عن الحسن الثاني والموسيقار أحمد البيضاوي وناس الغيوان

عن الحسن الثاني والموسيقار أحمد البيضاوي وناس الغيوان

محمد عبد الله غلالي* 

قبل حوالي أربعة عقود (في سنة 1978)، صادفت ذات يوم بمقهى “لابرانسيير”، الموسيقار أحمد البيضاوي، ابن “المدينة القديمة” بالدار البيضاء. رأيت سيارته من نوع بوجو “فاميليال”، جاثمة جنب الرصيف المقابل لهذه المقهى التي كان يلتقي بها أهل الفن، وكان البيضاوي من جلاسها، وهي، في أول شارع الشهيد إدريس الحريزي، ولا تبعد سوى بأمتار عن بناية المسرح البيضاوي وبنك المغرب.

 كان البيضاوي يحرص على إيداع آلة العود بالصندوق الخلفي لسيارته، التي تحمل علامة “M Roug التي تكون عادة على سيارات الدولة. لأن آلة العود هي الرابط بينه وبين مجالس ليالي القصر.  

أتذكر، أني كنت في بداية مشواري الصحفي، لذلك تهيبت من الاقتراب من الموسيقار البيضاوي عملاق الأغنية العربية في المغرب. ولم يكن سهلا علي أن أحظى منه ولو دردشة سريعة عابرة. لكني تشجعت وتقدمت نحوه في يوم آخر، حين جالسا بصالون “فندق الدارالبيضاء”، الذي تحول اسمه اليوم إلى “فندق ريجنسي” بساحة الأمم المتحدة، وكان البيضاوي يقيم به في ضيافة القصر الملكي، عندما حل الملك الراحل الحسن الثاني بقصره في الدارالبيضاء لأيام. 

عندما صدر عدد “الميثاق الأسبوعي”، كان يحمل تاريخ  فاتح رمضان 1398 الموافق لـ5 يوليوز1978، ويتضمن حوارا مطولا مع الأستاذ أحمد البيضاوي من توقيعي.  

محمد عبد الله غلالي* 

قبل حوالي أربعة عقود (في سنة 1978)، صادفت ذات يوم بمقهى “لابرانسيير”، الموسيقار أحمد البيضاوي، ابن “المدينة القديمة” بالدار البيضاء. رأيت سيارته من نوع بوجو “فاميليال”، جاثمة جنب الرصيف المقابل لهذه المقهى التي كان يلتقي بها أهل الفن، وكان البيضاوي من جلاسها، وهي، في أول شارع الشهيد إدريس الحريزي، ولا تبعد سوى بأمتار عن بناية المسرح البيضاوي وبنك المغرب.

 كان البيضاوي يحرص على إيداع آلة العود بالصندوق الخلفي لسيارته، التي تحمل علامة “M Roug التي تكون عادة على سيارات الدولة. لأن آلة العود هي الرابط بينه وبين مجالس ليالي القصر.  

أتذكر، أني كنت في بداية مشواري الصحفي، لذلك تهيبت من الاقتراب من الموسيقار البيضاوي عملاق الأغنية العربية في المغرب. ولم يكن سهلا علي أن أحظى منه ولو دردشة سريعة عابرة. لكني تشجعت وتقدمت نحوه في يوم آخر، حين جالسا بصالون “فندق الدارالبيضاء”، الذي تحول اسمه اليوم إلى “فندق ريجنسي” بساحة الأمم المتحدة، وكان البيضاوي يقيم به في ضيافة القصر الملكي، عندما حل الملك الراحل الحسن الثاني بقصره في الدارالبيضاء لأيام. 

عندما صدر عدد “الميثاق الأسبوعي”، كان يحمل تاريخ  فاتح رمضان 1398 الموافق لـ5 يوليوز1978، ويتضمن حوارا مطولا مع الأستاذ أحمد البيضاوي من توقيعي.  

تناول الحديث مع الفنان أحمد البيضاوي في تلك المقابلة، جوانب متفرقة تخص كلها أزمة الأغنية المغربية. ورغم أن اللقاء مرت عليه قرابة نصف قرن، فإن مضمون المقابلة مع هذا الهرم الفني المغربي ما زالت تطرح نفسها كواحدة من مشكلات الثقافة المغربية المعاصرة، والأمر لا زال يحتاج إلى حلول. 

تحدث الموسيقار أحمد البيضاوي عن مسألة إيلاء الاعتبار للفنان المغربي بلده. لأن الفنان في بلدنا لا يلمس شيئا من ذلك، ولا يرى أن إنتاجه يستهلك بصفة واضحة. كذلك يقول أن المسؤولية تقع على الفنانين أنفسهم، وعن عدم اختيارهم الألوان الموسيقية الراقية التي ترفع من قيمة الفن المغربي. لذلك ينبغي عليهم – في رأيه-  أن يتحاشوا كل ما يروج في السوق بهدف تجاري محض، فما “يباع” ويتم تداوله حاليا، يجب أن يعاد فيه النظر، وسبب انحطاط بعض الأغاني هو أنها أصبحت مثل سلعة رخيصة تباع وتشترى.

 وطالب ﺃﺣﻤﺪ ﺷﻬﺒﻮﻥ – وهذا اسمه الحقيقي-  بضرورة مراجعة برامج المعاهد الموسيقية في المغرب، قائلا إن هناك أساتذة أقل من مستوى التلاميذ، فالمعاهد الموسيقية، يضيف المرحوم البيضاوي في الحوار الصحفي، لا تخلق الفنانين، ولكنها تخرج الموسيقيين.  

أما عن ظاهرة موسيقى ناس الغيوان، التي كانت في بداياتها الأولى، فتوقف البيضاوي ليدلي بموقفه منها. حين قال إن له رأي في الموجة الجديدة، أي “المجموعات الغيوانية”، مؤكدا أن لا علاقة لها بالموسيقى، وأنها مجرد أهازيج تدخل في نطاق الفولكلور ليس غير. لأن اللحن الموسيقي لا يكون إلا بمتناول الفنان المقتدر، الذي له القدرة على الخلق والإبداع، والأشياء الأخرى ليس لها دخل بهذا الميدان، أما الفن الموسيقي فلا بد من دراسته وممارسته ومعرفته، ولابد له من مواهب تصنعه وتخلقه. هذا ميدان آخر مختلف – يؤكد البيضاوي – نريد له النجاح.. ولكن لا ننتظر من أن يحل أي مشكل  أو يمنح للموسيقى المغربية حضورا وبعدا متميزا.. ثم إنني، يقول أحمد البيضاوي، لا أريد أن ندخل في هذه المتاهات حتى لا أسيء لأحد”. 

هكذا عرف الموسيقار أحمد البيضاوي باستهجانه ومعاداته لظاهرة ناس الغيوان. ومما يحكى أنه ذات يوم استضاف العاهل الحسن الثاني مجموعة ناس الغيوان لإحياء حفل غنائي في القصر الملكي، ويذكر أن الملك الراحل توجه بملاحظة لأحد أفراد مجموعة عن علّة عدم ظهور “ناس الغيوان” على شاشة التلفزيون، فتولى أحمد البيضاوي الرد أمام الملك، معللا السبب لعدم استجابة “ناس الغيوان” ورفضهم عندما تتم دعوتهم من لدن إدارة التلفزيون في المناسبات الوطنية. 

كان الموقف حرجا، خصوصا بحضور أعضاء مجموعة ناس الغيوان، هنا تدخل الملك، وقاطع رئيس الجوق الموسيقي الوطني أحمد البيضاوي بالقول: “أنظر يا السي أحمد، هؤلاء الناس مخلوقين فقط لجمهور الأحياء الشعبية، وهم يتغنون بهمومها اليومية، ولا علاقة لهم بما تقترحه أنت عليهم من إنتاج أو إصدار أغاني وطنية لا يؤدونها، ونحن لا نفرض على أي كان أن يغني أغاني وطنية”. 

تناول الحديث مع الفنان أحمد البيضاوي في تلك المقابلة، جوانب متفرقة تخص كلها أزمة الأغنية المغربية. ورغم أن اللقاء مرت عليه قرابة نصف قرن، فإن مضمون المقابلة مع هذا الهرم الفني المغربي ما زالت تطرح نفسها كواحدة من مشكلات الثقافة المغربية المعاصرة، والأمر لا زال يحتاج إلى حلول. 

تحدث الموسيقار أحمد البيضاوي عن مسألة إيلاء الاعتبار للفنان المغربي بلده. لأن الفنان في بلدنا لا يلمس شيئا من ذلك، ولا يرى أن إنتاجه يستهلك بصفة واضحة. كذلك يقول أن المسؤولية تقع على الفنانين أنفسهم، وعن عدم اختيارهم الألوان الموسيقية الراقية التي ترفع من قيمة الفن المغربي. لذلك ينبغي عليهم – في رأيه-  أن يتحاشوا كل ما يروج في السوق بهدف تجاري محض، فما “يباع” ويتم تداوله حاليا، يجب أن يعاد فيه النظر، وسبب انحطاط بعض الأغاني هو أنها أصبحت مثل سلعة رخيصة تباع وتشترى.

 وطالب ﺃﺣﻤﺪ ﺷﻬﺒﻮﻥ – وهذا اسمه الحقيقي-  بضرورة مراجعة برامج المعاهد الموسيقية في المغرب، قائلا إن هناك أساتذة أقل من مستوى التلاميذ، فالمعاهد الموسيقية، يضيف المرحوم البيضاوي في الحوار الصحفي، لا تخلق الفنانين، ولكنها تخرج الموسيقيين.  

أما عن ظاهرة موسيقى ناس الغيوان، التي كانت في بداياتها الأولى، فتوقف البيضاوي ليدلي بموقفه منها. حين قال إن له رأي في الموجة الجديدة، أي “المجموعات الغيوانية”، مؤكدا أن لا علاقة لها بالموسيقى، وأنها مجرد أهازيج تدخل في نطاق الفولكلور ليس غير. لأن اللحن الموسيقي لا يكون إلا بمتناول الفنان المقتدر، الذي له القدرة على الخلق والإبداع، والأشياء الأخرى ليس لها دخل بهذا الميدان، أما الفن الموسيقي فلا بد من دراسته وممارسته ومعرفته، ولابد له من مواهب تصنعه وتخلقه. هذا ميدان آخر مختلف – يؤكد البيضاوي – نريد له النجاح.. ولكن لا ننتظر من أن يحل أي مشكل  أو يمنح للموسيقى المغربية حضورا وبعدا متميزا.. ثم إنني، يقول أحمد البيضاوي، لا أريد أن ندخل في هذه المتاهات حتى لا أسيء لأحد”. 

هكذا عرف الموسيقار أحمد البيضاوي باستهجانه ومعاداته لظاهرة ناس الغيوان. ومما يحكى أنه ذات يوم استضاف العاهل الحسن الثاني مجموعة ناس الغيوان لإحياء حفل غنائي في القصر الملكي، ويذكر أن الملك الراحل توجه بملاحظة لأحد أفراد مجموعة عن علّة عدم ظهور “ناس الغيوان” على شاشة التلفزيون، فتولى أحمد البيضاوي الرد أمام الملك، معللا السبب لعدم استجابة “ناس الغيوان” ورفضهم عندما تتم دعوتهم من لدن إدارة التلفزيون في المناسبات الوطنية. 

كان الموقف حرجا، خصوصا بحضور أعضاء مجموعة ناس الغيوان، هنا تدخل الملك، وقاطع رئيس الجوق الموسيقي الوطني أحمد البيضاوي بالقول: “أنظر يا السي أحمد، هؤلاء الناس مخلوقين فقط لجمهور الأحياء الشعبية، وهم يتغنون بهمومها اليومية، ولا علاقة لهم بما تقترحه أنت عليهم من إنتاج أو إصدار أغاني وطنية لا يؤدونها، ونحن لا نفرض على أي كان أن يغني أغاني وطنية”. 

* صحفي مغربي

Visited 60 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة