المسرحي السليماني.. عاشق متفرد

المسرحي السليماني.. عاشق متفرد

نجيب طلال

       لنؤمن بالمطلق بأن تصنيم الأشخاص ليس مقبولا؛ لأنه يكبح ويقتل تفعيل إنسانية الإنسان، ولهذا ليس مطلوبا أن نصنع تمثالا لهذا أو ذاك، ممن أعطوا للساحة الفنية والثقافية، بل على الأقل أن نعيد للمن تم تهميشه أو إقصاؤه من الذاكرة الجماعية، وما أكثر الإخوة والفعاليات في المسرح المغربي، ولهذا فلما لا يتم إعادتهم للذاكرة الجمعوية، باعتبار أن الذاكرة أمر أخلاقي مطلق، وبتفعيلها انطلاقا من إبراز من طالهم التهميش إما قصدا أو عرضا، إذ ذاك يمكن تحقيق تعادلية في النسيج المسرحي، والمثير أننا سمعنا وسمعنا عن التوثيق، ومحاولة إنشاء مركز لتوثيق المسرح العربي، وصولاً إلى الحلم الأكبر؟ مهزلة قول: فنحن لم نستطع توثيق ولو المحليات، فكيف الإسهام في توثيق الحالة المسرحية “عربيا” فالذي لم يتم استيعابه، لحد (الآن) بأن الشعب الذي  لا يـدوِّن تاريخه بصورة صائبة  ومعقلنة لا يمكنه منافسة الشعوب الأخرى، وبالتالي فالتوثيق فرع من فـروع التاريخ، عليه يتمأسس الماضي، ليس لتمجيده بل لقراءته وتحليله ، لفهم ما جرى ويجري في الحاضر من ملابسات وتغراث أو اشراقات، فالمستقبل لا يأتي من فـراغ، ولهذا المسرح في المغرب “ضحية” فمن أين يمكن لخطاب هويته المسرحية أن ينطلق ونحن أمام غياب توثيق رصين! منبعث من الوثيقة؟ وأمام إقصاء متعمد لمحاولة التعريف بفعاليات وطاقات ممن ساهموا في بنائه وترسيخه، وما أكثرهم: إن أغلبيتهم لازالوا على قيد الحياة، وخاصة الذين عاصروا أو تعايشوا وساهموا بالجهد من أجل فعـل نبراسي فعال. رغم العلل والأعطاب التي لحقت الممارسة  والحركة المسرحية، ولا زالت تلاحقها؟ ولكن لا يلتفت إليهم أحـد منهم:

المبدع والمدبر: محمد السليماني الملقب بـ[الصنهاجي] صانع رجالات وشباب وفعاليات مبدعة بمدينة طنجة معقل ولادته سنة (1949) إنه بحق رجل مسرح عصامي، وعاشق متفرد للمسرح. بحيث ساهم حقيقة بإنماء ورفع الحركة المسرحية بمدينة طنجة. من خلال تأسيس جمعية – {الستار الذهبي} 1967.

فمن ثانوية ابن الخطيب، انبثقت جمعية “الستار الذهبي” من طرف مجموعة من الشباب – كجمال الدين السويسي/ أحمد بوعود/ أحمد أزرياح/ عبد القادر البشاري/ محمد العربي الخصاصي/ محمد المراكشي/ نورالدين الزريفي/ أمين الصوفي/ الزبير بنميمون/ سعيد الكرتي/…/ وقد أسندت رئاستها لـ”محمد السليماني” لاعتبارات متعددة أبرزها فعاليته وحماسته للممارسة المسرحية، وأبعد من هذا: طاقته الشبابية المجتمعية الفاعلة أنذاك.

وفعلا استطاع أن يظهر الجمعية من بين الجمعيات المسرحية الفعالة والجادة آنذاك، في فضاء دار الشباب “سيدي بوعبيد” ويخلق إشعاعا فنيا / إبداعيا /  وخاصة بمنطقة “بني مكادة” و” الأحياء ” المجاورة، قبل أن يجد لها مقرا مستقلا للاجتماعات والتداريب، والذي كان خلف مندوبية الشبيبة والرياضة، والمطل على مقبرة “بوعراقية” ولقد ضاع ذاك (المقر) بناء على- مؤامرة / مقايضة – بين أحد “المسرحيين” ورئاسة “المندوبية (2003) سنة قبل موت الجمعية (؟) ليضمحل [مكان] كان يحمل تاريخا وذكريات لايستهان بها!

ولكن تبقى جمعية “الستار الذهبي” أنموذج للمثابرة، والإشعاع. وذلك من خلال بعض الأعمال الأولى (مثل) مسرحية (صالح) التي قام بإخراجها، ولكن نسبها للمجموعة سنة 1968 وكذلك مسرحية (الفيلسوف) التي كتبها “عبد السلام التساماني” سنة (1969) لكن جمعية “الستار الذهبي” أمست تنمو وتتحرك بقوة وفعالية مبهرة، وتحاول جاهدة منافسة جمعية “الوعي القومي” / “شموع المسرح” / “شباب المجد” /…/ نتيجة تدبير الفنان”محمد الصنهاجي” وعلاقته الاجتماعية، التي ساهمت في استقطاب شباب له رغبة الفعل المسرحي من بينهم: المرحوم عبدالمجيد الحمراني /مصطفى بالهاشمي/ عبد العزيز شقرون/محمد الواسيني/…/ وخاصة أنه انبهر بالمسرح وشبابه،  لحظة حضوره لأول مرة في المهرجان الوطني لمسرح الهواة (الدورة العـاشرة/1969) ممثلا مدينة طنجة.

لكن قوته وقوة جمعية “الستار الذهبي” برزت بشكل جلي، في بداية عقد الثمانينيات من (ق، م) حينما انخرط شباب  كله حماسة في الفعل المسرحي، بوعي خاص بالفعل المسرحي وأهميته، أحمد الاشقر/ الشعيبي عبد الوحي/ عبد العزيز الخليلي / محمد الزايدي/ مكروم الطالبي/ عبد اللطيف الروسي/عبد الباسط الأشهب/ادريس الرفاعي/ فوزية الصغير/ هدى الصنهاجي/ محمد الضرضور/ جمال العبراق/…/ ,أسماء متعددة؛ ولكن الأهم أن محمد الصنهاجي لم يكن رئيس جمعية، بقدر ما كان “أبا روحيا” لكل عناصر الجمعية، بحيث كان يساعد العديد منهم لتكملة دراستهم، ودعمهم ماديا ومعنويا، حسب المستطاع، وهذا الدعم ساهم في إنجاز العديد من المسرحيات (مثل) مسرحية “قاعدة بلا استثناء سنة (1981) / في انتظار زمن الجنون سنة (1980) ولقد شاركت رفقة جمعية النهضة الثقافية/ الاتحاد المسرحي في المهرجان الوطني ( 20) الذي أقيم بـ( تطوان) وفي المهرجان الوطني (24) الذي أقيم بـ(الرباط) شاركت بعمل مشترك مع نادي الفصول من سلا بمسرحية أزمنة الأمطار المتحجرة. وكذلك مسرحية / العدو/سرحان والمأسورة/ الدار المسكونة/ سفر سي محمد/ صعود وانهيار مراكش/ جهورية جنونستان/ العقرب والميزان/…/ إذ كل الأعمال المنجزة من تمويل وتدبير المسرحي  محمد السليماني الصنهاجي، وفي كنفه برز عبدالله ناصر كفنان مخرج بالمعنى الحرفي، وله طاقة إبداعية خاصة ! فجل الأعمال قام بإخراجها – لكن فضاء مدينة  طنجة له خصوصية أخرى، لا داعي لفتح نوافذ مهب الرياح. في نفس السياق محمد السليماني الذي أعتبره العاشق المتفرد فهو الوحيد في مدينة  طنجة الذي فتح بوابته للمسرحي الراحل محمد تيمد لكي يمارس شغبه وعشقة المسرحي، في الجمعية. بعْـدما رفضته جمعيات مسرحية في ذاك الوقت كجمعية: ابن خـلدون للثقافة والــفن/ الـبسـاط  الـثـقـافيـة / الشـعـلة الفــنيــة /نادي الشمال للمسرح والسينما / المسرح الشعــبي /النهـضة  الثقـافـيـة  / الـغــدفــان للثقافة والــفن/ وإن كنا نؤمن بالحقيقة التاريخية، ونسعى جاهدين إليها: رجاء أن يدحض أحد الأحياء قولي ( هـذا ) ويفنده (…)

فالراحل تيمد ساعده  السليماني وهو ساعد الجمعية في إشعاع متفرد، بحيث شارك بمسرحية (العدو) تأليفا وإخراجا ،وتم عرضها بمسرح محمد الخامس سنة (1984) مسرحية [الدار المسكونة ] من إخراجه وتأليف توفيق زياد  [أزمنة الأمطار المتحجرة ]من تأليفه وإخراج [ع القادر بوزيد /عزوز بنطابيه]

وبناء على كل هذا فجمعية {الستار الذهبي}  التي تعتبر  الوجه الأسمى، والزاوية الروحانية للفنان محمد السليماني تناسلت منها عدة جمعيات، وهي مسألة عادية في بلادنا أنموذج الأحزاب السياسية؟ ورغم ذلك، كان يجدد دم الجمعية بوجوه وشباب لهم حب المسرح، و من وسط أسرته كذلك، ليظل ذاك العاشق المتفرد حاضرا، فإبان أي إنجاز لعمل مسرحي! كان يطير مثل فراشة ربيعية، لكنه تحليق رزين وهادئ، ينشد عبر حركاته تباريح شوق الإبداع المنفلت من برودة الخريف، هكذا دائما، كان حينما نلتقي به في موطنه . وإن كان يفضل الظل على الظل، بحيث لم ينخرط في مكتب الإتحاد الإقليمي لمسرح الهواة، المأسوف على ضياع هذا الإرث، ولم يطمع يوما في عضوية في الجامعة الوطنية للمسرح، ولا حتى في عضوية النقابة الوطنية لمسرح (المحترفين) بطنجة، كان يكفيه فخرا أنه مسرحي هاوي ونقابي مهني في قطاع عمله اليومي. لينسحب بهدوء من المشهد الفني سنة 2004 ولاسيما أن الفضاء الطنجي خفت منه تلك الحرارة الإبداعية / الفنية/ المسرحية.

وختاما: فالكلام عن الفنان محمد الصنهاجي يظل دائما “حكايات بلا حدود “رغم أن من طبيعته الصمت والكتمان، وبالمناسبة سنة  2022 [لا ننكر تم تكريمه  في سياق “جلسة الأحباب “، ولحدود علمي (هو) برنامج سنوي ينظمه ويسهر عليه قسم الشباب.

لكن أحد الإخوة، رد علينا في جداريتنا حينما وضعنا صورة اللقاء الحميمي، بيني وبين السيد الصنهاجي رفقة المسرحي الزبير بن بوشتى يقول بالحرف: (أخي الكريم لقد طرحت مجموعة من الأسئلة وهذه بعض الأجوبة.1- حول تكريم السيد محمد الصنهاجي في برنامج جلسة مع الحباب والمنظمة من طرف مديرية الشباب فقد اقترحه أحد قدماء جمعية الستار الذهبي إنه عبد العزيز الخليلي وقد حضر الجلسة مجموعة من المسرحيين بالمدينة ومن المتدخلين ابن الجمعية أحمد الأشقر والذي كانت كلمته من الديار الفرنسية عبر السكاي) في جداريتنا بتاريخ [ 11/غشت/2024] فتعقيبنا التالي حرفيا، وفي نفس اليوم (… بأن التكريم جاء متأخرا، وباهتا، فكيف اقترحه الأخ عبد العزيز الخليلي؟ إن كان الأمر حقيقة، فله الشكر سلفا، لكن لماذا لم يقترحه على مهرجان طنجة الدولي للفنون المشهدية؟ أليس فاعلا في المركز الدولي لدراسات الفرجة؟ إن كنت واهما! فجداريته (الفايس بوك) واجهة إعلامية لمهرجان طنجة الدولي للفنون المشهدية؟ وإن كان فعلا هـو الذي اقترح الفنان محمد السليماني الصنهاجي في جلسة الأحباب، فجداريته خالية (حتى) من [ربع] صورة له! وحتى من  الملصق! ومن الحضور الذي يظهر ضعيفا جدا!  حـسب ما أرسلته جمعية [ابن خلدون] في ردها، الذي لا يمكن لنا إلا أن نحترمه، لأنه فتح لنا استرجاع ما يمكن أن نغفله في ورقة (وجوه)؟ ولحد الآن لم يتم الرد على قولي هـذا ؟؟؟ وبإمكان اللبيب سيفهم ما القصد من القول الختامي….

Visited 29 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

نجيب طلال

كاتب مغربي