روسيا ترفض أي دور للناتو في أوكرانيا
يزيد البركة*
كان ترامب يقول عن بايدن، أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية السابقة، أنه غبي، وكنت لا أعطي أية أهمية لتصريحات ترامب هذه؛ غير أن هذه الفترة العصيبة عليه، وهو يحاول أن يراكم أوراقا عديدة تجعل الحزب الديمقراطي يفوز في الانتخابات التشريعية النصفية، التي ستجري في نوفمبر المقبل، والتي تقض مضجعه لأنها عبارة عن استفتاء لسياسته في نصف فترة الولاية. كثيرة هي الأخطاء الكبيرة التي سقط فيها، وكان أولها هي طريقة الانسحاب من أفغانستان، حيث كانت مطبوعة بالارتجال وسوء التخطيط، وعدم القدرة على توقع ما كانت طالبان تخطط له.
لكن مخطط أوكرانيا الذي كان بايدن من منفذيه، عندما كان ضمن طاقم أوباما، أظهر مدى عدم القدرة على اختيار أهداف بسيطة ومتوسطة يمكن النجاح فيها، استعدادا لهذه الانتخابات، هدف بسيط بدل الدفع بملف كبير مع دولة كبيرة نووية صعدت إلى مراتب جديدة في العشرين سنة الماضية، واختياره هذا أظهر أنه ما يزال يعيش نفس الزمن الذي كانت فيه روسيا، متقاعسة في الدفاع عن مصالحها لأنها كانت مغلولة عسكريا واقتصاديا.
لقد دفع أمس بمعاونيه وشركائه ليسوقوا فكرة أن تدخل قوات حفظ السلام إلى أوكرانيا، وهي فكرة جيدة في حالات، فهي ستوقف الحرب، وكل طرف روسيا وأوكرانيا سيبقيان قواتهما في مكانهما الحالي، وستتواصل المفاوضات، وهذا مفيد لروسيا، من جهة لأن المجتمع الدولي سيعترف بالوضع الحالي، ومفيد لأوكرانيا لأن تطورات الحرب ليست في صالحها. غير أن الغباء هو مماثلة روسيا بلبنان أو مصر أو عدد من دول العال الثالث التي فرضت عليها قوات حفظ السلام، التي تحركها من وراء الستار أمريكا وحلف الناتو. لذا جاء رد الكريملين سريعا بالقول إن روسيا ترفض فكرة قوات حفظ السلام من أي دولة في حلف الناتو.
قبل هذا قرر بايدن عقوبات اقتصادية معينة، لا تقدر على تحمل تأثيراتها المرتدة إلا أمريكا لمدة فقط، ولكن الشركاء الذي يقول عنهم إنه يأخذهم في الاعتبار ، متأثرون بقوة بالتأثيرات السلبية لتلك العقوبات، وحتى الشركات الكبيرة التي لا يمكن احتسابها على الشركاء فقط يحذرون منها، وهذا القرار هو خلق نية ضعف في الصف.
حقا، في السياسة، وبعيدا عن قانون الفيزياء، في موضوع قانون الشد وفي العلوم الأخرى مثل الهندسة، فإن قوة السلسلة مثلا تساوي أضعف حلقة فيها، فإذا كانت حلقاتها كلها قوية بنفس المقدار تستطيع أن تقوم بمهمة حمل أو جر أطنان من مادة ما، لكن إن كانت فيها حلقة من حبل، أو خيط ، فإن السلسلة ستنقطع بالضبط من حلقة الحبل أو الخيط، وهكذا، فإن أي مجموعة بشرية أو حزب أو مجتمع، عبارة عن سلسلة مترابطة بحلقات، وكلما كانت تلك الحلقات قوية متراصة كان الأداء قويا، وكلما كانت فيها حلقة ضعيفة كان الأداء ضعيفا، ولن تستطيع أن تنحدر أي حمل للثقل يتعدى قوة تلك الحلقة الضعيفة. ومن الغريب أن تعتبر الإدارة لأمريكية أن الحلقة الأضعف في روسيا هي بوتين، وكلفت الإعلام والخبراء وكل من هب، التهييج باستهدافه، وكأن ذهابه واستبداله، وهناك من دعا حتى إلى اغتياله، سيحقق النصر للناتو. وهذا أسلوب بني على شاكلة البحث عن مثل ييلتسين وغورباتشوف، أوعلى الأقل البحث عن المهرجين أمثال من خلف ستالين، مع العلم أنه ليس إلا شخصا، ففي القضايا الكبرى، مثل الحرب على أوكرانيا لا يمكن اختزالها في شخص بوتين، إنها أكبر وأعظم وما لم تجد الإدارة الأمريكية نقطة ضعف قوية فهذا يدل على العقم السياسي لديها. حتى في كل المجتمعات الديكتاتورية لا يجد فيها من يقرر نقاط الضعف في القوى السياسية المعارضة للحكم الا في من يرأس ذلك الحزب لان من يقرر لا غرض الا في البحث عن دمية فما دام الحزب يشكل ازعاجا فإن الحل هو في البحث عن دمية، والحقيقة في موضوع روسيا فإن بوتين قد تقاعس عن تأديب حكومة أوكرانيا منذ التعديلات الدستورية والهجوم على شرق البلاد، ولكن ما منعه هو أن روسيا كانت تعي ان المتربص بها هو الناتو وليس أوكرانيا لذا كان يحذر ويطالب بالإنصاف ولكن كان في نفس الوقت يحضر للشدائد، بحيث يمكن لقول انه كان اعقل طوال هذه المدة ولا ادري كيف سيصبر رئيس آخر على سياسة الناتو ضد بلاده اذا لم يكن دمية؟
بناء على هذا الاختيار الغبي بنيت استراتيجية الحرب الإعلامية للناتو، والتي لم يسبق لها مثيل في تزييف الواقع وخلق الضوضاء والبلبلة وجر الجمهور من الأذنين بالكلمات الخادعة، وهذا الجو العام وإن لم تقتنع به الشعوب إلا أنه زاد من منسوب كراهية الساسة عموما. ولما تنتهي هذه الحرب وتنسحب القوات الروسية ستظهر بالتأكيد آثار ضارة جدا لهذه الاستراتيجية الإعلامية التي قررتها أجهزة دول الناتو وفرضتها على وسائل الإعلام، وأصابت بها عقول الشعوب، استراتيجية تتلخص في عبارة واحدة: الأوعية الفارغة هي التي تحدث ضجيجا.