لماذا لا تعلن أوكرانيا الحرب على روسيا كما ينص القانون الدولي؟!!

لماذا لا تعلن أوكرانيا الحرب على روسيا كما ينص القانون الدولي؟!!

د. زياد منصور

 حتى الآن لم يعلن الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي الحرب على روسيا، رغم بدء أسبوعين تقريباً على العملية العسكرية الروسية الخاصة في بلاده. 

 من ناحية القانون الدولي للحرب (حالة الطوارئ والأحكام العرفية وحالة الحرب أمور مختلفة)، تجعل من وضع أي بلد وضعاً مغايراً. على سبيل المثال، بموجب القانون الدولي، يحظر توريد الأسلحة إلى الدول المتحاربة. لكن بينما تجري روسيا عملية خاصة، وأوكرانيا تطبق الأحكام العرفية فقط، فإننا لسنا في حالة حرب رسميًا. وهذا يعني أن الغرب يمكنه بشكل قانوني نقل الصواريخ المضادة للدبابات إلى كييف “. 

إن الحفاظ الرسمي على الوضع السلمي يساعد كييف ليس فقط في استقبال وتوريد الأسلحة. ولكن بهذه الطريقة تستطيع أكثر أن تلعب السلطات الأوكرانية لعبة تصوير نفسها بالضحية. على الأقل في عيون أوروبا وأمريكا. طالما أن زيلينسكي يقتصر على إعلان الطوارئ يمكنه القول إنه لا يعتدي على روسيا ولا يقوم إلا بأعمال دفاعية ضد حملة عسكرية ومعتد غاشم. 

 هناك عامل مهم آخر: نقل الغاز إلى أوروبا. الآن يمر الغاز عبر الأنبوب في أراضي أوكرانيا بأقصى سرعة ضخ. ولكن إذا أعلنت الحرب، يجب إيقاف الضخ.  وبالتالي لو أنه ستعلن الحرب، فإن هذا يعني قطع العلاقات، بل لا يمكن أن تكون هناك أية علاقات بين موسكو وكييف.  كما من أين سيأتي زيلينسكي بالوقود لجيشه ودباباته، الأمر الذي هو متوفر لروسيا بسبب أنها دولة غنية بالنفط والغاز. 

 بالمناسبة، الأمور تتجه تدريجياً نحو التأميم والمصادرة. إذ أعلنت كييف بالفعل أنها ستستحوذ على جميع العربات والقطارات الروسية الموجودة على أراضي أوكرانيا ذات السيادة والمستقلة. 

لكن الغاز شيء آخر للغاية. إذ يتم ضخ الوقود الأزرق إلى أوروبا الغربية، ولا أحد يريد أن يتشاجر مع النمسا وألمانيا والمجر وسلوفينيا، وخاصة أوكرانيا، لأنها تتلقى المساعدة منها وترسل اللاجئين إلى هذه البلدان، ومنها يأتي السلاح النوعي لتعزيز المقاومة. كما أن كييف نفسها بحاجة إلى الغاز الروسي شبه المجاني، وإن قامت روسيا بشرائه ليس من روسيا مباشرة، بل من الاتحاد الأوروبي بأسعار السوق، لكن الأصل لا يتغير من هذا.

 نذكر أن شركة غازبروم بالفعل أعلنت أن الضخ عبر الأنبوب الأوكراني في أقصاه رغم الأعمال العسكرية. يتم ضخ أكثر من 100 مليون متر مكعب في اليوم. وعاد الطقس الجيد إلى أوروبا مرة أخرى، لذا فإن الطلب على الغاز آخذ في الارتفاع لتعويض النقص في  الطاقة الخضراء. 

وتعتمد كييف أيضًا على مدفوعات من روسيا مقابل الضخ. فإذا توقف عبور الغاز، فلن يكون هناك مال. – صحيح أن باقي أنواع التجارة (المقدرة 12.2 مليار دولار العام الماضي) قد توقفت الآن. 

  لذا فإن الإعلان الرسمي عن الحرب سيجبر كل الإنتاج في أوكرانيا للتحول نحو الاحتياجات العسكرية.  بل ستتوقف العديد من القوانين عن العمل والمعاهدات والاتفاقيات. ستبدأ السلطات في تأميم النقل المدني… زيلينسكي ليس مستعداً لكل هذا بعد.

 إضافة إلى كل ذلك فإن كييف لا تعلن الحرب على روسيا أيضًا حتى لا يمكن لروسيا دعوة حلفائها للمشاركة في القتال إلى جانبها. إذ تنص معاهدة الأمن الجماعي لبلدان رابطة الدول المستقلة على أنه إذا تعرضت إحدى دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي لعدوان من قبل دولة أخرى، فإن جميع الدول ستدافع عن الدولة المعتدى عليها. لذلك، فإن هذا الأمر لن يعود بالفائدة على كييف، أي مشاركة قوات من دول ما بعد الاتحاد السوفيتي المنتمية إلى كومنولث الدول المستقلة والتي وقعت على المعاهدة وعددها ستة دول، وهي روسيا، وأرمينيا، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان، في 15 أيار- ماي عام 1992، أي دول معاهدة الأمن الجماعي (والتي يشار إليها أيضًا باسم ميثاق طشقند أو معاهدة طشقند). والتي وقعت ثلاث دول من دول ما بعد الاتحاد السوفيتي أيضًا عليها، وهي أذربيجان، وبيلاروسيا، وجورجيا، في العام التالي على المعاهدة، ودخلت المعاهدة حيز التنفيذ في عام 1994.

 في كل الأحوال لم تعلن روسيا ولا أوكرانيا الحرب رسميًا على بعضهما البعض. ذلك أن كييف الرسمية لا تفعل هذا لأنه غير مربح للاتحاد الأوروبي أي الميول نحو الحرب أكثر من الشرق. أما ما هو أكثر من ذلك فإذا أعلنت كييف الرسمية الحرب على روسيا، فيمكن لروسيا، وفقًا لاتفاقية ضخ الغاز الطبيعي عبر أراضي أوكرانيا، إيقاف عمليات التسليم للكثير من الدول. فهنغاريا مثلاً تشتري الغاز الروسي أرخص بخمس مرات من سعر السوق في أوروبا بفضل العقود طويلة الأجل بين موسكو وبودابست إلى العام 2036. 

 في النهاية تشير أوساط انه رغم الشراسة في العمليات الحربية القائمة فإن اعلان الحرب، او إعلان حالة الطوارئ العسكرية ستكون سبب إنهاء المساعدة النقدية من صندوق النقد الدولي لأوكرانيا رغم كل الوعود بالدعم. يبقى السؤال: من أين ومن سيقوم عملياً بإعادة عملية الاعمار بعد انتهاء العملية العسكرية؟ السلطة الأوكرانية الرسمية الحالية، أم روسيا؟ وماذا يعني إعلان حياد أوكرانيا وموقف الدول الغربية من هذا الحياد. هل سيفتح باب المساعدات إلى دولة لا فائدة منها عسكرية أو اقتصادية ولا تستطيع أن ترسم سياستها الخارجية بحرية.

Visited 2 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. زياد منصور

أستاذ جامعي وباحث في التاريخ الروسي