لبنان: انتخابات الفرص الضائعة

لبنان: انتخابات الفرص الضائعة

حسين عطايا

في الوقت الذي يتصدر حديث المشهد اللبناني، موضوع الانتخابات الاولوية الكبرى على الساحة اللبنانية، حيث يُجمع اللبنانيون على أن الوطن اصبح بحاجة إلى معجزة من خلال مُخلص بصفات بطولية يساهم بالعبور بالوطن من حالته الحالية إلى حالة أُخرى أكثر أماناً وتطوراً مما هو الحال في يومنا هذا.

 البعض يعتبر بأن الانتخابات المقبلة، هي خشبة الخلاص للانتقال من حكم المنظومة الفاسدة إلى دولة تُحكم من قِبل المخلصين من أبناء الوطن، ولكن الحال الموجودة على أرض الواقع تختلف بشكل كبير عما يختزنه اللبنانيون من آمال معقودة على الانتخابات القادمة. 

من هنا، لا بد من الإشارة، إلى أن احزاب المنظومة قد أصابها الإرباك، نتيجة الظروف المحيطة بتلك الأحزاب بعد السابع عشر من تشرين الاول ــ أكتوبر من العام 2019، وهو ما تشير إليه كل البيانات والإحصاءات عن تراجع في شعبية بعض تلك الأحزاب، لا بل بأكثريتها، ولكن نسبياً، وفق ما يحيط بتلك الأحزاب من اعتبارات . 

لذلك، نرى أن بعضها لا زال يمسك بزمام الأمور، بينما بعضها الآخر يتخبط بمشكلات وانقسامات قد تُساهم الانتخابات في خفض قد يطال تكتلات الأحزاب النيابية في البرلمان، خصوصاً “التيار الوطني الحر” الذي يتزعمه صهر رئيس الجمهورية النائب جبران باسيل.

 كما إنه حصلت تطورات ناتجة عن انسحاب “تيار المستقبل” وتعليق عمله السياسي اقتراعاً وترشيحاً، مما أثر على حلفائه السابقين، لا سيما “الحزب التقدمي الاشتراكي” و”القوات اللبنانية” في بعض الدوائر الانتخابية، مما ساهم بخلط الأوراق، وأضعف البعض، وزاد البعض الآخر قوة، لا سيما جبهة الثنائي “حزب الله – امل” وحلفاءهما. 

 في المقابل، أتت مبادرة الرئيس فؤاد السنيورة، في حث اللبنانيين السنة على المشاركة الفاعلة في الاقتراع والترشح، وتنسيقه مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بدعم أو مواكبة من دار الفتوى، بإشراف مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، من خلال شعار مواجهة “حزب الله” ومنعه من التغلغل والتحكم بالقرار اللبناني بشكل كامل، ومن هنا كانت زيارة الرئيس السنيورة إلى باريس ولقائه اللواء أشرف ريفي. كما أن بعض المعلومات قد أشارت إلى حصول لقاء بين الرئيس السنيورة وأحد المسؤلين السعوديين، قيل إنه شخصية تتبع الاستخبارات السعودية، ومعلومات تقول إنه شخصية قيادية مدنية رفيعة المستوى. ويأتي ذلك لحشد الدعم لزيادة قوة ومناعة مواجهة “حزب الله” وأتباعه. هنا نجد، بأن المنظومة وعلى رأسها حاميها الأساس “حزب الله” تسعى جاهدة للاستفادة من ظروف تفتت وانقسام المعارضة بين مجموعات متناحرة في بعض الأحيان، لا بل متناقضة إلى حد الصعوبة في توحيد لوائحها. وكل ما يُحكى عن منصات تنسيق أو لقاءات ومؤتمرات وحلقات نقاش تذهب سدى حين تصل الأمور إلى تشكيل اللوائح، خصوصا ما شاهدناه في  الفورة الكبيرة في الترشيحات من قبل المعارضين ومجموعاتهم، يُضاف إلى كل ماتقدم ، فإن منصات دعم مرشحي المعارضة أو مجموعات الثورة أتت نتائجها وتقديماتها دون المستوى المتوخى منها، بينما المنظومة تحتكر السلطة ومعها المال والسلاح، نرى بالمقابل مجموعات الثورة لا تمتلك مقومات النجاح، عدا عن الانقسامات الحادة فيما بين مجموعاتها وشخصياتها. 

هذا، عدا عن ما يقوم به “حزب الله” من تصفية الحساب على من يتمرد أو يحتفظ ببعض الاستقلالية ولايتبع سياساته، كالحزب التقدمي الاشتراكي، حيث نرى أن “حزب الله” سيشن حرباً حقيقية في إضعاف زعيمه وليد جنبلاط، من خلال ترشيح المؤيدين له في كل من دائرة راشيا والبقاع الغربي، محاولا إسقاط النائب وائل ابو فاعور، ودائرة الجنوب الثالثة “مرجعيون حاصبيا”، كما في دائرة بيروت الثانية محاولا اسقاط النائب فيصل الصايغ، ودعمه أعوانه في كل من الشوف عاليه ودائرة بعبدا ايضاً. 

هذا عدا عن سياسة التخوين لكل المعارضين من مرشحين ومقترعين خارج سياق لوائح حزب الله وحلفائه، وهذا الأمر يُعتبر سياسة ثابتة في كل الانتخابات وخصوصا في استحقاق العام 2018 والعام الحالي، وهذا لايقتصر على شخصية واحدة في “حزب الله” بل على مجمل القيادات من الصف الاول .

 الأمر الذي يدفعنا للقول ونتيجة متابعتنا، بأن الآمال التي يعلقها اللبنانيون على نتائج انتخابات هذا العام، والتي ستجري في الخامس عشر من أيار- ماي من العام الحالي، ستكون دون المستوى المتوقع منها على الإطلاق، نتيجة ظروف المعركة الانتخابية والأدوات المستعملة فيها من قِبل المعارضة والمنظومة الحاكمة، وهنا نرى أن “حزب الله” يضع كل ثقله في سبيل تمكين حليفه المسيحي “التيار العوني” بقيادة جبران باسيل، من المحافظة على أكثرية نيابية لتكتله، على الرغم من أن كل الإحصاءات والتوقعات تُعلن صراحة بأن التيار لن يفوز بأكثر من عشرة نواب في أقصى توقع، إلا أن “حزب الله” سيسعى جاهداً لتمكين فوز مرشحي التيار لاسيما في المناطق التي فيها أكثرية شيعية تؤيد حزب الله، وهو لذلك فرض على الرئيس نبيه بري خيارات التحالف مع “التيار العوني” في بعض المناطق، على الرغم من الخلاف الكبير الناتج عن عدم وجود كيمياء بين الرئيس نبيه بري وعون أو صهره جبران، وبذلك يسعى “حزب الله” لعدم تمكين حزب “القوات اللبنانية” من الحصول على أكثرية نيابية مسيحية، مما يحرم “حزب الله” من الغطاء المسيحي، وبالتالي قد يؤثر في الانتخابات الرئاسية. 

كل ذلك، قد يدفع “حزب الله” للقيام بعملٍ أمني كبير قد يطيح بالانتخابات النيابية أو يسعى إلى التمديد التقني لأشهر، قد تصل إلى شهر أيلول -سبتمبر القادم، تكون نضجت بعض الظروف المحلية أو الإقليمية والدولية، أو قد يتم التمديد لمجلس النواب، مما يجعل هذا المجلس هو من سينتخب رئيس الجمهورية المقبل، والذي قد يكون من أحد حلفاء “حزب الله”، مما يمكنه من تمديد الوضع الراهن بوضع يده على السلطة اللبنانية، ويساعده في تحقيق سياساته التي تمكن إيران من تجميع أوراقها التي تعطيها الفرصة في زيادة موقعها التفاوضي في فيينا أو غيرها من المفاوضات المهمة لها. 

انتخابات هذا العام قد تساهم في إضاعة الفرصة للشعب اللبناني من عدم تمكينه من الوصول إلى التغيير المنشود، كما أنه من المتوقع أن تكون نسبة الاقتراع ضئيلة جدا، وقد لا تتعدى نسبة 35% ، وفي أقصى حالاتها قد تصل إلى 40%.

Visited 9 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

حسين عطايا

ناشط سياسي لبناني