“الرابع عشر من آذار” مابين ماضٍ مجيد وواقع بائس

“الرابع عشر من آذار” مابين ماضٍ مجيد وواقع بائس

حسين عطايا

تمر علينا هذا العام الذكرى الثانية والعشرين لـ”الرابع عشر من آذار”، يوم هب اللبنانيون هبة رجلٍ واحد للانتفاضة بوجه الاحتلال السوري، موجهين اتهاماتٍ مباشرة له ولأدواته، لاسيما الذين حضروا في ساحة رياض الصلح، ليقولوا “شكرا سوريا الأسد”، لهذا كان “الرابع عشر من آذار” يوم تحدٍ مجيد بوجه آلة القمع والقتل والترهيب، التي كانت تُمارس على مدى عقود من عهد الوصاية السورية، والتي فعلت في ساحات لبنان ما لم تستطع أن تفعله آلة الاحتلال الصهيوني واجتياحاته المتكررة في أكثر من مرة، إلى أن وصل إلى بيروت في العام 1982.

هنا يستحضرنا السؤال التالي: 

– هل انتفاضة “الرابع عشر من آذا” قد يتسنى لها أن تعود… ؟؟؟!!!
بصراحة مُطلقة، ومن دون اجتهاد وتبصُر أو تحليلٍ معمق، أو حتى سطحي، نعم هذه الانتفاضة العارمة قد تتكرر في أي لحظة، وستُشكل مفاجأة لجميع القيادات اللبنانية على اختلافات أهوائها وسياساتها وتبعيتها، لأن انتفاضة “السابع عشر من تشرين 2019” أثبتت أن شعبنا اللبناني يكتنزُ من إرهاصات الثورة ومفاعيلها الكثير الكثير، وليس بحاجة لقيادات واعيةٍ كانت أم غبية، حتى وإن كانت قيادات تابعة أو عميلة لهذه الدولة أو تلك. فشعبنا على امتداد ساحات الوطن يكتنز الكثير من مقومات الثور، ولحظة الانفجار، كما في كل مرة، تفاجئ الجميع وتأتي من دون أدنى مقدمات، ومن دون تحضير أو أعمال لوجستية وأدوات نجاحٍ لها.

ففي مرتين خلال عقدين من الزمن في آذار- مارس من العام 2005، وفي تشرين الأول – أكتوبر من العام 2019 أثبت اللبنانيون على أنهم يمتلكون كل مقومات الثورة، وهم شعب ثائر أصيل ويسابق الزعامات والقيادات والأحزاب، التي تتفاجأ ثم تحاول الالتحاق بالجماهير المنتفضة الثائرة.

نعم اللبنانيين قادرون على حمل لواء الثورة والانتفاضة.
بناءاً على ما تقدم، قد تأتي نتائج الانتخابات في الخامس عشر من أيار- ماي بنتائج عكسية لكل التوقعات، وسينتشي بعض عُتاة المنظومة بأنهم قادرين على الاستمرار بنهجهم التدميري المستمرين به على مدى ثلاثون عاماً، وبأن الانتخابات ستكون مرحلة تعويم واستعادة شرعية لهم، لكن قد يُفاجئهم الشعب  بما لا يتوقعون وتأتي انتفاضة جديدة، وهذه المرة ستُطيح بكل رموزهم ولن تُبقي لهم أثراً. 

قد يعتبر البعض هذا مُجرد حدس أو توقع، ولكن من يُراقب حركة التاريخ للشعب اللبناني، عليه أن يتوقع من حيث لا يحتسب بأن شعبنا قادر على ممارسة فعل القيامة من بين الرماد وهذا ليس بجديد، وحين تتوفر ظروف الانتفاضة أو القيامة، لا تُعطي أي سبباً أو إشارة على ذلك. وهنا يأتي الدور الحقيقي والضروري لأن تُفرز قيادات الحراك الثوري الحقيقيين من بين صفوفها، من يُتابع مُجريات الأحداث اللبنانية، لنستخرج منها شعارات مرحلية نعمل عليها لتكون جاهزة لتواكب مرحلة الانتفاضة الجديدة، لتُصبح ثورة حقيقية تكون أداة تغيير حقيقي على مستوى الوطن، وهنا المطلوب أن نكون بارعين في استنباط شعارات مرحلية، تُحاكي تطلعات شعبنا في الحرية والسيادة والاستقلال الحقيقي والناجز، مع ما يتطلبه الأمر من رؤى وبرامج ومشاريع سياسية واقتصادية واجتماعية، قابلة للتطبيق بعيداً عن النظريات الأكاديمية التي تبقى بعيدةً كُل البُعد عن مجاراتها للحقيقة، أي بعبارة أكثر دقة، علينا ملاءمة مابين النظرية والممارسة التي تُلهم اللبنانيين وتُحاكي تطلعاتهم في بناء مواطنة ودولة مدنية عصرية، تحترم ذكاء الشعب اللبناني وتُعطيه الأسباب الحقيقية ليكون مِقداماً على إنجاز الثورة التي تُغير الواقع وتساهم ببناء وطن يعيشُ أبناؤه بسلامٍ وأمان كباقي شعوب الأرض، بعيداً عن سياسات الذل والهوان التي أفقرت اللبنانيين وأوصلتهم إلى مرحلة اليأس.

نعم، الشعب اللبناني على الرغم من كل الخيبات التي عاشها لايزال قادراً على القيام بثورة جديدة، ليستعيد زمام المبادرة في بناء الوطن، لهذا نحن نعيش اليوم بمناسبة “الرابع عشر من آذار” على ذكرى تاريخٍ مجيد وحاضر فيه من الخيبات والبؤس، والذي بأي لحظة قد يتغير ويتبدل ليكون قادراً على صناعة مستقبل وطن.

شهر آذار هو الشهر الذي يحمل بين جنباته ذكرى دم ودمار ونار، فيه الرابع عشر من آذار انتفاضة شعب على ممارسات احتلال وقهر ووصاية، وفيه السادس عشر من آذار ذكرى استشهاد أحد قامات لبنان، الشهيد كمال جنبلاط، الذي رفض الخضوع لرأس النظام السوري وقال في وجهه “لا لاحتلال لبنان، لا لمصادرة قرار لبنان المسقل”، فكانت شهادته، والتي أزهرت رياحين انتصار في ربيعٍ عربي عم ساحات الوطن العربي في مشرقه ومغربه.

تحية لشهداء الرابع عشر من آذار، وتحية لشهيد السادس عشر من آذار، وألف ألف تحية لكل شهداء لبنان الذين رووا تراب الوطن.

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

حسين عطايا

ناشط سياسي لبناني