شك وخوف بطل تشيخوف في قصة “موت موظف”

شك وخوف بطل تشيخوف في قصة “موت موظف”

حسين علي خضير

   يبدو أن أبطال تشيخوف مكتوب عليهم أن يعيشوا ويموتوا خوفاً. نحن نعلم جيداً أن خوف هذا الموظف من السلطة كان سبباً في موته، وكلنا يعلم النهاية المأساوية التي آلت بهذا الموظف الصغير حينما عطس على جنرال في المسرح، وكيف هذا الموظف مات من الخوف لأنه يتوقع العقاب في كل لحظة. ولكن هنا يتبادر إلى الذهن سؤال هل خوف بطل تشيخوف كان مبرراً؟ وهل تشرفياكوف هو من جنى على نفسة؟ وهنالك الكثير من الأسئلة…

   ولكن الشي الملفت في هذا القصة القصيرة أن تشيخوف استخدم العطسة في هذه القصة وكلنا يعلم “الجميع يعطس” كما قال تشيخوف، ولكن عبقرية تشيخوف أضفت على قصته صبغة فريدة  لا نجد لها مثيل في الأدب العالمي، لذلك هو صاغ من العطسة حكمة خالدة للبشرية التي إلى يومنا هذا نستلهم منها العبر.

   والسؤال الذي يراودني في أغلب الأحيان هل موت تشرفياكوف علمنا شيئا؟

نعم علمنا الكثير، لأن شك وسذاجة تشرفياكوف وخوفه الذي يعيش في أعماق روحه من السلطة آنذاك – هي كانت سببا رئيسيا في نهايته المأساوية، لقد كان ساذجاً لأنه على ما يبدو لم يتعلم كيف يتعامل مع الموقف المحرج، وفي ذات الوقت استسلم إلى الشك والخوف، وكانت النتيجة هي الموت.

  دعونا نرى إلحاح وشك هذا الموظف إلى أين أوصله؟

كان تشرفياكوف يشك بما قاله الجنرال، واعتقد أن سكوته هذا يدل على أمر خبيث سيحصل له من قبل الجنرال، لذلك  ألح  في مسالة الاعتذار، بالرغم من كون الجنرال بريزجالوف قال لتشرفياكوف: “أنا قد نسيت”.. أوه كفاك!. أنا قد نسيت وأنت مازلت تتحدث عن نفس الأمر!” (1)، لو تمعنا قليلاً في هذا الرد من قبل الجنرال، لنجد إجابة كافية ووافية تنهي معاناة هذا الموظف المسكين لو هو أخذ بها، ولكن تشرفياكوف أصر وألح في تقديم الاعتذار، لذلك هو من وضع نفسه في هذا المأزق الذي لا يحسد عليه. وفي نهاية القصة ومن جراء كثرة الإلحاح والشك الذي يراودهُ، اعتقد الجنرال أن تشرفياكوف يسخر منه، لذلك عبر الجنرال عن انفعاله قائلاً: “.. إنك تسخر يا سيدي الكريم!” (2)، والشيء العجيب في شخصية هذا البطل على الرغم من اعتقاد الجنرال أن هذا الموظف يسخر منه، فإن تشرفياكوف لم يتخل عن هذه الفكرة، وعلى الرغم من أن تشرفياكوف أقسم أنه لن يأتي إليه وهو يفكر مع نفسه، ولكن في اليوم الثاني ذهب إلى الجنرال لكي يعتذر ، “.. واضطر في اليوم التالي إلى الذهاب بنفسة لشرح الأمر ” (3)، هنا يطرح سؤال لماذا هذا الإلحاح من قبل الموظف؟ هل من جراء الخوف أم سذاجة وشك هذا الشخص هو الذي أوصله إلى هذ الأمر؟ على ما يبدو إن الخوف والسذاجة والشك هي من كانت وراء نهايته التراجيدية.

  في نهاية القصة يأتي تشرفياكوف ليقدم الاعتذار إلى الجنرال قائلاً: “..جئت بالأمس فأزعجتكم  يا صاحب السعادة، لا لكي أسخر منكم كما تفضلتم سعادتكم وقلتم. بل كنت أعتذر لأني عطست فبللتكم… ولكنه لم يدر بخاطري أبدا أن أسخر . وهل أجسر على السخرية.. فلو رحنا نسخر، فلن يكون هنالك احترام للشخصيات إذن…” (4)، وهذا دليل قاطع على سذاجة وخوف تشرفياكوف، دعونا نرى  كيف كانت ردة الفعل لدى الجنرال بعد هذا المقدمة من تشرفياكوف الذي عانى كثيراً حتى يوضح وجهة نظره من مسألة السخرية، حينما  ألح كثيراً في مسالة الاعتذار”.. فجأة زأر الجنرال وقد اربد وارتعد: – اخرج من هنا!! ” (5)، هنا على ما أعتقد بل من المؤكد أن الجنرال سئم من كثرة إلحاح الموظف، وبالتالي ردة الفعل التي قام بها الجنرال كانت طبيعية، لأن الجنرال أحس بكونه تعرض للسخرية.

المصدر:

(1) انطون تشيخوف: مؤلفات مختارة، ترجمة: د. ابو بكر يوسف، دار رادوغا. موسكو، ص38.

(2) نفس المصدر، ص40.

(3) نفس المصدر، 40.

(4) نفس المصدر، 40. 

(5) نقس المصدر، 40.

شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *