الفساد وثقافة الافتراس: بين غياب دولة القانون وتفتيت المجتمع
اليان سركيس
في مجتمعاتنا اليوم، نعيش واقعًا مريرًا حيث الفساد ينتشر كالنار في الهشيم، يلتهم مؤسساتنا ويشوه القيم التي بُنيت عليها مجتمعاتنا. لقد أصبحت السلطة أداة في أيدي قلة قليلة تستغلها لتحقيق مصالحها الخاصة، بينما يعاني المواطن العادي من آثار هذا الفساد العميق والمتجذر.
في غياب دولة القانون، تحكم الميليشيات الساحة، سواء كانت ميليشيات مسلحة تتحكم في الشارع علنًا أو ميليشيات من نوع آخر، ميليشيات المصالح التي تعمل من خلف الكواليس عبر الإدارات المحلية، متخفية بغطاء الحزبية والطائفية. هذه الميليشيات لا تقل خطرًا عن تلك المسلحة، فهي تسهم بشكل مباشر في تفتيت المجتمع وإضعاف نسيجه الاجتماعي.
إن الفساد في السلطة يخلق بيئة من الفوضى وعدم الاستقرار، حيث القانون يصبح بلا معنى، والمبادئ الأخلاقية تتراجع أمام الجشع والنرجسية. في ظل هذه الظروف، يتغير سلوك الناس بشكل جذري، إذ يتحول الإنسان إلى كائن شرس، مستعد لأن “يأكل” الآخرين من أجل البقاء. لقد أصبح المجتمع حقلًا للصراعات الشخصية والمصالح الضيقة، حيث كل فرد يسعى لتحقيق مكاسبه الشخصية، ولو على حساب آلام ومعاناة الآخرين.
هذه الظاهرة لم تعد مجرد حالة فردية، بل باتت ثقافة سائدة، ثقافة الافتراس والاستغلال. فكيف يمكننا أن نسمي هذه الممارسات البشرية؟ هل يمكننا حقًا أن نعتبر أنفسنا بشراً إذا كنا نعيش في مجتمع يفتقد إلى أبسط مبادئ الرحمة والإنسانية؟
إن انتشار الفساد بهذا الشكل الوحشي هو نتيجة مباشرة لغياب دولة القانون، ولضعف المؤسسات التي من المفترض أن تحمي حقوق المواطنين وتضمن العدالة للجميع. وعندما تغيب هذه الدولة، يُترك المواطن وحيدًا في مواجهة قوى أكبر منه، قوى لا تعرف سوى لغة العنف والسيطرة.
لقد أصبحنا مجتمعًا ممزقًا، تسيطر عليه قوى الظلام التي تستفيد من ضعفنا وانقساماتنا. الفساد لم يعد مجرد تحدٍ سياسي أو اقتصادي، بل أصبح تهديدًا وجوديًا لمجتمعنا بأسره. إنه ينخر في جسد الأمة، ينهكها، ويتركها ضعيفة عاجزة عن الدفاع عن نفسها أو حتى عن التفكير في مستقبل أفضل.
إننا بحاجة إلى نهضة ضمير حقيقية، إلى ثورة قيم تعيد لنا إنسانيتنا. يجب أن نرفض هذه الثقافة الوحشية التي تسيطر على حياتنا، وأن نعمل معًا لبناء مجتمع قائم على العدل، الرحمة، والنزاهة. علينا أن نعيد بناء دولة القانون التي تحمي الجميع دون تمييز، وأن نرفض كل أشكال الاستغلال والفساد.
كفانا فسادًا، كفانا جشعًا، كفانا غيابًا للضمير والرحمة. حان الوقت لنستيقظ، لنستعيد قيمنا، ولنبدأ في “الفساد وثقافة الافتراس: بين غياب دولة القانون وتفتيت المجتمع”
بناء مجتمع جديد، مجتمع يحترم الإنسان ويقدّر قيمته. المجتمع الذي نطمح إليه لا يمكن أن يقوم على الفساد، بل على أسس من العدالة، المساواة، والإنسانية.
Visited 81 times, 1 visit(s) today