مقاتلون في سبيل الحرية والهوية
د. خالد العزي
شدد مندوب أوكرانيا في هيئة الأمم المتحدة السفير سيرغي كيسليتسيا، عندما عرض مشروع انهاء عضوية روسيا في منظمة حقوق الانسان في 7 أبريل الجاري، بقوله بان الدولة التي تخرق القانون الدولي لا يحق لها البقاء في المنظمات الدولية والتعايش مع المجتمع الدولي.
منذ قرون والشعب الأوكراني يقارع الروس ولم ينكسر ولم ينهزم، فهو شعب مؤمن بقضيته تاريخيا، لكنه منذ عدة سنوات دخل في مواجهة فعلية ومباشرة مع نزاع مع روسيا، التي تحاول اليوم انتزاع أرضه وتقطيع مناطقه وضمها للاتحاد الروس، فالوضع اختلف حاليا، إذ يشن الروس حربا بشعة ضد الأوكران لم تعرفها أوروبا منذ زمن الفاشية الهتلرية، والسؤال الذي يطرح هل سيطلق لقب الفاشية الروسية في العالم ويضاف إلى المصطلحات العالمية، نظرا لما تتهم به روسيا من حرب ابادة واضطهاد وتهجير قسري.
حتى الآن لم تستطع روسيا إخضاع أوكرانيا، فاحتلالها سيتسبب لها بحرب استنزاف طويلة الأمد وانطلاق حرب العصابات من قبل مكونات الشعب الأوكراني، وستكون مكلفة جدا للروس ماليا واقتصاديا ومعنويا، والدليل التخبط في مدينة ماريوبول وعدم استسلام كتيبة آزوف الاوكرانية.
ويشهد العالم على أن الأوكرانيين لم يعطوا بوتين اي نصر حتى الآن، وضربتهم أخيرا أجبرت القوات الروسية على الانسحاب من ضواحي كييف، وهو أيضا لم يدخل خاركوف وتشرينفيا وتسومي، هدم ماريوبول ولم يدخل مصنع آزوف ستال، لأن المدافعين عنها رفضوا ان تقديم النصر له، لكنه جعل من هزائمه قبل عيد النصر الروسي نصرا اصطناعيا في الإعلام المؤدلج.
أما الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلنيسكي الذي تحول من مهرج إلى رجل أعمال ومن محامٍ إلى رجل دولة الى رئيس، مثل رؤساء العالم يعمل ويجتهد من أجل بلده، حتى أنه أصبح رمز الصمود في أوكرانيا ولم يخرج من وطنه، بل بقي تحت الحصار، يقاوم ويخاطب الداخل والخارج، وتحول إلى ناطق إعلامي باسم بلده، فحظي باحترام الجميع بسبب شجاعته، في الدفاع عن شعبه، حتى قيل عنه إنه أشبه بونستون تشرشل، المدافع العنيد عن القيم الانسانية بوجه الفاشية الهتلرية، في مواجهته النازية الروسية الجديدة، وتحوله إلى رمز لصمود الشعب والقادة الأوكرانيين في دفاعهم المستميت عن دولتهم.
ما يجمع زيلنسكي بشعبه ليس الحضارة والديانة والتقاليد والقومية والثقافة، وإنما التضحية من أجل الوطن، فالشعب الأوكراني عنيد ويقاتل من أجل حريته والحفاظ على هويته وكيانه، وهذا ما دفع العالم احترام زيلنسكي وقيادات أوكرانيا والشعب المقاتل والإعجاب بتضحياتهم وقدراتهم والاستماع إليهم باحترام.
يبقى أن على المجتمع الدولي المحافظة على أوكرانيا كدولة، لأن المحافظة عليها هو محافظة على القانون الدولي والسلام في العالم، من خلال الدفاع عن قيم الإنسانية والأخلاقية في ظل النظام العالمي الحالي، الذي أراد بوتين التلاعب به وتغيير حدوده، معتقدا أنها فرصة تاريخية له لتغيير الوضع الحالي، تحت شعارات وهمية ظهرت في مذابح مدن كييف الصغيرة، غستوامبل وابري وبرديكفا وبوتشا وماريوبول وغيرها، فسلوك الامبراطورية الروسية باتت واضحة المعالم في رغبة السيطرة، والرئيس بوتين لم يخف في سلوكه وتصرفاته العلنية التي ترافقت بدعاية نفسية ومواقف سياسية وتصريحات له ولآخرين، رغبته في تغيير النظام العالمي الحالي كونه لم يعد يلبي طموحاته الشخصية.
لكن المسالة أكبر من حلم روسي بوتيني يحاول فيه اختزال الأمور بالسيطرة على أوكرانيا، لأن أهدافه ليست فقط جغرافية، وإنما عالمية تهدف الى إحداث تغيير جيوسياسي للعالم.
وإذا لم يتمكن العالم من الوقوف إلى جانب أوكرانيا للجم طموحات بوتين الجهنمية، فإن شهيته ستفتح دائما ولن يتمكن أحد من إسكاته، والمثل الروسي يقول بأن الشهية تفتح وقت الطعام، وبالتالي سيدق أبواب أوروبا الشرقية كلها ولن يرتدع.
وليس غريبا على بوتين، ابن المؤسسة المخابراتية، أن يعلن أمام الجميع بأنه يريد تصحيح خطأ تاريخي ارتكب في أوكرانيا لجهة استقلالها، ويحمل ستالين ولينين هذا الخطأ ويعتبر أن أوان إصلاح هذا الخطأ بعودة أوكرانيا إلى الحضن الروسي قد حان، وذلك يتحقق من وجهة نظره من خلال إنهاء مفهوم الدولة واللغة والكيان الأوكراني في حملة لم يعرفها التاريخ، من التمرد على القوانين الدولية والمفاهيم الإنسانية، لممارسة حرب إبادة بحق شعب بأكمله، إرضاء لرغباته وطموحاته التي لم تعد واضحة ومفهومة للعالم.
من هنا نرى بأن النضال الأوكراني المحق بوجه الغازي الروسي بات عبرة في العالم للتمسك بالهويات الوطنية الأوروبية والعالمية، وهذا ما سجله بوتين كأول نكسة في حربه ضد الأوكران بانسحابه من الشرق وعدم استطاعته إكمال الطريق في أوكراني بعد حرب مستمرة من شهرين.
يبقى أخيرا أن الشعب الذي تربى على أدب الكاتب والشاعر الكبير شاعر الأغنية الشعبية والفلكلور والتراث الشعبي تراس شيفتشينكو، والذي له مقولة مؤثرة في تربية الأوكران: “عليكم القتال الدائم لأنكم تقاتلون وتحاربون دوما”، لا يبدو أنه سيتراجع ونراه يعرف اليوم لماذا يحارب وعن ماذا يدافع.