جبل النفايات الفينيقي!؟

جبل النفايات الفينيقي!؟

محمود القيسي

 

“عندما لا يبقى شيء

من الماضي القديم،

بعد موت الكائنات..

تظلّ الرائحة والنكهة،

وهما الأكثر هشاشة..

لكن الأكثر وفاء،

تظلّان لفترة طويلة،

كأرواح..

فوق حُطام كلّ ما يبقى،

وتحملان من دون تَراجُع،

فوق قطراتها الصغيرة

المتعذّر تحسّسها تماماً،

صَرْحَ الذاكرة الهائل”

   أنا من مدينة ماء الورد والورود، من مدينة ماء الزهر والزهور، من مدينة الحنة والياسمين، مدينة دود القز والفراشات والحرير وشباك الصيادين.. من مدينة قدموس ابن أگنور ملك صيدا وصور الفينيقي وشقيق فينيق وقيلكس وأوروپا، التي خطفها الإله زيوس كبير مجمع الآلهة اليونانية، عندما ظهر لها بشكل أسد له جناحان وطار بها إلى مملكته، ومن ثم تزوجها وأطلق اسمها على الأرض التي تقع غرب اليونان تكريما لها. ومن هنا جاء اسم تلك القارة المعروفة اليوم بأوربا..

أنا من مدينة صيدا، أو صيدون الفينيقية.. صيدون الكنعانية.. صيدا أو صيدون الاسم العريق للمدينة العريقة ذات التاريخ الطويل التي لعبت في الفترة الفينيقية – الكنعانية وفترات تاريخية مفصلية أخرى دورا قياديا هاما في المنطقة دام لقرون عديدة.. تؤكد الكثير من المراجع والنصوص التاريخية أن بناء المدينة على جزيرة في وسط البحر كان الهدف منه الحماية من الغزاة والمحتلين، وهذا ما راهن عليه ملك صيدون عبد ملكوت عندما هاجم الملك الآشوري أسرحدون مدينته صيدون عام 677 قبل الميلاد. لن أفتح ملف النفايات كله في جمهورية النفايات اللبنانية والكهرباء المقطوعة والمياه الملوثة والطحين المغشوش والخبز المفقود بأستثناء (معجنات الخمسة نجوم.. معجنات ماري انطوانيت الفينيقية) المتوفرة بوفرة للأغنياء فقط جماعة مدام لويس الرابع عشر الفينيقي وأخواتها.. نعم، لن أفتح ملف جبال النفايات اللبنانية كلها والدواء والأدوية المفقودة والأسعار الطائرة والمواد المستوردة للأغنياء وعائلاتهم المخملية وأقاربهم السوبر كلاس وأصدقائهم الهاي لايف وعشيقاتهم الماركات المُسجّلة..!

   سبحان ما فعل بنا العصر الفينيقي الحديث وعهده الجهنمي وصهره الإسخريوطي الثاني يوضاس الثاني والعشرون والنسخة الحديثة.. نوضع في العصارة كي يخرج منا عصير الدم “الأرجواني” الداكن الغير معجل والغير مُكرّر والمغشوش نظرًا لزحمة الطوابير وعطفًا على الجمهورية المنقوعة والجمهور المنقوع في مستنقع الطوابير الفينيقية الجديدة والحديثة من التجديد والتحديث نحو أسوأ الأسوأ في العهد الأسوأ في تاريخ فينيقيا القرن الواحد والعشرين.. حيث آني ولدت في مدينة صيدا اللبنانية في العام 1959 ميلادية، لن أفتح تاريخ ملف النفايات والقمامة والزبالة الفينيقية ومشتقاتها المعاصرة التي تعد ولا تحصى في لبنان الكبير كله من الميكروبات والبكتيريا – بكتيريا الاي كولاي على وجه الخصوص والجراثيم والأمراض وبقايا الثياب والطعام والأدوية المنتهية الصلاحية منذ سنين والتي اصبح يتسابق عليها الفقراء أو بالأحرى المواطنين حيث لم يبقى في لبنان مواطنون بل فقراء الطوابير الذينا يعيشون في الطوابير على المساعدات المسروقة من أموالهم وودائعهم ومدخراتهم وتقاعدهم.. “في مديح الهجاء”.. ذات يوم سمعت إمرأةً مسنة في مكتب المساعدات الاجتماعية تصرخ: “ماذا تريدون مني؟ دمي؟”.. ظلت تصب لعناتها على الناس طيلة خمس دقائق أخرى، ليس لأنها كانت تتوقع الحصول على ما يمكن أن يزيل عنها الحيف الذي لحق بها.. وإنما لتشعر فقط للحظة قصيرة واحدة بأنها معافاةٌ ونقية.

   كان المفكرون قديماً يرون كما يقول ابن خلدون إن إكتشاف العقل للحقيقة ليس أمراً غريباً أنما الغريب هو عجزه عن أكتشافها. في حين تراوح ودائع الناس المسروقة والمنهوبة في لبنان مكانها وتذوب على الرايح والجاي والطالع والنازل  واليمين واليسار والوسط عن سابق إصرار السلطة الفاسدة وترصد حكامها بين الدولة والبنك المركزي والمصارف والسماسرة والتجار الفينيقيين ذهابًا وإيابًا في تجاراتهم التاريخية وحروفهم التجارية المشبوهة، التي أطلقوا عليها اسم أو صفة أو وصفة الحروف الأبجدية!؟… حيث إني من مدينة القلاع التي أحرقت نفسها أكثر من مرة في وجه الغزاة الهكسوس والمغول والتتار القدماء والجدد ولم تتنازل قيد انملة عن حجر واحد – واحد فقط من بحر الاسكندر المقدوني المهزوم بين صيدا وصور.. حيث إني من مدينة الأبواب الفوقا والتحتا التاريخية، الأبواب المُشرّعة والمشروعة أمام القريب والبعيد والغريب والمحتاج.. والتي لسان حالها يقول: “يا غريب الدار  إنها أقدار كل ما في الكون مقدار وأيام له إلا الهوى ما يومه يوم…. ولا مقداره مقدار.. لا تسل عني لماذا جنتي في النار.. جنتي في النار فالهوى أسرار والذي يُغضي على جمر الغضى أسرار.. يا الذي تُخفي الهوى. بالصّبر.. يا بالله يا بالله… كيف النار تخفي النار؟…. نعم، مدينة الأبواب الموصدة والعصية على كل محتل غاشم جاء من الشرق أو جاء من الغرب أو الشمال أو الجنوب.. مدينة الأنبياء والقديسين والأولياء والصالحين والصابرين والمجاهدين في الحق ضد الباطل.

   المدينة الوطنية باِمتياز وأوسمة ونياشين ودروع وطنية تليق بصدرها الرحب والقلب الشجاع.. نعم، المدينة التي قاومت كل أنواع الظلم والفساد والاضطهاد والحروب من التدمير إلى التجويع إلى الأمراض… نعم، والف نعم  يجب علينا ان نفتح ونعالج ملف النفايات المنتشرة في المدينة التي سجد التاريخ على أبوابها وركع.. وهنا لا بد من أن نتوقف عند تاريخ “جبل النفايات الفينيقي” القديم الجديد المستجد منذ إهمال المدينة التاريخية تاريخيًا في معاقبة تاريخية لمواقفها التاريخية الوطنية والعربية والعروبية والقومية والأممية في محطات وتواريخ تبدا مما قبل صمودها الأسطوري في وجه جحافل ارتحششتا  وصولًا إلى صمودها في وجه الصهيونية القديمة الجديدة وما بينهما وما قبلهما وما بعدهما.. مدينة “صيدون بن كنعان بن حام بن نوح”… نعم، أصبح من الضروري أن نعود إلى سلسلة وسردية المسؤولية الرسمية عن “نمو” هذا الجبل تاريخيًا كي لا يختلط الحابل بالنابل ونتهم بعضنا البعض بدل التكاتف في استقدام الحلول المطلوبة والادوات المطلوبة والوسائل المطلوبة والتمويل المطلوب في مدينة يليق ويفتخر بها التاريخ والجغرافيا والكيمياء والفيزياء والحسب والنسب.. نعم أيها السيدات والسادة وعي الضروري ضرورة الوعي.

   لم يكن في مدينة صيدا تاريخيًا طبقة سياسية فاعلة منذ عام ما يعرف بالاستقلال 1943 على مستوى الخدمات والبنى التحتية التي تحتاجها أية مدينة في العالم وصولاً إلى بداية التسعينات، مرورًا بحرب 1975 الأهلية أو ما أصبح يعرف بحرب “السنتين” التي أستمرت 15 عامًا تخللها أكثر من إجتياح إسرائيلي للجنوب اللبناني واحتلال العاصمة اللبنانية بيروت في عام 1982. نعم لم يكن في عاصمة الجنوب اللبناني (صيدون) التقديمات الصحية والمعالجات البيئية والاجتماعية والمجتمعية.. ناهيك عن الصناعات الخفيفة والمتوسطة والثقيلة والتقدم والتطور الضروري لنمو وتقدم تلك المدينة التاريخية لأسباب سياسية واجتماعية أو بالأحرى طائفية وأمنية.. والتي كان من أهمها على الإطلاق:

  • إهمال السلطات السياسية اللبنانية الرسمية مدينة القومية العربية والمد الشعبي الناصري وقضايا القومية العربية والعروبة وخصوصًا بعيد ثورة 1952 في مصر.. صيدا العروبة والبعد القومي العربي التي احتضنت قضية الشعب الفلسطيني وثورته ضد الكيان الاسرائيلي المحتل والغاصب للأراضي الفلسطينية والقدس الشريف عاصمة فلسطين المحتلة.
  • إهمال السلطات الرسمية صيدا البوصلة العروبية التقدمية التي تحولت إلى عاصمة المقاومة الفلسطينية والقوى الوطنية اللبنانية واليسار اللبناني ضد السلطة الرجعية وارتباطاتها المشبوهة تاريخيًا وفكرها الطائفي اليميني الرجعي المتطرف… صيدا إحدى الخطوط والجبهات الأمامية في وجه الاحتلال الصهيوني الغاشم للاراضي الفلسطينية والأراضي العربية المحتلة من شراع السفينة “سيناء” وصولًا إلى هضبة “الجولان” الإستراتيجية العربية المحتلة وما بينهما.
  • إهمال السلطات الرسمية مدينة صيدا الحاضنة للقضايا الوطنية والقومية العربية والعروبية والأمنية ونقطة الارتكاز والانطلاق في الصراعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والعسكريتارية.. والتي أتخذت إشكالًا وألوانًا وإحجامًا عديدة ومتعددة… من ما قبل “ثورة” 1958، مرورًا بالصراعات المطلبية مع الدولة، والصدامات الفلسطينية مع السلطة اللبنانية في أكثر من محطة في المدينة التي حرقت نفسها أكثر من مرة تاريخيًا.. وحرقها الأخرون عدة مرات في تاريخنا المعاصر… دون الدخول في حرب الأوجاع الاهلية، وصولًا إلى الإحتلال الإسرائيلي الدموي والتدميري الغاشم للمدينة الفينيقية – الكنعانية.. المدينة التوراتية الإنجيلية الإسلامية العروبية لعدة سنوات متعاقبة من القهر والتنكيل والاعتقالات والمعتقلات.. والدمار الشامل الذي خلفه النازيون الجدد والفاشية المعاصرة للكيان الصهيوني المحتل.
  • ولا يجب أن يغيب عن بال التاريخ والتأريخ وكتبت التاريخ والجغرافيا السياسية تحكّم بعض العائلات الروحية والقوى والمراكز والمرجعيات السياسية والسلطات والأحزاب الطائفية والمال السياسي الذي لم يتوقف يومًا في ثقافة التركيبة السياسية المالية ومراكزها وامتيازاتها واستيلاءها على جميع المراكز السياسية والبلدية والحيوية والخدماتية والبرية والمائية واللوجستية والدينية.. وإهمال الجوانب التنظيمية والإنمائية والبيئية والصحية على كل الصعد والمستويات في ماضي المدينة وحاضرها ومستقبلها…!؟
  • نعم، أهملت السلطات اللبنانية عن سابق إصرار وترصد مشاكل وأزمات مدينة صيدا المزمنة منذ الاستقلال من شبكات مياه الصرف الصحي الآثنة التي ما زال معظمها يصب على شواطئ المدينة بعد مرورها بين البيوت والبساتين مما يسبب الأمراض المزمنة والأوبئة والتلوث البيئي الخطير والمزمن.. والذي يؤدي إلى إصابات عديدة بالأمراض البكتيرية والجرثومية والقولونية الخطيرة الناتجة عن البراز البشرية والحيوانية.. وتلوث الأنهار الناتج عن دمج المجاري الصحية بشبكة تصريف مياه الأمطار.. والشواطئ الممنوعة على أصحابها والمقفلة عمليًا بحجة الظروف البيئية والصحية.. المقفلة أمام روادها وقاصديها بسبب المخالفات العديدة والمنشآت المقامة عليها. هذا ناهيك عن مشاكل الصيادين المزمنة من تعرّض شباك الصيد إلى التمزق والتلف بسبب تلك النفايات المنتشرة في قاع حوض الميناء القديم هذا دون ذكر غياب أو تغيب الضمان الصحي والاجتماعي للصيادين الفقراء وأفراد عائلاتهم وارتفاع قيمة الغرامات البحرية.
  • كما تهربت السلطات الرسمية اللبنانية تاريخيًا من العمل على إقامة (مكب نفايات رئيسي) مجهز وعصري في تلك القترة يحمي المدينة من التلوث البيئي والأمراض الصحية المزمنة والمعدية والقاتلة.. المكب، أو الجبل.. جبل النفايات الذي مرّ بمراحل تاريخية عديدة أو مراحل سياسية عديدة ومتعددة منذ الاستقلال الوطني اللبناني وصولًا إلى بداية التسعينات.. مراحل عديدة من الـ mini مكبات العشوائية للنفايات والمخلفات من كل الأنواع والروائح.. والتي توزعت في عدة مناطق دون تنظيم أو إهتمام في مدينة نوح وأبنائه أول الرسل وصاحب سفينة الطوفان الوجودية… نعم، في مدينة صيدا التي توزعت المكبات الصغيرة العشوائية والغير صحية في عدة مناطق وكأن هناك من يحاول “تسميم” أو “اغتيال” المدينة ودفنها حية دون أدلة او شواهد أو شهود.. الـ mini مكبات العديدة التي توزعت بين منطقة “اباروح” من ناحية والمسلخ القديم من ناحية ثانية ومنطقة الدبّاغات من ناحية ثالثة.. ناهيك عن مناطق ومكبات أخرى عديدة وصغيرة داخل المدينة منها مكب منطقة الميناء أو “بحر العيد” كما كانت تسمى.
  • مكبات النفايات العديدة والمتعددة التي كانت تُجمع منها “الزبالة” بعربات صغيرة بدائية ليس فيه شيء من مواصفات السلامة الصحية والبيئية من أحياء المدينة كي تُجمع وتنفل على عدة مراحل في (الشاحنة الصفراء الصغيرة) إلى منطقة جبل النفايات التاريخي بمحاذاة الشاطئ الفينيقي في المدينة الأشهر في عصر فينيقيا الذهبي.. حيث يُحرق ما تيسر من تلك النفايات في حين تُترك أكوام عديدة متراكمة على الشاطئ وبعض المناطق والأحياء بشكل عشوائي مما يفتح المجال والإهمال في نمو وولادة مكبات جديدة أخرى في عاصمة الفينيقيين الجدد بشكل تراكمي ونوعي في تراكماته الكمية والنوعية في أمراضها النوعية والكمية…! وعندما كانت تتعطل شاحنة النقل الصفراء الصغيرة -الوحيدة لأسباب ميكانيكية أو نقص في الديزل أو تغييب السائق الوحيد لظروف صحية مرضية أو قضاء حاجة.. حينئذٍ، يتم جمع النفايات ونقلها بدائيًا ويدويًا من أحياء المدينة في تلك الفترات من تاريخ المدينة إلى منطقة ميناء وواجهة المدينة البحرية والتي تسمى بحر العيد كما جئنا على ذكرها مسبقًا.. حيث تحرق تلك النفايات والمخلفات عشوائيًا أو تلقى بكل بساطة في حوض الميناء طعامًا للأسماك المريضة أساسًا.. وموتًا بطيئًا للصيادين والفقراء من ابناء المدينة الفقيرة!؟!

   وهنا لا بد من ذكر (المراحل التاريخية) و(العائلات) و(الرجالات) الذين تناوبوا أو “تربعوا” إذا جاز التعبير على مقاعد المدينة النيابية والبلدية ومراكز القوى فيها منذ الاستقلال اللبناني عن الكولونيالية الفرنسية التي زرعت ما يكفي من الالغام والقطب السياسية الملغومة والمخفية على طريق الجمهورية اللبنانية الأولى بحجة الأرحام السياسية وحبال السرة السرية التي تنسب لبنان أو المارونية السياسية الحاكمة خصوصًا إلى امها الحنون وعائلتهم الفرنكوفونية تحديدًا. وصولًا إلى العام 1992 عام القفزة النوعية إلى مرحلة الرئيس رفيق الحريري أو الحريرية السياسية.. “عام حكومة رفيق الحريري الأولى”، الحكومة اللبنانية الواحدة والستون بعد الاستقلال والرابعة بعهد الرئيس إلياس الهراوي، وهي أول حكومة يترأسها رفيق الحريري. والتي شُكّلت بموجب المرسوم رقم 2900 بتاريخ 31 تشرين الأول / أكتوبر 1992 وتكونت من 30 وزيراً، ونالت الثقة ب104 أصوات ضد 12 صوتاً وامتناع 3 عن التصويت. واستمرت الحكومة بأداء أعمالها حتى استقالتها بتاريخ 25 أيار / مايو 1995. وللحديث بقية عن ظروف وعمل حكومة دولة الشهيد رفيق الحريري الأولى في مناسبة أخرى أو في مقالة أخرى في أقل تقدير:

  • السيد صلاح البزري رئيس بلدية صيدا من العام 1937 إلى العام 1951 م.
  • الدكتور نزيه البزري رئيس بلدية صيدا من العام 1952 إلى العام 1959 م.
  • الشهيد معروف سعد رئيس بلدية صيدا من العام 1962 إلى العام 1972 م.

   هذا وقد حلت الدولة اللبنانية المجلس البلدي في مدينة صيدا في ستينيات القرن المنصرم ولمدة تزيد عن عشرة سنوات.. في حين أوكلت مهامه إلى أربع محافظين تولوا رئاسة المجالس البلدية على التوالي والنحو التالي: السادة غالب الترك، هنري لحود، هشام الشعار وحليم فياض!؟.. وكأن المدينة التاريخية تحتاج إلى رعاية عليا أو سلطة فوقية عليا لرعاية وتنظيم مصالحها وخدماتها “التحتية” والبلدية العامة والخاصة.. وكأنها أيضًا تحتاج إلى سلطة الاخ الأكبر ويد عليا تمسك بيدها على شاطئها الرملي الطويل الذي تتقاسمه المكبّات والنفايات والعشوائيات واليافطات السياسية والصور المرفوعة على الابنية القديمة المتداعية وعربات الخضار ومجاري الصرف الصحي في ذلك الوقت وفي هذا الوقت… وجبل من النفايات الفينيقية والموت البطيء ينمو في النسيان على غفلة من المدينة وقلعتها البرية المطلة على بوابة المدينة الفوقا وقلعتها البحرية التي ما زالت صامدة في وجه الغزاة تاريخيًا ووجه الرياح العاتية والأمواج المتلاطمة والعواصف الرعدية الهوجاء.

   كما تمثلت مدينة صيدا منذ الاستقلال 1943 إلى العام 1992 بمقعد سني واحد في البرلمان تعاقب عليه أربعة نواب وفق الأتي:

  • المجلس النيابي الأول بعد الاستقلال والثاني والثالث (43 – 53) الرئيس رياض الصلح – وبعد اغتياله اُنتخب الأستاذ صلاح البزري.
  • المجلس النيابي اللبناني الرابع (53 – 57) الدكتور نزيه البزري.
  • المجلس النيابي الخامس، والسادس، والسابع والثامن (57 – 72) الشهيد معروف سعد.
  • المجلس النيابي التاسع (72 – 76) ومدد له حتى سبتمبر/أيلول 1992م الدكتور نزيه البزري.

   “الجمهورية الثانية”، مرحلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري (93 – 2005) الانقاذية، والعمرانية، والإنمائية، والتعليمية والخدماتية… مرحلة الخروج من الحروب الاهلية والمناطقية والعبثية والعدمية.. الخروج من حروب الآخرين على الأراضي اللبنانية وتصفية الحسابات الداخلية والخارجية… مرحلة السلم الأهلي وإعادة البلد على قدميه.. مرحلة أعادة إعمار ما هدمته الحروب من بشر وحجر.. إعادة إعمار عنقاء الرماد عاصمة العواصم بيروت ووسطها التاريخي.. مرحلة ان لا يبقى الاستقلال والسيادة المغلوبين الوحدين على امرهما في الوطن الرهينة المعذب المغلوب على آمره من الخارج و”الداخل” بكل أسف.. المرحلة التي دفع دولة الشهيد حياته ثمنًا لها في أبشع وأضخم اغتيال سياسي حاقد في تاريخ الاغتيالات السياسية الحاقدة قاطبة.. الاغتيال الذي استهدف لبنان كله.. واستهدف رفيق الحريري كله..! وللتاريخ بقية في المراحل السياسية التاريخية القادمة والتي بدأت فيها الأقنعة تتساقط على الأقنعة المتعددة والمتنوعة والملونة… المراحل السياسية القادمة التي بدأت فيها من الان تتساقط الأسماء والوجوه على الأسماء والوجوه.. ولم يبقى الاك في هذا المدى المنظور..!؟!

   حتى لا يتحول لبنان الـ 10452 كلم مربع إلى مجرد غرفة صغيرة ملحقة في هذا العالم.. غرفة مكتظة بالقمامة والنفايات مقطوعة عن الحياة والهواء والكهرباء والمياه والطحين والدواء.. غرفة محكومة بطبقة سياسية غير نظيفة تفيض بالروائح الكريهة الفاسدة.. غرفة لا تدخلها الشمس.. مجرد أسراب من الصراصير لنشكوا لها همومنا.. حتى لا نعيش ونموت في الماضي البعيد والامس القريب والخوف من الحاضر  والخوف من المستقبل.. حتى لا تتحول قصص حياتنا إلى ذكريات مرعبة ومضحكة، كالأقنعة التي يرتديها الأطفال في الهالويين متنقلين من باب إلى باب ماسكين الصغار من أيديهم في حَيٍّ تهدّم أو وطن تهدّم في حروب الهوية منذ زمن بعيد.. حتى لا نتحول إلى مواطنين يأكلون عشاءهم الأخير في صمت غاضب وصراخ صامت.. أو يتشاجرون بصوت مرتفع حين تأتي طرقة على الباب، طرقة ناعمة يطرقها ولدٌ خجول يرتدي البذلة التي خاطتها أمّه له في يومًا من الأيام كي يرتدها في أول أيام العيد. ما الذي ترتديه، يا ولد؟ ومن أين لك بذلك القناع؟! بسبب ذلك ضحك الجميع هنا فيما وقفتَ محدّقًا فينا، كما لو عرفتَ للتوّ بأننا كنّا من زمن مضى.. كما لو عرفت ان الولدٌ الخجول هو أنا من زمن مضى.. كما لو عرفت ان القناع على وجه الولدٌ الخجول هو وجهي أنا!

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

محمود القيسي

كاتب لبناني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *