للمرأة في عيدها!
د.جمال القرى
هل كُتب على النساء العيش في ظلّ الاضطهاد العائلي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وهل يمكن الأمل بغدٍ أفضلٍ لهن، رغم كل التضحيات التي تُقدمنها في سبيل العائلة وتربية الأولاد والعمل خارج، المنزل للمساهمة في تحمّل مصاريف العائلة، وتحقيق الذات وخدمة الوطن، وهل يمكن فصل معاناتها عن معاناة المجتمع ككل، الرازح تحت سلطةٍ بطريركيةٍ تنهل من سلطة التقاليد الاجتماعية القائمة على أساس العائلة والقبيلة التي عفا عليها الزمن، ومن السلطة الدينية التي تحدّ من قدراتها وتشكّك بأهليتها، وتطلب منها الطاعة لوليّ أمرها، أو لزوجها باعتبارهما رأس العائلة، وهل يمكن مقاربة هذا وذاك بناءً على الكفاءات أو المستويات التعليمية لنساءٍ تفوّقن على رجالٍ في قطاعاتٍ علمية وميدانية وفكريةٍ وذهنيةٍ واسعة، وهل يمكن فصل هذا وذاك عن المستوى العام لكل مجتمعٍ بناءً على إنجازاته في الاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة، وهل المسألة سياسية أو اجتماعية أو ثقافية، وهل يغدو تحرّر المجتمع تحرّراً لنسائه، وما هي العوامل المطلوبة لكي تتحقّق المساواة القانونية والاحترام للنساء؟ فهل يكفي التعليم لذلك، أو العمل العام والخاص، وهل يكون التحرّر الاقتصادي شرطاً كافياً لتحرّر النساء أم هو شرط ضروري ولكنه غير كافٍ كما يتّضح من خلال الممارسة، وهل المشكلة هي مشكلة أنماط أنظمة حكم سياسية في الدول أو مشكلة طبقية أو بنيوية، وهل المشكلة لدينا في عدم وجود نقاباتٍ نسائية فاعلة متخصّصة تُعنى بشؤون حقوقهن، وهل يمكن فصل عدم الوجود هذا عن تشظّي المجتمع ككل،
وهل تكفي أن تكون هناك أصوات مطالبة بحقوق النساء على أساسٍ دينيٍ ومذهبيٍ لتحصلن على الحقوق، وهل حقوق المرأة المسيحية تختلف عن حقوق المرأة السنيّة والشيعية والدرزية والأرمنية وغيرها، وهل يمكن إيقاف التحيّز ضد طبقة النساء وكأنهن في مواجهةٍ مع طبقةٍ هي طبقة الرجال؟ ولكن لماذا ينحى رجال من دعاة تحرير المرأة إلى إبراز التفوّق والاستكبار والتكبّر على الندّية مع المرأة متى وُجدت في أي مجالٍ مشترك، وصولاً إلى التنمّر في محاولةٍ لتحويل إنجازاتها إلى موقعٍ تنافسيٍ أو ملحق، وكأنها غير ذات قيمة ومعنى، مستهترين بقدراتها بهدف تحطيم شخصيتها وطموحاتها…
فهل يتعلّق الأمر بحقيقة أن التحرّر المنطوق به ليس سوى قشرة سطحية سرعان ما تتشقق عند أول تجربة، كاشفة عن أن أفكار هذا التحرّر لم تتغلغل عميقاً لتشكّل لديه وعياً حقيقياً، وأن ما يطغى على تفكيره في لحظةٍ معينة هو اللاوعي البدائي الأول المتمثّل بتفوّقه الطبيعي وبدونية المرأة؟ وهل يمكن اعتبار المرأة حيّزاً مجتمعياً وإقتصادياً وثقافياً قائماً بذاته أو مُلحقاً بأولي الأمر؟ وهل يمكن أن تقوم ثورة نسائية لتحصيل الحقوق وفرض الذات من خارج ثورةٍ إجتماعية عامة وشاملة لكافة مكوّنات المجتمع، ومتى يمكن أن تتحوّل النظريات الفردية والوعود السلطوية والإنتخابية إلى سلوكيات يمكن البناء عليها، وهل يمكن تحقيق كل ذلك في ظلّ التشبّث بالنظام التقليدي القديم؟
لقد أدّى تحلّل البلاد وانهيارها إلى القضاء على غالبية الإنجازات التي قامت بها المرأة اللبنانية، وإلى تفريغها من أهميتها لصالح ذكوريةٍ فاقعة أكثر ما تتمثّل بتقييد الحريات الفردية والشخصية للمرأة عبر وقوف كل ممثّلي الطوائفيات السياسية ومن أمامهم كافة السلطات الدينية بوجه إقرار قانون مدني للأحوال الشخصية ورفع سن الزواج إلى 18 عاماً؛ وبوجه تعديل قانون العقوبات وإلغاء المادتين 508 و518 وتشديد معاقبة مغتصبي القاصرات وسفاح القربى؛ وبوجه سنّ قوانين تحميها من العنف الشامل والمضايقات الجنسية والاستغلال في أماكن العمل، أو تحميها من العنف الأسري والقتل المتعمّد إن ارتأى “ولي الأمر” ذلك، وهذا ما فاق بمعدلاته كل حدود، وبات يتفشّى بسببٍ من الإنهيار العام؛ كما بوجه إعطائها حقوقها المادية أسوة بالذكور وإدخالها في نظام الضمان الإجتماعي؛ وبوجه حقّ إعطائها جنسيتها لزوجها وأبنائها؛ وعدم سنّ قوانينٍ تحمي العاملات المنزليات من العنف والتعنيف وسلب الحقوق؛ والوقوف بوجه مشاركتها في الحياة السياسية والقيادة ما لم تكن أختاً أو أرملةً أو زوجةً لأحد أرباب السلطة عبر وضع العراقيل وعدم إقرار نظام الكوتا…
فهل يكفي أن تُستخدم المرأة كسلعةٍ أو كترويجٍ ليكون بلدنا لبنان بألف خير، وهل يمكن أن ينعم مجتمعنا بالأمان طالما نساؤه لسنا بخير؟ وفي ظلّ أزمة اللجوء المتفاقمة، أين أصبحت خطة تفعيل القانون 1325 لحماية اللاجئات من العنف والعنف الجنسي والاتجار؟
ما نراه وأراه وأعاينه يومياً، يدعو إلى رفع الصرخة بوجه كل من يُعيق هذه القوانين، فمعاناة النساء لا يمكن وصفها ولا اختصارها لا بكلماتٍ ولا بندوات، في أحيانٍ كثيرة، هي تفوق التحمّل والخيال. فالأمر بات يحتاج إلى إعلان خطة طوارئ لحماية ليس النساء كإناث، بل لحماية المجتمع ككل حيث تشكّل فيه النساء القوة المحرّكة الفاعلة. تحية للمرأة العاملة في كل الميادين في عيدها، للمرأة الباحثة عن دورٍ سياسي، للمرأة الصامتة والمعنّفة والأسيرة والمناضلة في سبيل مجتمعٍ أفضل، للمُطالِبة بالحقوق من دون يأسٍ أو كلل، تحية للمرأة اللبنانية والسورية والعراقية والفلسطينية والإيرانية التي تواجه أعتى أشكال الحكم تخلّفاً وعنصرية، وأعتى أشكال المجتمعات تقليدية…تحية لكل إمرأة تستطيع أن تقول “لا” حين يجب أن تقولها. تحية لكل نساء العالم!!