“حزب الله” يخسر نقاطا في حربه السرية
حسين عطايا
في عصرنا الحديث كما من قبل، لم تعُد حرب جبهات واشتباكات بمختلف انواع الاسلحة، بل تعدتها إلى معارك في جبهات بعيدة جداً عن الحدود والجبهات، كالحرب السرية ما بين أجهزة الاستخبارات، لا بل تطورت اكثر لتدخل المجال السيبراني وهذه الحروب بحاجة لخبراء واختصاصيين وهنا تكمن أهمية تطور أساليب الحرب ومن يتفوق فيها هو من يمتلك الخبرات والتكنولجيا المتطورة.
تطورت الحرب مابين “حزب الله” واسرائيل ولم تعُد تقتصر على صواريخ ذكية أو غبية أو عمليات وعبوات يتم تفجيرها عن بُعد، بل ومنذ فترة تعدت السنتين بدأت تخرج بعض الأخبار على الرغم من التضليل الإعلامي الذي تنتهجه أجهزة الأمن والإعلام لدى الطرفين، بعض الأخبار عن هروب عدداً من العناصر القيادية في “حزب الله” للكيان الاسرائيلي أو خارج البلاد، كما تتعالى بعض الوشوشات لتُصبح اخباراً متداولة عن عمليات كوماندوس اسرائيلية تُنفذ بعض الأعمال التخريبية، كما تقوم بقصف بعض معامل أو ورش تصنيع أو تعديل الصواريخ، وكان آخرها مايدور عن دخول كوماندوس إسرائيلي لأحد مخازن المسيرات التي يُخزِن بها حزب الله المسيرات والتي تقول المعلومات بأن حزب الله إشتراها من الاسواق عبر رجال اعمال لبنانيين وقد صرح أمين عام حزب الله منذ فترة عن ورش تصنيع هذه المسيرات.
في هذا المجال، كان قد سبق إعلان الصحافي جوني منير خبراً في ١٤ كانون الاول ــــ ديسمبر من العام ٢٠٢٠ يقول بأن كوماندوس اسرائيلي كان قد تم إنزاله على شاطيء بلدة الجية جنوب مدينة بيروت وترك خلفه أثارا تدل على ذلك. وهنا لا بد من القول بأن اجهزة “حزب الله” الأمنية قد بدأت تتعارض فيما بينها مما يدفع الى القول عن خلافات ما بين هذه الأجهزة مما سمح لتسلل جهاز الموساد الاسرائيلي وقد حقق بعض النجاحات في معرفة بعض المراكز السرية التي يستخدمها “حزب الله” لتخزين المسيرات او الصواريخ ومخازن الاسلحة، ومن هنا الحديث عن بعض التفجيرات الغامضة التي شهدتها بعض المناطق في السلسلة الشرقية وبعض الجرود القريبة من بلدة جنتا او بعض المعابر التي تسلكها قوافل السلاح الآتية من سوريا ومنها من إيران، إلى بعض مخازن السلاح في مناطق مختلفة من لبنان لاسيما في الضاحية والجنوب والبقا ، وكذلك لا ننسى بعض الانفجارات في محيط قرى حومين الفوقا ومن ثم عربصاليم وجباع وغيرها الكثير، وهذا يُذكرنا الى ما حدث في ايران إن في بعض المفاعلات النووية كموقع نطنز مثلا، كذلك اغتيال ابو القنبلة النووية وغيرها من التفجيرات.
وأخيرا وردت العديد من الخبريات خصوصاً فيما يتعلق بتفجير مخزن المسيرات والتي تحدثت عنها أكثر من وسيلة إعلام حتى كتب بعض الإعلاميين القريبين من حزب الله مقالات تحدثت عن هذا الموضوع مما دفع “حزب الله” الإعلان رسمياً نفيه للخبر. ولكن هذا النفي ليس بالضرورة أن يكون صحيحاً أو عكس ذلك، وهنا تم ورود أكثر من سيناريو لعملية تفجير مخزن المسيرات، نورد أحدها السيناريو التالي: بدأ الصراع بين الأجهزة المسماة أمنية” في ميليشيات “حزب الله” يطفو إلى السطح، وخصوصاً مع الكشف عن دخول قوة كوماندوس إسرائيلية قبل أشهر إلى منزل “سري” لأحد قياديي الميليشيات في منطقة الجية جنوب بيروت. وكما أعلن حينها فإن قوة الكوماندوس حصلت على خرائط لأنفاق ومستودعات الميليشيات وقواعدها السرية من جنوب لبنان إلى بقاعه وما بينهما ضاحية بيروت الجنوبية وكذلك في سوريا.
وفيما يعيش قادة الميليشيات بصراعات مستمرة ويؤمنون حياتهم الرغيدة بأموال الفساد، كانت المفاجأة ما أبلغه مسؤول ما يعرف بـ”وحدة التنسيق والارتباط بـ “حزب الله” المدعو وفيق صفا لعدد من الإعلاميين المقربين له، عن تسلل مجموعة من الجنود الإسرائيليين عبر شاطئ منطقة الأوزاعي جنوب العاصمة بيروت.
وقال صفا: “إن الجنود المتسللين استعانوا بشركة تأجير سيارات يملكها أحد أبناء المسؤولين في جهاز الحماية بحزب الله، ودخلوا بمعداتهم وأسلحتهم إلى منطقة الصفير بالضاحية الجنوبية معقل “حزب الله”، واستطاعوا الوصول إلى أحد مخابئ الطائرات المسيَّرة التابعة للميليشيات وتدمير الطائرات كاملة بمواد كيماوية وقنابل صغيرة لا تنتج أصواتاً مرتفعة”. وتبين لأجهزة الميليشيات أن حياة زعيمهم حسن نصر الله كانت تلك الليلة بخطر كبير، كونه كان ليلة تنفيذ العملية موجوداً بمبنى قريب جداً، وبينما كان حرسه ينتشر بشكل سري في المنطقة فإنهم لم يلحظوا دخول وخروج موكب سيارات الكوماندوس الإسرائيلي، كونها سيارات تتبع لابن أحد القياديين الأمنيين في الميليشيات. ويشير أحد المصادر في بيروت إلى أن كشف صفا للعملية يأتي بعد استبعاده عن مجموعة من المهمات السياسية والمالية التي كان يقوم بها، إثر انكشاف صداقته “الخاصة” بأحد المسؤولين في الميليشيات الذي فرّ إلى خارج لبنان بعد اتهامه بالتجسس لإسرائيل. ويكشف أن الميليشيات لم تتمكن من اكتشاف تسلل الكوماندوس إلا بعد وقت، وعودة الكوماندوس بالسيارات إلى منطقة الأوزاعي والانطلاق من هناك نحو البحر حيث ينتظرهم طراد عسكري نقلهم إلى الأراضي الإسرائيلية. وكما يبدو فإن الإسرائيليين استطاعوا امتلاك معلومات دقيقة عن إستعدادات الميليشيات ومخازن أسلحتها في مناطق لبنانية وفي سوريا، حيث تعمل من فترة لأخرى على استهدافها لتدمير الورش الخاصة بتحويل الصواريخ البعيدة المدى إلى صواريخ دقيقة، ومخازن الطائرات المسيّرة التي اشترتها الميليشيات عبر شركات وسيطة، وزعم نصرالله أن عناصره يقومون بصناعتها.
هذا الامر لا ينتظر نفياً او تأكيداً بل يدخل في صلب المواجهة التي تدور بين أجهزة حزب الله والتي أصابها الكثير من الخلل، خصوصاً بعد مقتل عماد مغنية والذي كان يُشكل العامود الفقري لكل العمل الامني لـ “حزب الله” وصلته مع الحرس الثوري الايراني، وبعد تسلم قريبه مصطفى بدر الدين القيادة، والذي قُتل في ظروف غامضة في أحد المواقع بالقرب من العاصمة السورية دمشق على طريق المطار السوري. مما زاد من الأزمات في الاجهزة الامنية لـ “حزب الله” نتيجة بعض من خلافات وبعض من أنانيات والكثير من المصالح المادية، والتي بدأت تتعالى أكثر فأكثر بعد تدخل “حزب الله” والتضخم الذي أصاب الهيكلية التنظيمية لـ “حزب الله” ودخول الكثير من المنافع من جراء عمليات التهريب وما يدور عبر المعابر غير الشرعية والممسوكة من ذوي الحظوة في الأجهزة العسكرية والأمنية في الحزب.