تساؤلات على هامش إفطار علني
محمد الأمين مشبال*
أعادت واقعة اعتقال مجموعة من المواطنين المغاربة، وهم يفطرون نهارا داخل إحدى مقاهي مدينة الدار البيضاء، وككل شهر رمضان، النقاش العمومي حول قضايا مثيرة للجدل وجديرة بالاهتمام، باعتبار علاقتها الوطيدة بإشكالات من صميم المجتمع الديمقراطي الحديث، من قبيل الحريات الفردية وحرية المعتقد (التي تختلف عن حرية العقيدة)، ناهيك عن النقاش الديني حول نوعية عقوبة المفطر بدون عذر شرعي، وصولا إلى الاجتهادات والتأويلات المرتبطة بالآية الكريمة” وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”(الآية 29 من سورة الكهف)، أو بلغة العصر: “الدين لله والوطن للجميع”.
بارتباط مع النقاش المثار حول الحدث، أود طرح تساؤلين:
الأول هل نحن المغاربة مسلمون عن اقتناع أم بالاتباع؟ وعلى مايبدو لي فإن الإنسان يولد في المغرب مسلما بقوة القانون وبسلطة المجتمع، وإذا تخيلنا أن هؤلاء المغاربة كانوا قد ولدوا على بعد 14 كلم فقط شمال البحر الابيض المتوسط حيث توجد المملكة الاسبانية، لكان معظمهم (على الأقل) مسيحيين كاثوليكيين أو غير متدينين، لأن إسلام أغلبيتنا الساحقة لم يأت عن اقتناع واختيار عقلي بعد دراسة معمقة للإسلام كعقيدة وتاريخ (وبالأحرى مقارنته مع الديانات الأخرى مثل المسيحية واليهودية)..
ولعل من النتائج الهامة التي تنجم عن هذا المعطى (عدم دراسة معمقة للاسلام وللظروف التاريخية المحيطة بالدعوة النبوية وبأسباب نزول الآيات)، انسياق الكثيرين وراء التفسيرات التي تنحو نحو الزجر أوالتشدد، كما هو الشأن بالنسبة لمفهوم الجهاد.
التساؤل الثاني يرتبط بردود الفعل المتشنجة حول إفطار بعض الأفراد، وكأن الإفطار العلني أو الشبه علني للبعض، يستفز أو سيبطل صيام الأغلبية الساحقة، أو سيزعزع إيمانها؟! بينما نلاحظ أن المسلمين الذين يعيشون في مجتمعات غربية مثل أوروبا وأمريكا أو في الصين وروسيا والهند، يلتزمون بالصوم رغم الإكراهات، ولا يتأثرون مطلقا بعدم صيام الأغلبية، ولا يسعون إلى تعنيف المواطنين الذين لا يصومون أو يعتنقون ديانات و مذاهب مخالفة لهم؟
أما التساؤل الثالث فيتعلق بالانفصام الشديد والقطيعة ما بين العبادات والمعاملات. وهنا لا أرى ضرورة للتذكير بأن استجابة العرب، وغيرهم من الشعوب للدعوة الاسلامية، لم يأت استجابة فقط للتخلي عن عبادة الأوثان وإقامة الصلاة والصوم والحج…، بل لأنه دافع عن قيم رفيعة مثل التآزر الاجتماعي، وعدم وأد البنات وتحرير رقاب العبيد… الخ. لكن للأسف الشديد فإن معظم أصحاب “المشاعر الرقيقة” لا تستفزهم مناظر طوابير المتسولين، ولا جحافل الأطفال المشردين، ولا في الاستغلال والفقرواستغلال النفوذ والإثراء غير المشروع، فقط يستفز مشاعرهم وتوقظ مشاعر “الرجولة” فيهم فقط مجموعة من الأشخاص لم يرغبوا في الإفطار داخل المراحيض، أو تستفز غيرتهم ملابس فتيات “متبرجات” و”عاريات كاسيات” على حد تعبيرهم المفضل؟
أخيرا، ألا يحق لنا أن نتساءل إلى متى ستستمر أجهزة الدولة في نهج سياسة “مطاردة الساحرات”؟
أوليس من الراهنية ومن الخطورة على أمن الدولة وطمأنينة والسلم المجتمعي، الملفات الحارقة ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي، من قبيل الغلاء الفاحش، واتساع رقعة الهشاشة، وانتشار الفساد الحقيقي داخل مفاصل الدولة، أمام غياب تام لأية رغبة في تفعيل مبدأ من أين لك هذا وربط المسؤولية بالمحاسبة؟
*باحث وأكاديمي مغربي