أوكرانيا: عنجهية بوتين وتصلب الغرب

أوكرانيا: عنجهية بوتين وتصلب الغرب

وصلت الأزمة الأوكرانية الروسية الى أفق مسدود، بعد فشل المفاوضات بين روسيا والناتو لعدم الوصول الى اتفاق يؤدي الى سحب فتيل الأزمة، حفاظا على المصالح العامة والحياة الانسانية، في الصراع الجيوسياسي الذي يدور بين روسيا وامريكا، لان المقولة القديمة تقوم على أساس معادلة تعرفها روسيا جيدا، بان من يحكم اوكرانيا يسيطر على قلب أوروبا الشرقية، فأوكرانيا هي العمود الفقري لروسيا وتحتاج لها الان اكثر من اي وقت سابق.

رسمت روسيا خطوط امبراطوريتها، من كاراباخ في القوقاز وآسيا في جورجيا، وصولا الى الاستعراضات العسكرية في الاخير كازاخستان وحماية النظام في بيلاروسيا، حتى التوتر الحالي في شرق اوكرانيا، وباتت روسيا تهدد بشن حملة عسكرية ضد أوكرانيا، في حال ادخالها في حلف الناتو، مما يشكل خطرا على الامن القومي الروسي. 

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الرجل الذي يضع استراتيجية ثابتة وطويلة الأمد استعادة إمبراطوريته الجديدة،  لان هذه الازمة الجدية بحال ربحها  ستعطي للرئيس بوتين دفعة شعبية جديدة في خوض معركته في الانتخابات الرئاسية العام المقبل، تحت شعار كبير بان  روسيا تواجه العالم من اجل الامبراطورية الروسية  الحديثة.

ظن الرئيس بوتين بان التهديدات والمناورات العسكرية تخيف الغرب، وبالتالي ستحقق مطالبه والنزول عند رغباته والانكفاء  للوراء، مما يدفعه للاطباق على أوكرانيا بلحظة حرجة تعاني منها  أوروبا من ضعف في الترابط بين دول الاتحاد نفسها وارتباك في الادارة الأمريكية الحالية للتعامل مع  روسيا نظرا للاهتمام  بمعالجة موضوع الصين،  فحاول قيصر الكرملين بلحظة حرجة، فرض امر واقع باحتلال أوكرانيا والتعايش مع عقوبات فرضت عليه سابقا، لكن الكرملين استطاع الصمود والاستمرار، مستخدما ورقة الغاز والقوة العسكرية وزعزعة الامن الاوروبي.

لكن مطالب بوتين لم تتحقق وفشل في فرض أمر واقع على الغرب، نتيجة تصلب الموقف الاوروبي الذي حاول بوتين استبعاده عن المشهد والإبقاء على التفاوض بينه وبين امريكا، لكن الاتحاد الاوروبي يعتبر ان ازمة اوكرانيا هي أزمة امن قومي أوروبي، وروسيا لا تستحق اعطاءها اية هدايا مجانية. فالمشهد اختلف في التعامل مع الملف الأوكراني، بسبب الاحتضان الغربي لاوكرانيا مما اجبر روسيا على الانتقال من موقع الهجوم الى موقع الدفاع.

روسيا باتت مربكة ,مأزومة لعدم تحقيق اي تفاهم دبلوماسي، بسبب عدم اكثرات الغرب للمطالب الثالثة المقدمة للنقاش ذات السقف العالي وهي تعلم ان مطالبها غير قابلة للتحقق لان الروس يعانون من ازمة ثقة مع الغرب فهم يريدون الحصول على كل الأشياء دون دفع الأثمان، مما دفع الكرملين الى إعادة حسابه  بالتعامل مع الأزمة الأوكرانية، بعد نجاح الغرب بتشكيل جبهة عالمية لمواجهة روسيا وفرض عقوبات قاسية عليها تضعها في المكان المنبوذ دوليا.

لقد بات موقف الرئيس فلاديمير بوتين يتسم في الفترة الاخيرة بكونه بات الطف واهدأ اكثر من اي وقت، بالرغم من إنه لايزال يحاول الضغط على الغرب وبات يعلم جيدا بأن اي حرب سيخوضها ضد اوكرانيا لن تكون نزهة طبيعية، بل ستكون مكلفة جدا بالاقتصاد والارواح وستكون اوكرانيا ميدان تجارب سلاحا غربيا جديدا، قد يفشل السلاح الروسي بعد نجاحاته الاستعراضية في سورية، فالحصار الاقتصادي والخسائر المالية لا محال منها، لكن بوتين لايريد تكرار العزلة الايرانية وروسيا لا يمكن تحملها  هذا الحصار . 

من هنا لابد من القول، بان بوتين لم يعد باستطاعته التراجع عن فعل اي شي في الصراع الأوكراني، وبالتالي قد يكتفي بوتين بشن حملة عسكرية سريعة للسيطرة على مناطق جديدة في شرق جنوب اوكرانيا كي يربط القرم والدونباس بطرق برية لتأمين مياه الشفة من منابع خيرسون التي تفتقدها جزيرة القرم. هذه المساحة صغيرة وتشكل 300 الف كم يربط الجنوب الشرق بالدوبناس، عن طريق مرفأ ماريوبول البحري الأوكراني لتوسيع مساحة روسيا الضيقة في البحر الاسود، وهذه العملية ستؤدي الى ظهور جمهوريتين جديدتين في شرق اوكرانيا والتي تعرف بنوفا روسيا او روسيا الجديدة.

هذا التوتر الصغير يعمل على الاسراع في ادخال أوكرانيا في الناتو، بالرغم من روسيا تعرف بان قانون الناتو لا يسمح بإدخال اي دولة الى صفوفه بحال وجود مشكلات خارجية وداخلية، لكن كبح عنجهية روسيا هي احتضان أوكرانيا، فأمام هذا المخرج الوحيد هل ستقبل روسيا المغامرة بعملية عسكرية محدودة في شرق وجنوب اوكرانيا او ابتلاع الاخفاق الدبلوماسي الروسي.

خالد العزي – أستاذ جامعي وباحث لبناني

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة