زيارة الأسد إلى الإمارات: رغبات كثيرة وحصيلة ضئيلة
فؤاد إيليا
إنها الفوضى التي عمت النظام الدولي، الذي اختل توازنه بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وعدم قدرة الولايات المتحدة على ضبط الأمور، كونها أصبحت القطب الوحيد في العالم، وذلك بسبب الانقسام الداخلي فيها. خاصة بعد أن انقلب سحر القاعدة التي استخدمها عليها، فقامت بتفجير برجي التجارة في نيويورك.
لم يستفد بوش الابن من إرسال عسكره إلى العراق وإسقاط نظام صدام حسين، بسبب ارتكابات النظام الأمريكي أخطاء قاتلة في إعادة تشكيل العراق. ولم يستفد أوباما من تطلع العالم إلى الدور الأمريكي الذي كان يجب أن يساعد على نقل الديموقراطية إلى النظم الشمولية، التي عاشت فترة طويلة برعاية الاتحاد السوفيتي. وعندما انطلقت حناجر الشباب التواق إلى الحرية، لم ير من يأخذ يده إلى بر الأمان، بغض النظر عن القوى الإسلامية التي سارعت إلى امتطاء ظهر الثورات في دول “الربيع العربي”، ما أدى إلى انحرافات تلك الانتفاضات والثورات عن مسارها الصحيح، بدءا من مصر، وتونس، واليمن، وليبيا، وسوريا، لأن النظام الأمريكي سلم الدول الإقليمية زمام الأمور والتهى هو في تنفيذ رغبته في التوصل إلى الاتفاق النووي مع إيران، معتبرا ذلك الجائزة الكبرى.
قتل القذافي، ولم يرحل النظام الليبي، تفجرت خلافات عميقة بين الليبيين الذين تشرذموا وفق أجندات غير وطنية.
رحل علي عبد الله صالح، ولم يرحل النظام اليمني، تحول اليمنيون إلى الاقتتال الداخلي، وفقا لمصالح دول إقليمية، إيران والسعودية..
سجن حسني مبارك، ولم يرحل النظام، بل صعد المد الإخوان الأصولي ليعيد مصر إلى الوراء، مما استدعى عودة العسكر ثانية إلى سدة الحكم.
سارت الأمور في تونس نحو المؤسسات الديموقراطية، ليتبين فيما بعد أن هناك من هو كامن في إحدى مفارق الطرق، ليبعد تونس عن التوجه إلى الديموقراطية.
عزلت سوريا وضعف النظام الذي كان قاب قوسين من الرحيل، لولا قبوله بأن يبقى ألعوبة بيد الخارج.. إيران وروسيا. وهو يحاول إيهام نفسه والآخرين بأنه انتصر، في الوقت الذي يعرف الجميع أنه غير قادر أن يدير شؤون البلد. فهناك 14 مليون إنسان بحاجة إلى المساعدة، وأكثر من ثلثي السكان يعيشون حالة الفقر المدقع، وأن الأسرة السورية الواحدة تحتاج من 450 إلى 500 ألف ليرة لتغطية أساسيات احتياجاتها، وذلك حسب ما يقول عمران رضا منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية والمقيم في دمشق. وأن الخسائر الكارثية للاقتصاد السوري قدرت بحوالي 530 مليار دولار. أي ما يعادل عشرة أضعاف الناتج المحلي قبل بدء الحرب، فعن أي انتصار يتم الحديث؟!
في هذه الظروف، تأتي زيارة رأس النظام السوري إلى دولة الإمارات، لتطرح الكثير من التساؤلات وتفتح المجال للكثير من الاستنتاجات، هل أراد الاطمئنان على وضعه مع شركائه التجاريين؟! فالإمارات هي أهم الشركاء التجاريين لسوريا، وهي الأولى عربيا، والثالثة عالميا، وتستحوذ على 14% من حجم تجارة سوريا الخارجية. وقد بلغ حجم التبادل غير النفطي 272 مليون دولار خلال النصف الأول لعام 2021.
أم أنه أراد الاطمئنان على الموقف الروسي تجاه سوريا، نتيجة التورط الروسي في حرب أوكرانيا، إذ جاءت هذه الزيارة بعد يوم واحد من لقاء وزير خارجية الإمارات نظيره الروسي؟
أم أنه قام بنقل رسائل إيرانية إلى الإمارات، نتيجة قرب توقيع الاتفاق النووي؟
أم أنه تدارس مع الإمارات وضعه الذي اهتز لدى الإسرائيليين، وذلك بعد التقارب الكبير بين إسرائيل والإمارات، علها أي الإمارات، تتوسط له عند الإسرائييلن؟
أم حاول أن يقنع الإمارات بالعمل على استعادة كرسي سوريا في الجامعة العربية، بعد أن فشلت المساعي في المرة السابقة بإعادته اليها؟
كل هذه التساؤلات والاستنتاجات برأيي مشروعة، لكنني أتصور أنها سوف تصطدم بالموقف الأميركي، وفق ما جاء على لسان المستشار نيد برايس، الذي قال: نحن قلقون من الزيارة ومن الرسالة التي قد تفهم من ورائها، ولن نقوم بتطبيع علاقتنا مع السوري، ولا ندعم تطبيع علاقات الدول الأخرى معه.
سيبقى النظام يعيش وهم الانتصار ووهم العودة إلى الجامعة العربي، إلى أن ينكشف ضباب الحرب الروسية – الأوكرانية التي ستحدد معالم واقع جديد في العلاقات الدولية في العالم، فما بعد حرب أوكرانيا سيكون مختلف عما قبلها، كما أن الولايات المتحدة الامريكية أيضا ستعيد النظر في علاقاتها مع حلفائها، الذين يحاولون في ظروف الفوضى الحالية ابتزازها بدلا من الوقوف إلى جانبها، انطلاقا من الفكرة التي تعلموها وهي البحث عن مصالحهم.