وتعطلّتْ لغة الكلام…!

وتعطلّتْ لغة الكلام…!

عبد الرحمان الغندور

بعد أن سكت الجميع، حكومة وبرلمانا وأحزابا ونقابات وكل مكونات المجتمع، أنقل في هذه التدوينة، عن عمد وسبق إصرار، وعن نية في نفس يعقوب الذي هو أنا،… أنقل كلاما لفاعل سياسي مغربي كبير جدا. وهو بالمناسبة، لا ينتمي لا للمعارضة، ولا للأغلبية، ولا يمكن تصنيفه لا في اليمين ولا في اليسار. ولذلك لن أكشف عن اسمه إلا في نهاية كلامه، داعيا كل قارئ، في لعبة طريفة أن يحاول التعرف عليه. لأن كلامه يشخص بدقة بالغة حقيقة الوضع في المغرب، من موقع العالم الخبير الذي يدرك حقائق الأمور. وبعد هذا الكلام المنقول بأمانة، أخبروني هل بعده يتبقى ما يمكن أن يقال في السياسة على هذه الأرض؟

 يقول الفاعل السياسي الكبيرالذي عليكم ان تكتشفوه: 

“نعيش اليوم، في مفارقات صارخة، من الصعب فهمها، أو القبول بها . فبقدر ما يحظى به المغرب من مصداقية، قاريا ودوليا، ومن تقدير شركائنا ، وثقة كبار المستثمرين ، كـ”بوينغ” و”رونو ” و”بوجو “، بقدر ما تصدمنا الحصيلة والواقع، بتواضع الإنجازات في بعض المجالات الاجتماعية، حتى أصبح من المخجل أن يقال أنها تقع في مغرب اليوم”.

 ويضيف موضحا: 

“فالتطور السياسي والتنموي، الذي يعرفه المغرب، لم ينعكس بالإيجاب، على تعامل الأحزاب والمسؤولين السياسيين والإداريين، مع التطلعات والانشغالات الحقيقية للمغاربة. فعندما تكون النتائج إيجابية، تتسابق الأحزاب والطبقة السياسية والمسؤولون، إلى الواجهة، للاستفادة سياسيا وإعلاميا، من المكاسب المحققة. أما عندما لا تسير الأمور كما ينبغي، يتم الاختباء وراء القصر الملكي، وإرجاع كل الأمور إليه”.

 ويستنتج الفاعل السياسي الكبير انعكاسات هذا الواقع على المواطنات والمواطنين بقوله: 

“… وأمام هذا الوضع، فمن حق المواطن أن يتساءل: ما الجدوى من وجود المؤسسات، وإجراء الانتخابات، وتعيين الحكومة والوزراء، والولاة والعمال، والسفراء والقناصلة، إذا كانون هم في واد، والشعب وهمومه في واد آخر؟ فممارسات بعض المسؤولين المنتخبين، تدفع عددا من المواطنين، وخاصة الشباب، للعزوف عن الانخراط في العمل السياسي، وعن المشاركة في الانتخابات. لأنهم بكل بساطة، لا يثقون في الطبقة السياسية، ولأن بعض الفاعلين أفسدوا السياسة، وانحرفوا بها عن جوهرها النبيل. وإذا أصبح ملك المغرب، غير مقتنع بالطريقة التي تمارس بها السياسة، ولا يثق في عدد من السياسيين، فماذا بقي للشعب؟”. 

ويجيب على هذا السؤال الكبير بقوله : 

“كفى، واتقوا الله في وطنكم… إما أن تقوموا بمهامكم كاملة، وإما أن تنسحبوا”. 

وفي معرض نقده الصارم للمسؤولين والسياسيين، يصرح الفاعل السياسي الكبير قائلا:

“أنا لا أفهم كيف يستطيع أي مسؤول، لا يقوم بواجبه، أن يخرج من بيته، ويستقل سيارته، ويقف في الضوء الأحمر، وينظر إلى الناس، دون خجل ولا حياء، وهو يعلم بأنهم يعرفون بانه ليس له ضمير. ألا يخجل هؤلاء من أنفسهم، رغم أنهم يؤدون القسم أمام الله، والوطن، والملك، ولا يقومون بواجبهم؟ ألا يجدر أن تتم محاسبة أو إقالة أي مسؤول، إذا ثبت في حقه تقصير أو إخلال في النهوض بمهامه؟ وهنا أشدد على ضرورة التطبيق الصارم لمقتضيات الفقرة الثانية، من الفصل الأول من الدستور التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة”.

وفي معرض تشخيصه لواقع الاحزاب المغربية، يقول المحلل الكبير : 

“… إن بعض الأحزاب تعتقد أن عملها يقتصر فقط على عقد مؤتمراتها، واجتماع مكاتبها السياسية ولجانها التنفيذية، أو خلال الحملات الانتخابية. أما عندما يتعلق الأمر بالتواصل مع المواطنين، وحل مشاكلهم، فلا دور ولا وجود لها. وهذا شيئ غير مقبول، من هيآت مهمتها تمثيل وتأطير المواطنين، وخدمة مصالحهم. ولم يخطر لي على البال، أن يصل الصراع الحزبي، وتصفية الحسابات السياسوية، إلى حد الإضرار بمصالح المواطنين”.

ويضيف مدققا: 

“إننا لاحظنا تفضيل أغلب الفاعلين، لمنطق الربح والخسارة، للحفاظ على رصيدهم السياسي أو تعزيزه على حساب الوطن، وتفاقم الأوضاع. فتراجع الأحزاب السياسية وممثليها، عن القيام بدورها، عن قصد وسبق إصرار أحيانا، وبسبب انعدام المصداقية والغيرة الوطنية أحيانا أخرى قد زاد من تأزيم الأوضاع”.

 أليس هذا الكلام هو ما أفرزته انتخابات 8 ستنبر 2021..

 هذا الفاعل السياسي الكبير ليس محللا سياسيا، أو خبير استراتيجيا، أو معارضا سياسيا من أهل اليسار، ولكنه قال أحسن مما يقوله هؤلاء جميعا… 

إنه ملك المغرب محمد السادس في خطاب العرش لسنة 2017. 

أليس هذا أكبر عربون على الإفلاس الشامل والمطلق لكل مكونات الدولة المغربية ونظامها السياسي والمجتمعي بجميع مؤسساته الدولتية والمجتمعية، من سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية ومؤسسات حزبية ونقابية وجمعوية، وهياكل اقتصادية صناعية وتجارية وفلاحية وسياحية وخدماتية، وبنيات ومنظومات مدرسية وجامعية وصحية وسكنية… الخ..

 ولأن ليس بعد هذا الكلام كلام، فالجميع يلجأ هاربا إلى الصمت بدون خجل أو حياء.

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عبد الرحمان الغندور

اتب وناشط سياسي مغربي