البيئة في علاقة بالإنسان والمؤسسات وبالمجالات الترابية

البيئة في علاقة بالإنسان والمؤسسات وبالمجالات الترابية

مصطفى الساحلي

تعريف: البيئة، المنزل، الحال.. ومن توصيفاتها أنها  كل العناصر الطبيعية المتجلية والخفية والكامنة بكوكبنا الأرض وما بباطنها والبحر والمياه والكائنات الحية والهواء والجو.. وهي  متكاملة ومتداخلة مرتبطة بعيش الإنسان ومستقبل جودة سلامة وصحة الحياة وجودتها…

 ونحن في بداية فصل الربيع، لابد أن نؤكد على أنه لن يكون له معنى إلا إذا توازنت معادلات الطبيعة والبيئة المحققة لتجليات الحياة التي أصلها الماء، “وجعلنا من الماء كل شيء حي” (سورة الأنبياء). فمن فصل الشتاء إلى الربيع الذي يعني كل المخلوقات التي بها روح وحياة على اليابسة والأنهار والبحار، ولولاه لعم السنة فصل الجفاف والقحط .

 إن موضوعات البيئة في علاقة بمجالات الجماعات الترابية، وخاصة الحضرية، وما في حكمها يطرح إشكاليات وقضايا  في علاقة بالمؤسسات الحكومية، المعنية بالبحر والمحيط والمياه والغابات والمناخ والبيئة والتنمية والسياسات العمومية بارتباط بالتعمير والإسكان والفلاحة.. كل من موقعه ومسؤولياته، إنها  تحتاج إلى تدخل علمي عملي قوي وممنهج للدولة، بتضامن وتنسيق حكومي عقلاني استراتيجي، يجمع بين التخطيط والتنمية المستدامة برؤية عملية بيئية وجمالية مجالية.. لأنها مرتبطة بحياة الإنسان الطبيعية والصحية والثقافية ومستقبله، الذي يحتاج لحماية وتنظيم رصين وتطوير وتثمين..

 ويتجلى في الواقع حصول خصاص كبير وغياب واضح في أغلب الجماعات، وحتى القطاعات الحكومية المعنية يهم الإمكانيات والتجهيزات والموارد البشرية العاملة والتقنية المتخصصة، المرتبطة بالنجاعة والعقلانية والجمالية في تسيير وتدبير الفضاءات الخضراء والتشجير، باعتماد عدالة تشمل المجالات الترابية للجماعات، أحياء وساحات وحدائق ومنتزهات وطرق وفضاءات المؤسسات الحكومية. وعلاقة كل ذلك بالوثائق الضابطة للسكنى والتعمير بانسجام مع موقع الجماعات من حيث المناخ والأشجار والشجيرات والنباتات والأعشاب المتواجدة أصلا بها، وطبيعة الجماعة هل هي تاريخية أم حديثة، قروية أو حضرية.. باعتبار المجالات الترابية للجماعات، متداخلة، متكاملة، متجاورة تتأثر إيجابا وسلبا ببعضها..

إن العقلية” الاستهلاكية” و”الاستثمارية” العشوائية والأنانية التي تبحث عن الإثراء بكل الطرق، بما فيها الإجهاز على الثروات واستنزافها، والتهجم على التوازنات التي رافقت الحياة الطبيعية بالكرة الأرضية منذ بدايات الخلق، والتي ضمنت للإنسان الحديث ولوج ما سمي بالثورة الصناعية وتطور الاستثمار، وهنا يطرح سؤال المناجم والمراخم واستخراج مواد البناء المتواجدة في مختلف الأماكن، بالبوادي وفي عمق الجبال و…،  والتي يحتاج العديد منها لاستهلاك كميات وافرة من المياه، في مناطق تعرف نقصا فيها حتى في مجال الشرب والسقي المحدود.. كما أن البعض منها تتسبب في الغبار والنفايات، مما يؤدي إلى إلحاق أضرار جسيمة بالهواء والأشجار والفلاحة والصحة والكائنات الحية والإنسان…

 إن الكتابات التاريخية والموروث الشفهي من أزمنة الأجداد والآباء تتحدث عن الثروات الطبيعية وتنوع الأشجار والغلال.. وعن منظومة السقي التقليدية المعقلنة وتدبير المياه، وفق معطيات تلك الحقب التي ضمنت أن تحظى حواضر وبوادي توصف بجنان على الأرض، لكن ما حصل خلال أقل من 100 سنة الماضية، بوتيرة متسارعة، وخاصة خارج المناطق السكنية، بسبب التوسع العمراني غير المنظم، حيث لم تعرف أو لم توجد بعد وثائق للتعمير عند الجماعات عموما، إضافة للتضخم الذي عرفه الاستغلال الكبير للمياه الجوفية والسطحية من طرف  ضيعات حديثة مغروسة بأشجار تحتاج لكميات هائلة من المياه، رغم العلم بمخاطر الجفاف التي تعرفها العديد من المناطق، والتسبب في نقصان كبير بحقينة السدود، بشكل يضطر الإدارة إلى إيقاف السقي للمحافظة على المياه للشرب، واللجوء لتقنين التزود حتى بمياه الشرب والاستعمال المنزلي.

 ومما يجب العمل من أجله، الحد من استمرار إحداث ضيعات وأراضي فلاحية لإنتاج غلال وسقي أشجار تستنزف بشكل كبير مصادر المياه الجوفية والسطحية والمخزنة بالسدود. والذي يسجله الجميع أنه بمجرد التحقق من شح وضعف في صبيب المياه، يهجر الرأسمال والمستثمر المكان ليترك ساكنة المنطقة يواجهون المشاكل والآثار المعطلة للعيش الطبيعي بالتجمعات السكانية والقرى، مما يضطر العديد منهم للهجرة..

 ونخلص إلى بعض الضرورات: 

  – ضرورة تدخل الدول في إطار حماية البيئة: بالطبيعة، والبيئة الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية للإنسان، بأن تعجل بضبط عقليات الأهواء السلبية وكبح المضاربات العقارية، وتنظيم العمران بالمجالات، وحماية الأشجار ومضاعفة  أعدادها مع اعتماد المنتجة المقتصدة في استهلاك المياه والمتلائمة مع المجالات المناخية.

  – ضرورة إعادة النظر في السياسات المعتمدة فيما يعرف بالمخطط الاخضر في علاقته  بالفلاحين الصغار والمتوسطين بالمدارات الحضرية والمحيطين بها، وما يطلق عليه المجال السقوي، وكذلك بالمناطق القروية وفقا لمناخها وطبيعتها، باعتماد إدخال منتوجات فلاحية مفيدة في الاستهلاك المعيشي، في مجالات التغدية والأعلاف والمراعي لتحقيق اكتفاء ذاتي، ولم لا فائض يسوق لمناطق المغرب والعالم، ووضع تحيينات وتحديثات إيجابية مرنة على المنظومة القانونية للتعاونيات، وأن توفر لها الآليات والمعدات الفلاحية الملائمة للمنطقة والفلاحة المعتمدة، وتشجيع علمي لتربية الابقار والماعز الحلوب و…

 –  ضرورة استعجال تعميم دعم السقي بالتنقيط وتطوير منظوماته، وتشجيع محفز لاستعمال الطاقات البديلة المتجددة بالعوالم القروية، مع دوام المواكبة والتأطير العلمي والتقني والتدبيري للبيئة، في شمولية منظوماتها كقاطرة  قوية للتنمية المستدامة المحققة للاستقرار وبناء الثروات محليا…

 – ضرورة وأساسية تصفية وحماية بيئة الأسواق والتسويق للداخل والخارج من السماسرة والوسطاء والمرابين والاحتكاريين، الذين يلحقون الضرر الكبير بالكادحين والكادحات العاملين والعاملات ليل نهار من أجل لقمة عيش، ولتحقيق مداخيل محدودة لضمان الاستجابة لمادون الحد الأدنى من متطلبات العيش..

إن من يفكر ويعمل من أجل البيئة والطبيعة عليه أن يستحضر بأن كل ما هو موجود بالكرة الأرضية من ثروات وخيرات في البر والبحر و.. هو من أجل البشر العاقل  أي سكان وعمار الأرض، فإن لم يفعلوا فسيسعون إلى حتفهم بأيديهم وأنفسهم، وسيفسدون حياة كل المخلوقات الأخرى التي هي جزء محوري في النظام والتوازن  البيئي على الارض، فلكي يعيشوا لمئات آلاف القرون المقبلة عليهم وجوبا أن يتفكروا ويتدبروا ويتعاونوا ويعملوا من أجل أرض تسع الجميع وتضمن لهم عيشا كريما مستداما، (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) “سورة الشورى”. (وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْافِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) “الشعراء” 

تارودانت : الخميس 24 مارس 2022.

Visited 10 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

مصطفى المتوكل الساحلي

ناشط سياسي ونقابي مغربي