اتحاد كتاب المغرب انتهى ومات
عبد القادر الشاوي
يمكن الاعتراف، بدون حرج، أن ما يسميه بعض الكتاب والمشتغلين بالثقافة بـ(اتحاد كتاب المغرب) لم يعد له وجود محقق في حياتهم الثقافية كما في واقع الثقافة بالبلاد، كما أنهم لا يشعرون بأي انتساب إليه أو إلى فرع من فروعه هنا أو هناك.
يضاف إلى هذا أن وجوده الإعلامي قد خبا بصورة ملحوظة منذ سنوات، وأن ما ينشر عنه أو حوله هنا أو هناك، ليس أكثر من (غسيل منشور) يعري سوءات البعض ممن تشبثوا به وتعلقوا بوجوده الشكلي لأغراض خاصة.
ولا يعود هذا الأمر فقط إلى مجمل التحولات أو الانقلابات التي عرفها ذاك الاتحاد، كإطار تاريخي ( 1963) وحيد للعمل الثقافي على الصعيد الوطني منذ سنوات خلت، بل وأيضا، وربما في تساوق معه، إلى مجمل التطورات العامة في البلاد وما كان فيها من تحولات مثيرة، وخصوصا بعد المصادقة (النهائية) تقريبا على دستور 1996 الذي هيأ المعارضة التقليدية لأول مرة منذ استقلال 1956 لمزيد من الاندماج في البنية السياسية والاقتصادية المرعية في دائرة ما سمي بـ(المسلسل الديموقراطي)، وهو ما قضى بصورة مطلقة تقريبا على مختلف المظاهر السياسية والمبررات الإيديولوجية كذلك، التي كانت (تُعَكِّر) المشهد العام وتحدث فيه ارتباكات ظرفية.
وقد تُوِّج هذا بقيام عهد التناوب التوافقي وصِيغ على ضوء متطلبات انتقال المُلك والبيعة الشاملة وتأسيس عهد جديد على ضوء استراتيجية هادئة تسعى، بطرق شتى، وشعارات متنوعة جديدة وتحفيزية أكثر فأكثر إلى استيعاب مختلف التناقضات بجميع الوسائل الممكنة (الاستمالة، الريع، التطويع، القمع، وقس على ذلك).
ومن الواضح بناء على هذا وغيره أن (الاتحاد) لم يعد يستحق تسميته الخاصة المنسوجة في طور المعارضة والمبنية على ضوء الأفق السياسي للمعارضة (الوطنية التقدمية)، لأنه لم يعد ما كان جديرا بضمه يوم أن كان إطارا وحيدا للعمل الثقافي المسؤول، إلى جانب الإطارات الوطنية الأخرى (في مجالها الخاص) التي قادت، عبر معارك مشهودة، حركة الاحتجاج الاجتماعي وغيره في مختلف مراحل الصراع ضد الاستبداد والتخلف وسواهما.
دليلي على ذلك:
– ظهور إطارات ثقافية مدنية أخرى أصبحت تقوم تقريبا بمثل ما كان يقوم به الاتحاد، مثلما تعبر أيضا عن مجمل ما كان يطمح التعبير عنه خروج أو هروب كثير من أعضائه إلى مجالات أخرى أجدى وأنفع، أو تخليهم نهائيا عن العمل فيه أو في فرع من فروعه تكوين بؤر (اتحاداتية) منافسة عبّرت، أكثر من أي شيء، آخر عن الانقسام العمودي الحاد في هياكله وبنياته (أو ما كان موجودا من تلك الهياكل والبنيات)
– تحول الصراعات الثقافية والإيديولوجية التي كانت دائما مصدر قوة الاتحاد المتناقضة وعنصر لحم والتحام في بنيته وعلاقة المثقفين والكتاب به إلى ما يشبه (الجنون) الذي زين لبعض أعضائه (رُبَّما: أعدائه، وهو أفضل تعبير) شهوات وأطماعا (ثقافية) أسقطتهم في الانتفاعية والاسترزاق والتملق والوقوف بِذِلَّةٍ وخنوع على عتبات مختلف السلط المانحة.
ومن حاصل هذا أن أقول إن بعض المحاولات لإعادة إحياء الاتحاد على ضوء قيم ديمقراطية يقصد بها تصحيح وضعية الاختلال والإفساد، وهي جهود محمودة ولكنها وهمية للأسف، لن يكتب لها أن تتحقق إلا لظرف عابر لن يطول في الزمن.
وأضيف إلى هذا، وهو عامل جوهري يمكن أن يبطل كل محاولة مهما كانت جدية، أن مفهوم (الاتحاد) (ليس في مقابل الفرقة أو اللاتحاد) لم يعد يحمل في معناه، بحكم التحول والتطور وقد أشرت إلى بعضها، قيمته الحقيقية المبنية على مفهوم آخر هو المعارضة (السياسية) التقليدية. التحول الزمني واختلاف القيم أو تحولها، هذا فضلا عن طبيعة الأوضاع الثقافية القائمة الموسومة بالظرفية والتقهقر فضلا عن غياب سياسة ثقافية محكمة إلى جانب عزلة الكتاب والمثقفين وظهور عناصر تكنلوجية جديدة وقع الاستعاضة بها عن بعض أشكال العمل الثقافي العمومي التقليدية الهادف… إلخ..
هذه كلها أمور أفرغت طبيعة الاتحاد من مفهومه أو مضمونه، والأهم من ذلك أنها لم تعد تساعد على ملئه بأي مفهوم آخر قد يرتبط بالتجاوز أو يعوضه.
الصورة المرفقة : آخر اجتماع لاتحاد كتاب المغرب باسم “المؤتمر 19” لم يكتمل…