صدور الأعمال الكاملة للمغربي العربي بنتركة.. كتابات مثقلة بهموم المجتمع وقسوته

صدور الأعمال الكاملة للمغربي العربي بنتركة.. كتابات مثقلة بهموم المجتمع وقسوته

عبد الرحيم التوراني

تنطوي مبادرة جمع وإعادة طبع الأعمال الكاملة للأدباء والكتاب والشعراء على أهمية قصوى بالغة، تتجاوز مضمونها لتسهم بدور مطلوب في التوثيق والتأريخ للثقافة المغربية. خصوصا عند نفاد طبعاتها وصعوبة الحصول على نسخ منها لعدم توافرها.  

مبادرة من شأنها أن تمثل بجلاء تجسيرا للهوة بين حلقات الحركة الأدبية من خلال تنوع نماذجها واللحظة الحالية. بالإضافة إلى إعادة الاعتبار للكاتب المعني وإتاحة إنتاجاته من جديد أمام النقاد والباحثين والمهتمين. الأمر الذي يدعم الحقل الثقافي المغربي وينهض بآفاقه. 

 *** 

من هنا تأتي أهمية اصدار الاعمال الكاملة للكاتب والاعلامي العربي بنتركة، الذي يعرفه الجمهور الثقافي في بلادنا كواحد من رواد ومؤسسي العمل الثقافي في المغرب، لا سيما في مجال الإعلام السمعي – البصري. إذ اشتغل العربي بنتركة معدا ومقدما لأولى البرامج في الإذاعة والتلفزيون بالمغرب، والتي  شكلت نافذة للإطلالة على عوالم الثقافة والإبداع والفنون في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي أساسا. إذ يكفي القول، إن برنامج “مجلة الثقافة والفن” كان موعدا أسبوعيا منتظرا في القناة التلفزيونية الوحيدة وقتذاك بالمغرب. فمن خلال فقرات برامج العربي بنتركة تمكن الجمهور من متابعة العديد من الوجوه والأسماء والفعاليات الأدبية والفنية المغربية والعربية والأجنبية، التي كانت تملأ المشهد والساحة في هذا المجال.  

منذ التحاقه بمؤسسة الإذاعة والتلفزة المغربية في مستهل عقد الستينيات من القرن الماضي، استطاع العربي بنتركة أن يصمد ببرنامجه، ويفرض اسمه كواحد من أشهر معدي برامج التلفزيون المغربي. وتميز كمنتج إذاعي مرموق لعدد من الأعمال والبرامج التلفزية والإذاعية، التي تربو عن ثلاثين برنامجا توزعت ما بين الإذاعي والتلفزي، في مجالات الثقافة والفن والآداب والمجتمع والترفيه، بالرغم من الحيز الزمني الضيق المتاح لبثها واعتبارا لضآلة الإمكانيات المادية والتقنية التي كانت متاحة زمنئذ ومحدوديتها. 

*** 

من الأعمال الروائية التي صدرت للروائي العربي بنتركة، نذكر روايات: “أنشودة القمر”، “فوهة بركان”، “أيام غانجو”، و”سبع شوانط”. ويتضمن الإصدار الذي بين يدينا، رواية تنشر لأول مرة ضمن الأعمال الأولى الكاملة تحمل عنوان: “الصراصير”. 

 الأعمال الروائية للكاتب العربي بنتركة تبدو للوهلة الأولى أنها روايات تجريبية تنهل من أسلوب متعدد المستويات، يتداخل فيه السرد الكلاسيكي بالسوريالي، وتتداخل فيه الأزمنة ليتشابك الواقع بالمتخيل. لكن مع التقدم في قراءة الروائي العربي بنتركة ، قد يبدأ القارئ في تسمية شخوص العمل الروائي بأسمائها الحقيقية في الواقع، ويدرك أنه أمام كتابة لاذعة تحمل بين سطورها قدرا عاليا من السخرية. كتابة تكشف مآسي الواقع والمعيش. لكنها سخرية سوداء تغوص في عمق عوالم المجتمع وتمزقات شخوصه، من خلال رصد الكاتب للتحولات والظواهر والممارسات المتأزمة. 

 رواية العربي بنتركة تصل مثقلة بهموم الواقع وبقسوته، كاسرة ومُفتِّتَة للنمطية، تجول بالقارئ عبر دروب ملتوية مليئة بالشخوص والأحداث التي تعكس نظرة الكاتب للحياة وأشيائها، وتطلعنا على كيفية بلورته لرؤيته للذات وللواقع من حوله. كل ذلك بلغة تجمع ما بين البساطة والعمق في آنٍ واحد. 

ما يُيَسِّر أمام القارئ الانغمار في عوالم خاصة بأساليب متعددة تتجاوز حدة الحاضر وسطوة الماضي وغموض الآتي.  

 ولأن الكاتب العربي بنتركة ينهل من تجربة إنسانية ومرجعية زاخرة، فإنه يحرص من خلال إنتاجه القصصي والروائي على طرح الأسئلة أكثر مما يحاول تقديم أجوبة جاهزة.

  ***

 لم تحظ روايات وقصص العربي بنتركة بالاهتمام المطلوب من النقاد، فرغم انتمائه إلى مجالات التواصل والإعلام، فهو ليس برجل العلاقات العامة المتحذلق، الذي يسعى بابتذال إلى تسويق ذاته وإنتاجه. انه رجل يتجنب المحاباة والمجاملات الفارغة، ينأى دائما عن نسج العلاقات الشخصية المقعرة، ويربأ بنفسه أن تكون أعماله وإنتاجاته الأدبية محط إطراء خارج النص وخارج محتواها كي تنجح في لفت أنظار القارئ أو الناقد. ولعل المشاهدين يتذكرون أن العربي بنتركة ظل حريصا على عدم إظهار ملامح وجهه في برامجه على شاشة التلفزيون، وكان يؤكد على المخرج توجيه الكاميرا باستمرار إلى ضيوف برنامجه، بينما لا نشاهد سوى جانبا من ظلال وجهه، رغم وسامته. 

 ولأن العربي بنتركة يكتب للحاضر والمستقبل، فهو ليس مستعجلا لتلقي إطراء عابر أو كلمات مديح غير مستحق. وها هي أعماله الكاملة تطرح لمن يبحث عنها. 

*** 

عرف العربي بنتركة ككاتب سيناريو لأعمال درامية شاهدها الجمهور على الشاشة المغربية وحققت نجاحا. 

لكن العربي بنتركة عرف أيضا في مجال الشعر والزجل، بإقدامه على كتابة القصيدة الغنائية بالعامية والفصحى، التي حظي بعضها بالتلحين والغناء من قبل أسماء فنية بارزة في مجال الموسيقى والطرب ببلادنا. 

 إضافة إلى كل ذلك، سجل العربي بنتركة اسمه باستحقاق ككاتب روائي ومؤلف مسرحي، وكصاحب مقالات تخصصت في مجال الأبحاث الإعلامية. إذ واكب تحولات وإشكاليات الإعلام في المغرب المستقل. كما لم يتأخر في نقد ما يستوجب النقد والسجال، ولو اضطرته الظروف العملية أحيانا إلى النشر بأسماء مستعار. إذ له إسهامات  صحفية عبر مقالات جادة، ظلت دائما موضع ترحيب منابر مغربية وعربية متعددة، نذكر منها هنا على سبيل المثال:  صحف: “التحرير”، و”البيان”، و”المحرر”، و”الاتحاد الاشتراكي”. ومجلات: “أنفاس”، و”الفكر” التونسية، و”الفنون” العراقية، و”العربي” الكويتية”. 

(منشورات مؤسسة “ريشة” للإنتاج الأدبي والفني)

الكاتب العربي بنتركة مع صديقه عبد الرحيم التوراني
الكاتب العربي بنتركة مع صديقه عبد الرحيم التوراني
شارك الموضوع

عبد الرحيم التوراني

صحفي وكاتب مغربي رئيس تحرير موقع السؤال الآن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *