خطاب نصرالله: استنفار انتخابي واتهامات مردودة
حسين عطايا
بعيداً عن النكد السياسي، أو كما يُقال باللبناني “عنزة ولو طارت”، أحاول في هذه العجالة تفنيد ما جاء بخطاب أمين عام حزب الله، السيد حسن نصرالله، عصر يوم أمس الموافق 9 أيار- ماي الجاري، بروية وهدوء تامين، بعيداً عن تشنج المعارضات والكلام السطحي الذي يُستعمل من قِبل السيد ومُعارضيه، فمثلاً هو أدخل إلى المصطلحات السياسية في لبنان كلمة “فشر”، وهذا مؤشر على ضمور الخطاب وسطحيته، فهذه الكلمة يرددها أولاد الحي وكبار السن للتندر بما يحكيه فلان أو علّان كذبا عن مغامراته، وهي تعني “خسئت لهذا الكلام الباطل”. فبدء نصر الله باستخدام مثل هذه الكلمات والعبارات في خطابه السياسي مؤشر على الإفلاس، ودليله الإسفاف الكلامي وتدني مستوى التعبير، حتى وصل إلى استخدام لغة هابطة.
جاءت في خطاب نصرالله، مجموعة مغالطات، تعمد ذكرها ليستجدي عواطف الجنوبيين، كون إطلالته كانت موجهة ومن خلف شاشات عملاقة لكل من جمهوره بمنطقتي صور والنبطية في زمن الانتخابات، ولا بد من التذكير بأن التجمع الذي القى فيه خطابه عبر الشاشات أُقيم في مكان تابع لآثار مدينة صور، أي مكان عام لا يجوز استغلاله واستعماله لأغراض دعائية انتخابية، وفق ما جاء بالمادة 71 من قانون الانتخاب المعمول به حالياً. ونتيجة المتابعة الدقيقة يتبين التالي:
– أولا: من الواضح والملموس أن نصرالله وحزبه مأزومين جداً، فهو في خطابه يستجدي عواطف الجمهور ويُدغدغ مشاعر أهالي الجنوب في موضوع سلاح المقاومة وحماية المقاومة والتصويت للمقاومة. وقد بلغ سماحته مرحلة من العجز في اجتراع حلول للأزمات وإن جاءت سطحية، وهو لمح إلى ضرورة التصويت للمقاومة، بعد أن فشلت كل أساليب قادة حزبه الذين استنجدوا بالدين وبالفتاوى لحفظ حق التصويت لحزبه، وذلك ليس لشيء، سوى لأن نصر الله وحزبه يخشيان من قلة الإقبال على الاقتراع، مما يُخفض النسبة، فيُظهره وحزبه بحجم تمثيلي ضعيف، وهنا مقتلة حزب الله الكُبرى .
– ثانياً: كعادة نصر الله وقادة حزبه في تخوين الآخرين وشيطنتهم وصبغهم بالعمالة، وكأنه وحده وحزبه يملكان مفاتيح الوطنية ولُب الحقيقة المطلقة، وكأن الله في عليائه أعطاهم حقا اختصهم بحراسة الأرز في لبنان دون سواهم. فتحدث وأسهب باتهام الآخرين بأنهم اتخذوا من موضوع السلاح خطاباً سياسياً لنزع سلاح المقاومة، وما أدراكم ما سلاح المقاومة، والمضحك المبكي اتهامه خصومه في الانتخابات بأنهم يريدون الفوز بالأكثرية فقط لتحقيق هدفهم في التطبيع مع الكيان الاسرائيلي، ويستهدفون تضييع ثروات لبنان في النفط والغاز وحقل كاريش؟!
وهنا لا بُد من تذكير سماحته بالتالي :
– أولا: لم يتطرق إلى التطبيع سوى حلفاء سماحته، وورد ذلك كثيراً على لسان حليفك الأساس جبران باسيل (رئيس التيار الوطني الحر وصهر رئيس الجمهورية) في أكثر من مقابلة، وأبرزها مع محطة “الميادين” التي يملكها غسان بن جدو، وهو حليفكم أيضاً ومحطته تُمثل الخطاب السياسي للممانعة.
– ثانياً: في موضوع ثروات لبنان وسيادته عليها وعلى حدوده، هنا لابد من تحفيز ذاكرة السيد نصر الله، لأن هذا الأمر يعود إلى الأعراف والقوانين الدولية، أي مع الأمم المتحدة، ولا تنفع معه الخُطب الرنانة والصوت العالي والمرتفع، هنا فقط تنفع الحجج القانونية والمستندات، وأنت يا سيد نصر الله تعلم هذا علم اليقين، إن المطلوب من حليفك الأول وصنيعتك ميشال عون القابع في قصر بعبدا، أن يقوم بواجبه في التوقيع على المرسوم المعدل 6433 وإيداعه الأمم المتحدة، ليُصبح حينها حقل “كاريش” منطقة متنازع عليها، فيصبح للبنان الحق بمنع أي شركة دولية العمل في هذا الحقل .
ولا بد من تذكيرك يا سيد نصر الله بأن حليفك جبران باسيل هو من التقى في ألمانيا بالوسيط هوكشتاين، وأبلغه استعداده بالسير قُدُماً بالترسيم ابتداء من النقطة 23 وليس من النقطة 29، بشرط رفع اسمه عن لائحة العقوبات الأمريكية، وهذا مُثبتٌ بالصوت والصورة أثناء لقاء إعلامي للسيد هوكشتاين.
إذن، باختصار، فإن حلفاءك من يسارعون للتطبيع مع العدو وليس المعارضين.
– ثالثاً: أثناء خطبة الأمس أعطى نصر الله أمثلة عن بعض الدول، كمصر والأردن وغيرها. وهنا الطامة الكبرى، حيث بدا وكأن السيد نصر الله لا يُتابع الأخبار،ومعلوماته قديمة قد تعود في موضوع مصر إلى حقبة مضت منذ ما يُقارب العشر سنوات.
سماحتك لا تعلم بأن مصر، وخلال سنة ونصف، وبكلفة لا تتعدى الستة مليارات من الدولارات “أي ما يُعادل كلفة البواخر التركية المُستأجرة من حليفك باسيل ومستشاريه”، قد أنشأت ثلاث محطات توليد كهرباء باتت تُغطي حاجاتها، وهي تملك فائض من الطاقة الكهربائية باتت تُصدرها لبعض الدول المجاورة، بينما حُلفاؤك في وزارة الطاقة منذ تسعينات القرن الماضي، واحد من أعضاء قيادتك محمد فنيش كان وزيراً للطاقة، ومنذ العام 2009 تحديداً حليفك المُدلل جبران باسيل ومستشاريه، هم وزراء طاقة، وصُرف مايُقارب من الأربعين مليار دولار من دون كهرباء، لا بل أدخلنا في العتمة الشاملة في هذا العام.
كما يبدو أن سماحتك لا تُتابع أخبار مصر في العمران والتقدم على مختلف المستويات، وخصوصاً أن الدولار يُساوي حوالي الستة عشرة جنيه، بينما الليرة اللبنانية وصلت إلى مشارف الثلاثين ألف، كما في سوريا وإيران وكل محور الممانعة الذي تتغنى به.
أما بخصوص الأردن، لو سماحتك تُتابع الأخبار، لكنت علمت بأن وزير الطاقة حليفك وقع معها اتفاق استجرار الكهرباء منها، لأنها تملك فائضا من الكهرباء، ولبنان يحتاج إلى بعضٍ من قبسِ نور.
بخصوص الإاتخابات والتي تُظهر خطبك وخطب قيادات حزبك، فإنها وللمرة الاولى تشعرك أنت وحزبك بأزمة حقيقية، قد تُشكل بداية هزيمتكم أنتم وحلفاؤكم أجمعين، وهذه هي البداية، وسنُكملُ في العام 2026 التغيير الحقيقي الذي ستبدأ تباشيره بالظهور خلال الانتخابات الحالية.