قضية الصحراء والموقف الأمريكي من النزاع المغربي- الجزائري منذ نشأته

قضية الصحراء والموقف الأمريكي من النزاع المغربي- الجزائري منذ نشأته

عبد السلام البوسرغيني

كثيرا ما تتردد على ألسنة فئة واسعة من المواطنين المغاربيين أسئلة حارقة من قبيل: لماذا أيها التاريخ تصر على أن تظل بعض صفحاتك السوداء قابعة في أذهان من لايرغب في طيها؟ 

ولماذا لا تبعث فينا الآمال بأنك عازم على طي الصفحات المعتمة لتعوضها لنا بصفحات مضيئة؟ ولماذا لا تختار تلك التي عاشتها شعوبنا في تاريخها المعاصر وهي مزهوة بما سجلته فيها من أمجاد؟   

وإلى أن يكون الزمان منصفا ويأتي بما يحقق الآمال التي يعبرعنها المخلصون من أبناء المغرب العربي، نقول: إنه لفهم ما يجري في الوقت الحاضر بالنسبة للعلاقات المغربية الجزائرية، لا بد من الرجوع إلى إلأحداث التاريخية التي تحكمت فيها ووجهتها الوجهة التي هي عليها الآن. ولو حدث أن تم الرجوع إلى تلك التي أعطت للتاريخ المغاربي وجهه المضيئ، وما أكثرها، لما كانت قد اتجهت الوجهة التي يصر بعض القادة الجزائريين على أن تستمر الأجواء التي سادت في السبعينات متحكمة في الأحداث.            

ويمكن القول بأن الأمريكيين كانوا أول من شعر بأن العلاقات المغربية- الجزائرية سائرة نحو المواجهة.  فعندما سارع هنري كيسنغير كاتب الدولة الأمريكي السابق إلى زيارة الجزائر في أكتوبر 1974 للتأكد مما توصلت إليه مصلح وزارته، واجه الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين في لقاء حاسم معه بأسئلة محرجة حول ثلاثة أمور:  سعي الجزائر لبسط سيطرتها على المنطقة المغاربية، والانفراد باستغلال مناجم غار جبيلات، والاستفتاء لإنشاء كيان صحراوي.  

 ذلك ما يستخلص من تقارير المخابرات الإمريكية التي رفعت عنها السرية منذ بضع سنوات، إذ أوردت أن هنري كيسنغير قال لمخاطبه هواري بومدين خلال الحديث عن الصحراء، الخاضعة آنذاك للاستعمار الإسباني: “الأرض مغربية موريتانية إذن”، فعقب الرئيس بومدين على ذلك قائلا: “نحن لا نريد منفذا على البحر، نحن نسعى إلى استغلال مشترك لمخزونات الحديد.  لكن لانريد أن يصبح ذلك محل صراع “. 

 ثم تساءل كيسنغير قائلا: “كيف يمكنكم استغلال المناجم إن لم تكن داخل ترابكم؟”،  فأجاب بومدين: “إن المناجم تقع داخل التراب الجزائري”.     

  وفي موضوع الاستفتاء في الصحراء الذي طرحته اسبانيا وساندته الجزائر، تساءل كيسنغير قائلا: “كيف يمكن تنظيم استفتاء لحوالي أربعين ألف من الرحل ؟”. 

  وبالتأكيد فإن كيسنغير عكف بعد عودته إلى واشنطن على وضع أسس السياسة التي يتعين على الولايات المتحدة انتهاجها إزاء ما قد يحدث في منطقة تعنيها أمورها، في ظل الحرب الباردة بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي السائدة آنذاك. والمتنافسة على التحكم في المواقع الجغرافية الأستراتيجية. ولقد أدرك كيسنغير بدهائه السياسي والدبلوماسي ما تعتزم الجزائر الإقدام عليه تحت قيادة بومدين.  فلا هي ستقدم على الاستغلال المشترك مع المغرب لمناجم غار جبيلات، طبقا للاتفاق المبرم معه سنة 1972، وهو الاتفاق الذي انتزعت الجزائر بمقتضاه اعتراف المغرب بالحدود الموروثة عن الاستعمار، ولا قادتها سيتخلون عن مساندة مخطط اسبانيا إنشاء كيان صحراوي على الأرض التي تعتبر أرضا مغربية في الأصل، ويسعى المغاربة لإثبات تبعيتها تاريخيا للتراب الوطني المغربي عن طريق استشارة محكمة العدل الدولية. وتريد اسبانيا إنشاء كيان صحراوي عن طريق تنظيم استفتاء بعد أن ادعت أنها سجلت حوالي سبعين ألف من الذين يحق لهم التصويت.       

وعلى ضوء ما استنتجه من زيارته للجزائر، وضع هنري كيسنغير أسس السياسة التي يجب على واشنطن أن تتبعها إزاء المواجهة المحتملة بين المغرب والجزائر، وهي السياسة التي ظلت تتميز بها حتى الآن مواقف الولايات المتحدة الإمريكية إزاء نزاع الصحراء . وتقضي هذه السياسة حسب ما تم اتخاذه من مواقف طوال فترة النزاع وإلى الآن، أن لايفقد المغرب أية معركة فاصلة، سواء في ميدان المواجهة العسكرية، أو في مجال المواجهات القانونية، وان لا يتم إنشاء كيان صحراوي هش يكون محل قلق يضاعف من التعقيدات الدولية، كما خلصت إلى ذلك مؤسسات الدراسات الأستراتيجية الأمريكية ذات النفوذ. ولقد حرص الأمريكيون على أن ينفردوا بمهمة صياغة قرارات مجلس الأمن الملزمة حتى لا تتناقض نصوصها مع السياسة التي رسموها، وحتى تتيح للمغرب الإعتماد على مفهومها للدخول في أية محادثات أو مفاوضات.                                           

   وطبعا لم تكن الولايات المتحدة تعلن جهارا انحيازها المطلق للمغرب، ولكنها لم تكن تتأخر عن مساندته كي لا يفقد السيطرةعلى الوضع، بعدما برهن عن قدرته على الصمود على مختلف المواجهات، فكان الحليف الذي ترى واشنطن أنه أجدر بالمساندة ليكون ظهيرا للمعسكر الغربي في منطقة شمال غرب أفريقيا. وفي المقابل لم تكن تجهر بمعارضة الجزائر، ويرجع ذلك إلى المصالح التي تجنيها من علاقاتها بهذا البلد البترولي كشريك في مجال الطاقة بالنسبة للغرب بزعامة واشنطن.     

  وباستعراض مراحل نزاع الصحراء يمكن الوقوف على ما كسبه وما خسره كل طرف من أطراف النزاع منذ نشوبه سنة 1975، تبعا لرهاناتهم وسياساتهم. والأطراف التي نعنيها هنا هي المغرب وموريتاني والجزائر، والبوليساريو بالتبعية لهذه الدولة الأخيرة التي توظفها  في صراعها مع المغرب.

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عبد السلام البوسرغيني

صحفي وكاتب مغربي