجيكا (191 مليار يورو) وفرنسا (19 مليار يورو). وتمثل سويسرا حوالي 7.8 مليار يورو، وألمانيا 5.3 مليار يورو، والولايات المتحدة 4.6 مليار يورو، وهذه عبارة عن مبالغ مالية وأوراق مالية وسندات.

    ووفقا لبعض البيانات، قامت الدول الغربية، وخاصة أعضاء مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي، بتجميد حوالي 260 مليار يورو (حوالي 280 مليار دولار) من أصول البنك المركزي لروسيا الاتحادية على شكل أموال نقدية وأوراق المالية. والحجم الأكبر من هذه الأصول يبلغ ــ 191 مليار يورو (208 مليار دولار أميركي) ــ محظور على منصة يوروكلير الدولية في بلجيكا (مجموعة تضم جهة إيداع الأوراق المالية الدولية التي تحمل الاسم نفسه وبنك يوروكلير). وجمدت فرنسا حوالي 19 مليار يورو (حوالي 21 مليار دولار)، وحصة ألمانيا ضئيلة – حوالي 210 مليون يورو، وأعلنت سويسرا وبريطانيا العظمى من خارج الاتحاد الأوروبي عن تجميد الأصول السيادية الروسية بمبلغ 7.7 مليار فرنك سويسري (8.8 مليار دولار) وجنيه إسترليني. 13.7 مليار دولار (15.6 مليار دولار) على التوالي. وتزداد هذه المبالغ إذا أضفنا إليها الأموال المجمدة للأفراد الخاضعين للعقوبات. على سبيل المثال، في ألمانيا، تقدر “الموارد الاقتصادية للأفراد بالإضافة إلى الأصول المجمدة للبنك المركزي الروسي” بنحو 4.1 مليار يورو (4.5 مليار دولار)، وفي سويسرا يصل المبلغ الإجمالي إلى 17.6 مليار فرنك (حوالي 20 مليار دولار)، في المملكة المتحدة – 22.7 مليار جنيه إسترليني (29 مليار دولار)، ووفقاً لصحيفة الغارديان، تبلغ 25 مليار جنيه إسترليني (32 مليار دولار). وتقدر الأصول التي تمت مصادرتها في الولايات المتحدة بنحو 5 مليارات دولار، وفي كندا بنحو 328 مليون دولار. وقد تم تجميد الأصول الروسية على أساس التشريعات المحلية للدول التي فرضت العقوبات المناسبة.

    من الملاحظ أن المبلغ الأكبر هو في بلجيكا ومع ذلك، من غير المرجح أن تقوم بروكسل بمصادرة الأصول، ذلك أنه في الاتحاد الأوروبي، لن تنتهي مثل هذه القضية بالتأكيد بشيء مماثل لسبب واحد بسيط، إذ يوجد المادة 17 من ميثاق الاتحاد الأوروبي”. ميثاق الحقوق الأساسية، والتي تنص على إمكانية مصادرة أي شيء، ولكن يجب أن يعقبها تعويض متناسب، كما أن البريطانيين لم ولن يتبعوا أبدًا مسارًا مماثلاً، فيما أغلق السويسريين عمومًا هذه المسألة في شباط 2023، مؤكدين أن ليس لديهم مثل هذه الآليات.

    رغم ذلك فإن معظم أصول الاتحاد الروسي موجودة في بلجيكا. هناك عدد كبير من الحسابات التي تمر من خلالها الأموال الروسية. فهل تستطيع هذه الدولة اتخاذ قرار مستقل بشأن هذه الأصول؟

    لقد اقترحت بلجيكا في السابق، وهي التي تتولى رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي (أحد الهيئتين التشريعيتين للاتحاد الأوروبي) حتى النصف الأول من عام 2024، استخدام الأصول المجمدة كضمان للسندات التي يمكن إصدارها لتمويل إعادة إعمار أوكرانيا. وبموجب هذه الخطة، ستقوم دول الاتحاد الأوروبي بنقل الأصول بنفسها إلى كييف إذا رفض الاتحاد الروسي دفع تعويضات لأوكرانيا بعد انتهاء الصراع. وقد عبر عن هذه الفكرة رئيس الوزراء ألكسندر دي كرو في كانون الثاني 2024. وفي آذار، أعلنت المملكة المتحدة تأييدها لهذا الخيار. وقد صرح بعض وزراء الخارجية الأوروبيون بالقول إن هناك فرصة لاستخدام شيء مثل القرض المشترك أو السندات، والذي يستخدم بشكل فعال الأصول الروسية المجمدة كضمان، لتوفير هذه الأموال للأوكرانيين، مع العلم أننا سنسددها عندما تدفع روسيا التعويضات”.  ووصفت الرئيسة التنفيذية لشركة يوروكلير، ليف موستراي، حيث يتم الاحتفاظ بالجزء الأكبر من أموال البنك المركزي المجمدة، الخطة بأنها “قريبة جدًا من المصادرة غير المباشرة” للأصول. وأعرب ممثلو فرنسا وألمانيا والبنك المركزي الأوروبي عن مخاوف مماثلة: فهم يرون أن الاستيلاء على الأصول ينطوي على العديد من المخاطر القانونية وقد يؤثر سلباً على سمعة منطقة اليورو وتدفق الاستثمار الدولي.

    ووفقا للمحللين، فإن أي قرار باستخدام احتياطيات البنك المركزي لروسيا الاتحادية سيكون له تأثير سلبي من قبل الدول التي تقع أصولها في البلدان التي دعمت العقوبات، وقد يؤدي إلى تدفق الأموال إلى ولايات قضائية أخرى. بالإضافة إلى ذلك، قد تتورط المؤسسات المالية التي توجد بها أصول روسية في إجراءات قانونية طويلة ذات آفاق ومخاطر غير واضحة. ومن المؤكد أن مصادرة الأصول السيادية للدولة ستترتب عليها خطوات انتقامية في إطار مبدأ “التدابير الشفافة ” المعمول به في الدبلوماسية.

    عمليًّا إن قرارًا من هذا النوع يجب أن تتخذه بلجيكا على وجه التحديد، لكنها لا تريد ذلك على الإطلاق. ولذلك فيعتقد بأن الاتحاد الأوروبي لن يفعل أي شيء. فما يجري في هذا الاتجاه، هو خطوة غير مسبوقة لم تحدث منذ الحرب العالمية الثانية، وحصلت عندما صادرت الولايات المتحدة ممتلكات المواطنين والعكس صحيح. إن خلق مثل هذه السابقة يشكل تغييراً جوهرياً في سوق الاستثمار العالمي.

من لديه المشروعية بمصادرة الأموال؟

    يمكن تنفيذ مصادرة احتياطيات البنوك المركزية بقرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إذا تم تطبيقه من جانب واحد على أساس التشريعات الوطنية، ويعتبر هذا الإجراء غير متوافق مع المعايير الدولية، على الرغم من أنه تم تطبيقه في الممارسة العملية (على سبيل المثال، الولايات المتحدة تجاه العراق عام 1991). خلال العام الماضي، تمت مناقشة هذا الموضوع بشكل مكثف من قبل دول الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع. يبحث السياسيون والمسؤولون الغربيون عن طرق لتوجيه الاحتياطيات المحظورة لبنك روسيا إلى احتياجات أوكرانيا.

 إجراءات الردع الروسية

    يقول مسؤولون روس إن الأصول الأجنبية المجمدة في روسيا لا تقل عن الأصول الروسية في الخارج. ووفقاً لمجلس الخبراء التابع لصندوق التنمية الاستراتيجية، قام بنك روسيا، رداً على تجميد الأصول الروسية في الغرب، بتجميد أموال المستثمرين الأجانب في روسيا بحوالي 500 مليار دولار في أوائل شهر آذار، فيما يتعلق بالمناقشة حول مسألة مصادرة الأموال الروسية المجمدة من قبل الدول الغربية، أشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: “سنرد بالتأكيد، لدينا أيضًا فرصة عدم إعادة تلك الأموال التي احتفظت بها الدول الغربية في روسيا والتي تم تجميدها في روسيا”. الرد على الاستيلاء على احتياطيات الدولة الروسية ليس هناك شكًا في أننا سنتحرك ونرد بنفس الطريقة..

    يعتقد خبراء ماليون أن رد روسيا على مصادرة أصول البنك المركزي الروسي المجمدة في الاتحاد الأوروبي قد يؤدي إلى إفلاس مؤسسة الإيداع الأوروبية الرئيسية يوروكلير. إذ يمكن للبنك المركزي للاتحاد الروسي مصادرة “33 مليار يورو من أصول يوروكلير” في الولاية القضائية الروسية ورفع دعاوى قضائية لمصادرة أصوله في دبي وهونج كونج. يشير هؤلاء إلى أن إفلاس يوروكلير سيقوض الاستقرار المالي للاتحاد الأوروبي وقد يؤدي إلى أزمة مالية عالمية.

Visited 108 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. زياد منصور

أستاذ جامعي وباحث في التاريخ الروسي