الحرب في أوكرانيا… ساحة اختبار لأسلحة الغرب وروسيا

الحرب في أوكرانيا… ساحة اختبار لأسلحة الغرب وروسيا

د. خالد العزي

ينتشر الجيش الأوكراني على الحدود الممتدة من مناطقه الجنوبية الحدودية مع الجمهوريات المستقلة لوغانسك ودونيتسك في أوكرانيا الجنوبية، وصولا الى الحدود البيلاروسية في غرب أوكرانيا، حيث يمتد غطاء هذه الحدود بمساعدة بولندا وبعض كتائب من دول البلطيق الثلاثة.  

يحاول الجيش الأوكراني الانتشار على المدن الساحلية الأوكرانية للبحر الأسود من ادسا، وصولا الى مرفأ ماريوبوبل، والتي تحاول روسيا السيطرة عليه لربط القرم بالطريق البري “الدونباس” من خلال فرض حصار بحري على المرافئ الاخرى. اذن الساحل البحري ومناطق برية أخرى مهددة بتقدم الدبابات فيها أثناء صد عملية هجومية قد تقوم بها البحرية الروسية لكي تطبق على اوكرانيا من كل الاتجاهات، والتي تشكل خطرا حقيقيا على الامداد الغربي لأوكرانيا في حال نشبت الحرب. 

عند محطة السكك الحديدية في كراسنوارمييسك التي تسيطر عليها كييف، تم إنزال ست وحدات من راجمات الصواريخ من طراز “سميرتش” واثنتان من طراز “أوراغان” بذخائر عنقودية. ووصلت في الأسبوعين الماضيين، القوات المشتركة للوحدات القومية “القطاع الأيمن” (المحظور في روسيا) إلى منطقة العمليات، وكذلك قناصة من كتيبة الاستطلاع 74 والقوات الخاصة التابعة لوحدة “ألفا”. 

هذه الوحدات والكتائب تم تدريبها بشكل كامل على حرب العصابات، شاركت سابقا في الحرب عام 1994 ويتم نشرها على الخطوط الامامية كما تنشر القوات الاوكرانية العديد من الألوية العسكرية على خط الجبهة الذي بات يمتد من جنوب الساحل الأوكراني نحو الشرق وصولا للشمال. وبحسب المتابعين ينتشر أكثر من ثلاثين الجيش الأوكراني بين المشاة والدبابات والدروع والوحدات الخاصة والكوماندوس. وتم تسليم الجيش الأوكراني أسلحة كيميائية بواسطة طائرات من الولايات المتحدة في تشرين الأول/أكتوبر 2021، في مدينة بوريسبوليه في ضواحي كييف. كذلك منطقة أنادول، في قاعدة اللواء 25 التابعة للقوات المسلحة الأوكرانية، يتم تنفيذ تدريب مكثف لوحدات قوات الدفاع الإشعاعي والكيميائي والبيولوجي، وبالتالي، فإن احتمال حدوث استفزازات باستخدام المواد الكيميائية لا يزال قائما. بريطانيا من جهتها، أرسلت مؤخرا إلى أوكرانيا نخبة من أمهر مقاتليها التابعين للواء العمليات الخاصة في الجيش البريطاني حيث وصلت مجموعة من حوالي 30 جنديا بريطانيا إلى أوكرانيا لتدريب القوات المسلحة الأوكرانية على استخدام الأسلحة الجديدة المضادة للدبابات التي منحتها لندن لكييف والدنمارك ارسلت غواصة حربية للبحر الاسود واسبانيا ارسلت سلاحومساعدات عسكرية. يشار الى وجود خبراء ومدربون من الناتو ودول المجاورة لأوكرانيا بالاضافة الى صواريخ جوية وبطاريات ورادارات وأسلحة ليلية يتم إرسالها الى كييف من الدول الأوروبية، بالإضافة الى المسيرات المختلفة التي باتت تمتلكها كييف. 

لكن الجميع يتكلم عن قدرات روسيا العسكرية العالية والتي تستطيع السيطرة والأطباق على أوكرانيا خلال أيام وهذا امر طبيعي نتيجة قدرات روسيا الفائقة، لكن لا احد يتكلم عن قدرات أوكرانيا وشعبها وكيفية الاستعداد للمواجهة مع الروس بشي، فالسلاح الذي يسلم بالدرجة الاولى ذخائر اسلحة ضد الدروع وتشمل صواريخ وللطائرات وصلت من ليتوانيا واستونيا ودول البلطيق وهي صواريخ باليستية وكانت ألمانيا اعترضت على تسليمها لكييف، لكن بعد زيارة المستشار الألماني الى واشنطن الاسبوع الماضي، اختلف الأمر وهناك قائمة كبيرة من السلاح من تقديمها لأوكرانيا من بقايا سلاح ألمانيا الديمقراطية سيتم تسليمها لكييف بما فيها صفقة الخوذ التي تسلمتها من برلين. لابد من الاشارة، الى ان المصانع الاوكرانية عملت على تطوير مدرعات اوكرانية من نوع “كوزاك” وطائرات “أنتونوف” لصناعة الطائرات والمروحيات، و”مليشيفا” للدبابات مصانع محركات الطائرات والتوربينات الغازية وغيرها موتور سيتش “ف” الصناعات الأوكرانية، تبقى رائدة باعتراف روسي وهو من ما تبقى من الصناعات السوفياتية وقد أسست 130 شركة لتأسيس، مثل “فارتا وتحديث مدرعتي بي تو ار-3 وبي ارتي 4 ودبابات اوبلوت انظمة صواريخ ستتتوهنا studnaK، ونبتون، neptton وهناك اتفاقيات تركية ـــ أوكرانية بصناعة السلاح وتوريده من فرنسا والولايات المتحدة وخاصة سلاح المسيرات على الحدود. 

وقد تلقت القوات الاوكرانية سلاح دفاعي وصواريخ بما فيها صواريخ “استنفر” ورادارات للبطاريات “جافلين” ومئتي صاروخ وثلاثين قاذفة. لقد وصل العدد الى آلاف عدة من الصواريخ، تم تزويد أوكرانيا بها من أمريكا ودول حلف الناتو مضادة المضادة للدبابات.

 أما الجيش الذي تأسس بعد ازمة 2014 والذي يصل تعداده الى 250 وحوالي 1200 من الاحتياط من الاحتياط، أي ثلث الجيش الروسي من سكان أوكرانيا حوالي 55 مليون. وهناك تعبئة شعبية قائمة على تدريب الأفراد من نساء ورجال على حرب العصابات، حيث يمكن لكييف أيضا استدعاء قوات للخدمة بعقود، وتعدادها حوالي 30 الى 50 الف مقاتل ويمكن نشرها في مناطق القتال.  

ويملك الجيش الأوكراني طائرة حربية 285، 145 مروحية قتالية، 2430 دبابة، 11435 مدرعة 45 قطعة بحرية 42 مقاتلة، 5 غواصات 2815 مدفع 550 راجمة للصواريخ، 269 طائرة هليكوبتر نقل للجيش ميزانية الجيش الأوكراني سنويا 10 مليار دولار، اي ثلاث مقدور الجيش الروسي. اما خندق الدفاع “افديفكا” المخيف فهو قصة القصص في الحرب الاوكرانية ـــ الروسية، حيث تم حفر الاوكران حندق بوجه منطقة الدونباس، الخندق بعمق 8 او 10 وطول 150 كيلو متر طول وعرض 4 امتار، يدعمه سياجا مزودا بأحدث تكنولوجيات المراقبة والمناظير الليلية واللوجستية. 

ان عبور الخنادق الاوكرانية سيكون دمويا للروس، حيث تلعب الخنادق في الحروب كبيرا دور التحصين وحماية الجنود من القصف المدفعي والتصدي للهجمات العسكرية التي تمكن المقاتلين من الصمود بشراسة.  الروس يعتمدون على المدافع والصواريخ والمنصات المدفعية قد تشكل هذه الخنادق عقبة للروس لاجتيازها لان كلفتها ستكون ثمينة، وخاصة للدبابات التي تتمركز في “الدونباس”، والمعروف أن الأمريكيين أصبحوا بارعين في استخدام صواريخ “جافلين” المضادة للدروع التي تعرف باسم “اطلق وانسى”، والتي تصيب أهدافها لمسافات بعيدة وهذا ما يجبر الروس، على فتح جبهة جديدة على الحدود الاوكرانية الشمالية التي يجبرها بالالتفاف على الخنادق في الشرق، ولذلك تعزز قدراتها العسكرية في بيلاروسيا.

 أضف الى ذلك أنه خلال المناورات، نفذت الأطقم القتالية لراجمات الصواريخ من طراز بي.إم-21 “غراد” مهمة إسكات وتدمير الوسائل النارية والمدرعات والقوة البشرية للعدو المحتمل. والجدير بالذكر بان توجهة شعبي كثيف للقتال ضد الروس يوازيه اقبال اوروبي كثيف للقتال في اوكرانيا الى جانب القوات الاوكرانية الرسمية بإعتبارها قضية امن قومي اوروبي، وصولا الى دبلوماسية اوروبية متشددة بوجه روسيا، قد تدفعها للتفكير جيدا بالغزو العسكري. 

لا شك بان روسيا تستطيع احتلال كييف ولا يمكن المقارنة مع اوكرانيا ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل تستطيع موسكو البقاء كثيرا في اوكرانيا بظل الروح المعنوية الذي يظهرها الشعب الروسي المتحمس لمواجهة روسيا. هل ستتحمل روسيا الخسائر البشرية في داخل جيشها المهاجم من السيطرة على الأرض والخسائر الاقتصادية التي هلت بشائره بالتوافق على إقفال خط الغاز “نورد ستريم 2” الذي سيرهق الخزينة الروسية. 

هل ستقبل روسيا بأن تكون اوكرانيا حقل تجارب للسلاح المتعدد الذي باتت الغرب يمتلكه لمواجهة السلاح الروسي واظهار عجزه امام الغرب، بعد ان حقق شهرة كبيرة في استعراضات سورية. لقد فشلت المحادثات الروسية ـــ الفرنسية في نتاج سياسي بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، حيث كان غضب بوتين واضحا، ليس فقط بسبب تجاهل الغرب لمطالب روسيا واصراره علي حصارها وانما لأن هذا الوضع يفرض على روسيا تقديم تنازلات مؤلمة قريبا، على حساب نفوذها الجيوسياسي، لأنها لن تخوض حربا ولأنها ليست مستعدة اقتصاديا ولا اجتماعيا ولا سياسيا للتورط في حرب ويكفيها الحرب في سوريا والقوقاز، ولأن القوة ليست استعراض لجيش وأسلحة، ولا تكمن في الدخول في أي حرب بل في القدرة على الخروج منها بمكاسب ثمينة.

Visited 6 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. خالد العزي

أستاذ جامعي وباحث لبناني