“الناتو” يتوسع.. وموسكو في عزلة

“الناتو” يتوسع.. وموسكو في عزلة

د. خالد العزي

تعتبر موسكو أن تحالف الأطلسي بحث عن مكان جديد في واقع جديد، في قمة الناتو التي انعقدت يومي 29 و30 حزيران- يونيو الماضي في مدريد، لأول مرة منذ ثلاثة عقود، في ظل واقع متغير بشكل كبير، إذ لقد حل صراع واسع النطاق في أوروبا، ولم تلوح نهايته بعد في أوكرانيا.

وروسيا لم تستمع فقط إلى البيانات الصادرة عن الحلف ككل، ومن الدول المكونة له بشكل منفصل، ولكنها أعلنت أيضا بصراحة، إنها ستتوقف عن حربها عندما ترى ذلك مناسبا.

ولا تخفي دول الناتو مساعدتها لأوكرانيا، وهي تعترف بأن ما تقدمه لها لا يكفي. فقد واجه قادة الناتو في مدريد مهمة صعبة تمثلت في إعادة التفكير في دور التحالف في ظل الظروف الجديدة، وتغيير المفهوم الاستراتيجي للحلف بعد ان يعتمد على قانون عام 2010، الذي اعتمد بعد عامين من الحرب الروسية ـ الجورجية عام 2008، ولأن هذا الصراع هز أوروبا، إلا إنه في النهاية لم يكن له تأثير قوي على علاقات موسكو مع الغرب حيث (بدأت “إعادة الضبط” مع الولايات المتحدة، وتم إطلاق برنامج الشراكة من أجل التحديث مع الاتحاد الأوروبي)،  في روسيا، وإستخدموا من أجل ذلك  للمرة الأولى في التاريخ الحديث، القوة ضد دولة مجاورة وأدخلوا الجيش إلى أراض أجنبية.

لكن اليوم، ليس لدى موسكو أي علاقات مع الولايات المتحدة الآن، فالعلاقات صفر، والأميركيون لا يرون حاجة للتفاوض معهم بعد، وهذا سيء لروسيا، وهي تنتظرهم حتى يجرون أو يزحفون بأنفسهم ويطلبون ذلك.

تحدث نائب رئيس مجلس الأمن في الاتحاد الروسي، الرئيس السابق دميتري ميدفيديف، في قناته على Telegram قبل أسبوع من قمة الناتو، عن إمكانية استئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة حول تمديد معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية، ويمكن القول، إنها عبرت عن نهج موسكو الحالي في العلاقات مع الغرب بشكل عام. ويمكن وصف الوضع الحالي بكونه وضع فريد جدا من نوعه في العلاقات الدولية، مع هذا التجاهل الواضح لأولئك الذين ما زالت السلطات الروسية تدعوهم أحيانا شركاء.

فموسكو، التي تغطيها عدة طبقات من جميع أنواع العقوبات، تعتبر أن الغرب لم يعد موجودا بالنسبة لها. ويذكر طرح مدفيديف الساعي لدور جديد له في مجموعة الكرملين،  كما حال وليد المعلم وزير خارجية سوريا  الذي شطب اوروبا وامريكا عن خارطة العالم .

 في 28 حزيران- يونيو صرح المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف إن كل شيء يمكن أن ينتهي في يوم واحد، ما كان مطلوبا “أمر للوحدات القومية بإلقاء أسلحتها، وأمر للجيش الأوكراني بإلقاء أسلحتهم، وتلبية شروط الاتحاد الروسي “.

الدعوات الدولية لموسكو لوقف الأعمال العدائية في أوكرانيا، لم ترد روسيا عليها، حيث صرح نائب وزير خارجية الاتحاد الروسي سيرجي ريابكوف مؤخرا أن موسكو ستضع حدا لها “عند الحاجة” أو تدعو أوكرانيا على الاستسلام.

إذا كان من المخطط أن تكون “العملية العسكرية الخاصة” نزهة سهلة نسبيا  لروسيا، لكن آمال بوتين من الواضح لم تصبح كذلك. لكن حتى الناتو يدرك أن الجيش الأوكراني يمر بأوقات عصيبة.

وعبر نائب الأمين العام للناتو ميرسيا جيوانا عن ذلك، في مقابلة مع  صحيفة “برافدا الأوروبية” قائلا: “لقد فقدت روسيا بالفعل الكثير من الجنود والأسلحة، لكن الخسائر في أوكرانيا بدأت مؤخرا تزداد بشكل كبير”. كما وصف رئيس الأركان الأوكراني بأن العدد وصل الى 30 ألف قتيل و90 ألف جريح “. 

وقبله، تحدث وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف والرئيس فولوديمير زيلينسكي عن خسائر فادحة.

وأشار مدير عام معهد الاوروبي الاكاديمي أندريه كورتونوف،  إلى أن دول حلف شمال الأطلسي، التي اتهمتها السلطات الروسية وما زالت تتهمها بـ “بالتهديد العسكري” لدولة مجاورة، تساعد كييف الآن أكثر بكثير مما كانت عليه قبل 24 شباط – فبراير، حيث يتم إمداد أوكرانيا بالأسلحة والذخيرة، بينما يتقدم الهجوم الروسي في الدونباس ببطء”.

في ظل هذه الخلفية، يُلاحظ عدم رغبة القادة الغربيين في زيادة تفاقم أزمة العلاقات مع روسيا، فقد علق فولوديمير زيلينسكي، الذي القى  كلمة أمام المشاركين في قمة في مدريد بتاريخ 29 حزيران- يونيو،على قناته على Telegram حول الهجوم الصاروخي على كريمنشوك (أعلنت كييف أن صاروخا أصاب مركزا للتسوق، وأعلنت وزارة الدفاع الروسية بضربها مستودع للذخيرة): “فقط الإرهابيون المصابون بالثلج والذين لا مكان لهم على الأرض يمكنهم إطلاق الصواريخ على أهداف مدنية. ويجب الاعتراف بروسيا كدولة راعية للإرهاب “.

وقد أثير نقاش حول من يجب أن يُطلق عليه اسم روسيا في العالم الجديد، في إطار تحديد المفهوم الاستراتيجي لحلف الناتو واعتبار الصين “تحديا استراتيجيا”، ووضع علامة على الاتحاد الروسي باعتباره “تهديدا مباشرا”.

وقدم اقتراح أكثر راديكالية من بولندا، حيث قال رئيس مكتب الأمن القومي البولندي بافيل سولوخ، إن أعضاء الحلف يجب أن يصفوا روسيا بشكل لا لبس فيه بالعدو.

لكن موسكو أوضحت بأنها لا تهتم حقا بالاسم الذي سيطلق عليها. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: “بالنسبة للخطط التي يتم إعدادها من الناتو، وإعلان تهديدنا، وإعلان الصين تحديا منهجيا منذ فترة طويلة، قبل انعقاد قمة الناتو، تم إعلان روسيا عدوا”. وأشار إلى أن روسيا تُعلن عدوا لمجرد أنها لا تريد الاتفاق مع النظام العالمي النيوليبرالي، الذي تفرضه الولايات المتحدة، بعد أن أخضعت العالم الغربي بأكمله دون استثناء والزام به الجميع تحت شعار نظام عالمي قائم على النظام العالمي.

من ناحية أخرى، قالت نائب الأمين العام للتحالف ميرسيا جيوانا، إن التحالف لا يري زيادة الرهانات بشكل كبير في العلاقات مع موسكو بشكل عام وبسبب أوكرانيا بشكل خاص: “الناتو منظمة تخاطر، وعلينا أن نتجنب بعناية التصعيد واحتمال نشوب حرب بين روسيا وحلف الناتو لا تفيد أحدا. مع كل الاحترام الواجب لأوكرانيا، فإن مهمتنا الأولى هي حماية مليار شخص يعيشون في منطقة الناتو “.

كل هذه المقدمات، أظهرت إنه ليس من السهل على قادة دول الناتو العمل على مثل هذا السلوك حتى لا يبدو الحلف ضعيفا وضعيف الإرادة على خلفية هجمة روسيا، ولا يوجد فشل. في الاتجاه الروسي المشحون بتصعيد الصراع.

لم تكن حسابات بوتين تطابق التوجهات الأوروبية المفاجئة من غزوته العسكرية، كون الغرب فهم بان التوجه الروسي كما التوجه الصيني هما لإخراج الولايات المتحدة من المنطقة، والحلول مكانها، مما يعني بان الغرب بات معنى بــ “المواجهة المحتملة مع روسيا. حيث دفع  الغزو الروسي بفرض التوحد بين كتلة الناتو الاطلسية والأوروبية”.

بعد انتهاء قمة “الناتو” خرج الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغليقول  بأن الناتو يتوسع ويتمدد، والاعضاء المرشحين كثر وروسيا تستنزف في المستنقع الأوكراني.

اذن بعد القمة التاريخية وإصدار المواقف الغربية المختلفة ضد روسيا، فان موسكو باتت فعليا في عزلة، ومن الصعب السماح لها بالتصرف كما تريد والاستفراد بالدول الاوروبية، وبالتالي سيكون دعم أوكرانيا بشكل علني ومباشر من الناتو وبحال أي أخطاء يتم إرتكابها من روسيا ضد أي دولة من الحلف سيكون الرد عليه قاسيا .

 

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. خالد العزي

أستاذ جامعي وباحث لبناني