مَنْحُ الجِنْسِيَة لِلْإِسْرَائِيلِيِّين جَرِيمَة

مَنْحُ الجِنْسِيَة لِلْإِسْرَائِيلِيِّين جَرِيمَة

 عبد الرحمان النوضة

في 10 ديسمبر 2020، وَقُبَيْلَ خُرُوجِه من البَيْت الأَبْيَض بِقَلِيل، أَعْلَنَ الرئيس الأمريكي دُونَالْد تْرَامْبْ (D. Trumpe)، عَبْرَ عِدَّةِ تَغْرِيدَات على تَطْبِيـق “تْوِيتَرْ”، أن الولايات المُتّحدة الأمريكية أَصْدَرَت مَرْسُومًا رِئَاسِيًّا «تَعْتَرِفُ» فيه بِسِيَّادة المغرب على الصحراء الغَرْبِيَة. وَمُقَابِل ذلك، أَقْدَمَت دولةُ المغرب على «تَطْبِيع» عَلَاقَاتِهَا مع إِسْرَائِيل. وَأَكَّد الدِيوَان المَلَكِي، وَوِزَارَة الخَارِجِيَة المغربيَّان، صِحَّةَ إِبْرَامِ هذه الاِتِفَاقِيَة. وَجَرَى تَوْقِيع «التَطْبِيع» بين دولة المغرب ودولة إسرائيل في ديسمبر 2020، تحت رِعَايَة الولايات المُتّحدة الأمريكية. وأصبح المغرب خَامِس دولة عربية «تُطَبِّعُ» مع إسرائيل بعد مصر (في سنة 1979)، والأردن (1994)، والإمارات (2020)، والبحرين (2020)، والسودان (2020). وَيَتَضَمَّنُ عَقْدُ «التَطْبِيع» جَوَانِبَ دِبْلُومَاسِيَة، واقتصادية، وَمَالِيَة، وَتِكْنُولُوجِيَة، وَعَسْكَرِيَة، وَمُخَابَرَاتِيَة، وَأَمْنِيَة، وَسِيَاحِيَة، وَرَحَلَات جَوِّيَة. وَعَبَّرَ الاتحاد الأوروبّي، والأمين العام للأمم المُتَّحِدَة، أن اِتِّفَاقِيَة «التَطْبِيع» بين المغرب وإسرائيل لَا تُغَيِّرُ شَيْئًا في مواقف الأُمَم المُتَّحِدَة تُجَاه النِزَاع حول قَضِيَة الصحراء الغربية. وَمِن بَيْن الدول العربية الخَمْسَة (مصر، الأردن، الإمارات، البحرين، السُودَان، ) التي سبق لها أن «طَبَّـعَت» بِشَكْل مِنَ الأَشْكَال علاقاتها مع إسرائيل، نَجِدُ أن دولة المغرب هي التي ذَهَبَت أكثر عُمْقًا في اِنْبِطَاحِهَا لِتَنْـفِيذِ رَغَبَات وَمَصَالِح إسرائيل.

والمَقْصُود هُنَا بِـعِبَارَة «التَطْبِيع» (naturalisation) مع إِسْرَائِيل، هو تَحْوِيل العَلَاقات معها مِن الخِلَاف، أو الشِّـقَاق، أو المُقَاطَعَة، أو المُخَاصَمَة، أو المُقَاوَمَة، أو النِزَاع، إلى علاقات قانونية، وَمُبَاحَة، وَعَادِيَة، وَمَأْلُوفَة، وَمُشَابِهَة لِلْعَلَاقات مع مُجْمَل دُوَل العَالَم التي تَرْبِطُنَا معها علاقات تَرَابُط، أو تَعَلُّق، أو تَوَاصُل، أو تَعَاوُن، أو تَكَامُل.

وَمَـعْنَى «الجِنْسِيَّةُ» (nationality)،أو التَجْنِيس (naturalization)، هو الصِّفة التي تَلْحَقُ بِالشَّخْص من جهة اِنْتِسَابِِه لِشَعْب، أو وَطَن، أو أمَّة، أو دَوْلَة. وَ«الجِنْسِيَة» عَلَاقةٌ قانونيةٌ تربط فرداً معيَّناً بِدَوْلَةٍ مُعيَّنةٍ. وقد تـكون «الجِنْسِيَة» أَصِيلةً، أو مُكْتَسَبَة. وَيُـفْتَرَضُ في «الجِنْسِيَة» أَنَّهَا تُوَفِّرُ، أو تَضْمَنُ، لِمُخْتَلَـف المُواطِنِين الحَامِلِين لِهَذه الجِنْسِيَة، تَطَابُقًا، أو مُسَاوَاة، في وَاجِبَات، وَفي حُقُوق المُوَاطَنَة. وَمَعْنَى «تَجَنَّسَ»، هو صَارَ مُتَجَنِّسًا بِجِنْسِيَّةٍ أَجْنَبِيَّةٍ، أَيْ أنه تَجَنَّسَ بِجِنْسِيَّةِ بِلاَدٍ أُخْرَى غَيْرِ بِلاَدِهِ الأصلية.

وَقَدْ تَـفَاجَأَ مُجْمَل أفراد شَعْب المغرب بِإِعْلَان هذه الاتفاقية. خاصّةً وأن بعض اِسْتِطْلَاعَات الرَأْي كانـت قد أشَارَت إلى أن أكثر من 90 % من شَعْب المَغْرب يُعَارِضُون بِحَزْم «التَطْبِيع» مع إسرائيل. بَل يَشْعُرُ المَغَارِبَة بِـ «التَطْبِيع» كَخِيَّانَة لِشَعْب فَلَسْطِين المَظْلُوم.

وَتَظْهَر هذه الاتـفاقية «المُطَبِّعَة» مع إِسْرَائِيل، مِثْلَ مُقَايَضَة «اِعْتِرَاف» أمريكا بِـ «مَغْرِبِيَة الصحراء الغَرْبِيَة»، مُـقَابِل «التَطْبِيع» مع إِسْرَائِيل المُعْتَدِيَة. وَتَبْدُو هذه الاتفاقية كَأَنَّهَا نَتِيجَة لِدِفَاع «وَطَنِي» عَنِيد لَدَى السُلْطَات السِيَاسِيَة في المغرب عَنْ «مَغْرِبِيَة» الصحراء الغَربية. بَيْنَمَا «تَطْبِيع» النظام السياسي المغربي مع إِسْرَائِيل كَانَ سَيَحْدُثُ حتّى لَوْ لَمْ يُوجَد النِزَاعُ حَوْلَ قَضِيَة الصَّحْرَاء الغَرْبِيَةبَلْاِتِـفَاقِيَة «التَطْبِيع»هي في الوَاقِع تَحَايُل، وَاسْتِغْلَال لِلنِّزَاع حول الصحراء الغربية، بهدف تَبْرِير الْاِرْتِمَاء الْاِسْتْرَاتِيجِي التَامّ في التَـبَـعِيَة لِلْإِمْبِرْيَالِيَة الأَمْرِيكِيَة، ولِإِسْرَائِيل. لأن النظام السياسي في المغرب يُدْرِكُ أن غَالِبِيَة أَفْرَاد الشعب، في قَرَارَة أَنْفُسِهِم السِرّيَة، يَرْفُضُون هذا النظام السياسي الاستبدادي، وَيَنْتَظِرُون المُنَاسَبَة المُلَائِمَة لِتَغْيِيرِه. لِذَلِك نَرَى النظام السياسي المغربي يَخَاف مِن ثَوْرَة الشَعْب المُحْتَمَلَة،وَيَبْحَثُ عن حِمَايَة مُفْتَرَضَة مِن طَرف الإِمْبِرْيَالِيَّات الغَرْبِيَة وَإِسْرَائِيل. وَلَا يُدْرِكُ كَثِير من المُواطنين المَغَارِبَة البُسَطَاء كَمْ أَنَّ طَبَقَة المُسْتَـغِـلِّين الكِبَار في المغرب، التَبَـعِـيِّين لِلْإِمْبِرْيَالِيَة، تَجْـعَـلُهُم مَصَالِحُهُم الرَأْسَمَالِيَة مُسْتَـعِـدِّين إلى خِدَاعِ الشَّعْب، وإلى خِيَانَة الوَطَن، بِهَدَف تَنْمِيَة أَرْبَاحِهِم الخُصُوصِيَة، مِنْ خِلَال تَعْمِيق عَمَالَتِهِم لِلْـإِمْبِرْيَالِيَة الغَرْبِيَة، وَلِـإِسْرَائِيل.

وَبَعدما اِتَّخَذَت السُلْطَة السياسية بِالمَغْرِب قَرَار «تَطْبِيع» العَلَاقات بين دولة المَغرب ودولة إسرائيل، دُونَ اِسْتِـفْتَاء شَعْب المَغْرِب، وَدُونَ تَصْوِيت البَرْلَمَان، وَدُونَ حتّى إِخْبَار أَوْ إِشْرَاك الحُكُومَة الشَكْلِيَة في اِتِّخَاذِ هذا القَرَار، أخذ بعض المسؤولين في الدولة، أو بعض مؤسّـسات الدولة، المُنَاصِرِين لِأَمْرِيكَا وَلِِإسرائيل، يَتَصَرَّفون كَأَنّه «يَحِقُّ لِلْإِسْرَائِيلِيِّين مِن أصل مغربي أن يَحْمِلُوا جِنْسِيَة مُزْدَوَجَة، إسرائيلية ومغربية». أو كَأنّ «الجِنْسِيَة المَغْرِبِيَة لَا تُـفْـتَـقَـد، بَلْ تَبْقَى أَبَدِيَة»، مَهْمَا فَعَلَ الشخص الحَامِل لهذه الجِنْسِيَة المَغْرِبِيَة. أو كَأنه «يَحِقُّ لِلْإِسْرَائِيلِيِّين مِن أَصْل مَغْرِبِي أن يَحْصُلُوا أُتُومَاتِيكِيًّا على الجِنْسِيَة المَغْرِبِيَة، وَعلى كُلّ حُـقُوقِهَا». وَفي هذا القول، لا أنطلق مِن مَراجع قانونية، وإنما أنطلق مِن تَعَامُل أجهزة دولة المغرب مع «الإسرائيليّين مِن أصل مغربي». وهذه المَزَاعِم هي مُغالطَات، وتَزْوِير، وَتَحَايُل على القانون، وتحريف لِدُستُور المغرب. بَلْ هي خَطِيئَة كُبْرَى مُرْتَكَبَة ضِدَّ شعب المغرب المَقْهُور، والعَاجِز حَالِيًّا على النَـقْد، وَعَلى المُقَاوَمَة.

وَلَا يُوجَد شيء في قانون المغرب، وَلَا في دُسْتُوره، يَسْمَح لِلْمَسْؤُولِين في دولة المغرب بِأن يَمْنَحُوا جِنْسِيَة المغرب لِأَشْخَاص إِسْرَائِيلِيّين، حَتَّى وَلَوْ اِدَّعَوْا أنهم «مِن أَصْل مَغْرِبِي».

وَمُنْذُ سَنَوَات 1960، وَمُنْذُ أن اِنْدَمَجَ هؤلاء «اليَهُود مِن أَصْل مَغْرِبِي» في إِسْرَائِيل الاِسْتِعْمَارِيَة، والعُنْصُرِيَة، والتَوَسُّعِيَة، وَمُنْذُ أن اِعْتَنَـقُوا المَشْرُوع الصَّهْيُونِي الاِسْتِيطَانِي في فَلَسْطِين المُحْتَلَّة، فَـقَـدُوا قَانُونِيًّا جِنْسِيَتَهُم المَغْرِبِيَة، وَأَصْبَحُوا أَجَانِبَ، بَلْ غَدَوْا مُجْرِمِين، وَأَعْدَاء لِشَعْب فَلَسْطِين، وَلِشَعْب المَغْرِب، وَلِكُلّ شُعُوب العَالَم التَـوَّاقَة لِلحُرِّيَة، والاستـقلال، والديموقراطية، والعَدَالَة، وَحُـقُوق الإِنْسَان.

وَحِينَمَا يَمْنَحُ حُكَّام المغرب «الجِنْسِيَة» المغربية لِإِسْرَائِيلِيِّين، بِدَعْوَى أنهم «مِن أَصْل مَغْرِبِي»، فإنهم لَا يَشْتَرِطُون تَخَلِّيَ هؤلاء اليَهُود المُتَصَهْيِنِين عن جِنْسِيَتِهِم الإسرائيلية، بَلْ يَـقْبَلُون بِأَن يَـبْـقَـوْا مُوَاطِنِين مُجَنَّدِين في خِدْمَة إِسْرَائِيل، وَفي خِدْمَة مَشَارِيعِهَا الاِسْتِيطَانِيَة والاِسْتِعْمَارِيَة. بِمَعْنَى أن حُكَّام المغرب لَا يَرَوْا أَيَّ تَنَاقُض بَيْن حَمْل الجِنْسِيَة الإسرائيلية، وَحَمْل الجِنْسِيَة المَغْرِبِيَة، كأنّ دَوْلَة المَغْرِب تَتَشَابَهُ، أو تَنْسَجِم، مَع دولة إسرائيل.

وَيَشْعُرُ كثيرون مِن مُوَاطِنِي المَغْرِب بهذا «التَطْبِيع» بين دولة المغرب ودولة إسرائيل، كَأَنّ حُكَّام المغرب الحالِيِّين بَاعُوا وَطَنَ المغرب إلى أَمْرِيكَا، وَإلى إسرائيل، مُـقَابِلَ الحُصُول على مُسَانَدَة، أو على حِمَايَة، مَوْعُودَة، لكنّها وَهْمِيَةوَيُحِسُّ بعضمُوَاطِنِي شَعْب المَغْرِبكَأَنّهمتَعَرَّضُوا لِلْخِيَّانَة،وَأَنَّ المَغْرِبَ فَقَدَ اِسْتِـقْلَالَه، وَأَضَاعَ سِيَّادَتَهوأن المَغرب أَصْبَحَ مَحْمِيَة إِسْرَائِيلِية أَمْرِيكِيَة، وَفَرِيسَة مُخْتَرَقَة،وَمُسْتَبَاحَة،مِن طَرَف الشَرِكَات،والمُؤَسَّـسَات، والمُخَابَرَات، التَابِعَةلِلدُّوَل الإِمْبِرْيَالِيَة الغَرْبِيَة،وَلِـإْسْرَائِيل.

ولماذا كُلّ هذا الهَذَيَان السياسي ؟

◊ لأنه لَا تُوجد في قوانين المغرب بُنُود تُـبَرِّرُ المَنْحَ الأُوتُومَاتِيكِي لِلجِنسية المغربية لِمُواطني دولة أجنبية، وَلَوْ كانـت هذه الدولة هي إسرائيل. [وَهُنَا نَدْعُو الأَسَاتِذَة الجَامِعِيِّين المَغَارِبَة، والبَاحِثِين الأَكَادِيمِيِّين، المُتَخَصِّصِين في الـقانون العام، وفي الـقانون الدُسْتُورِي، وَغَيْرِهِمَا، والغَيُورِين على وَطَنِهِم، والمُحِبِّين لِلْعَدَالَة المُجْتَمَعِيَة، إلى التَعْبِير عن آرَائِهِم، وَإِلَى التَعْرِيـف بِاجْتِهَادَاتِهِم، وَإلى نَـقْد هذه الانحرافات الخَطِيرَة، التي يَنْزَلِقُ فيها بعض حُكَّام المَغْرِب، المُنَاصِرِين لِلصَهْيُونِيَة، والمُسْتَلَبِين مِن طرف أَوْثَان الرَأْسَمَالِيَة، والإِمْبِرْيَالِيَة].

◊ ولأنه، حتّى إذا مَا أَسْرَعَ بعض حُـكّام المغرب (المُناصرين لإسرائيل)، فيما بَـعْدُ، إلى وَضْعِ قَوانين جديدة، «تُبيح مَنح الجنسية المغربية لِبعض مُواطني دُوَل أَجنبيّة مِثل إسرائيل»، فإن هذا الإجراء سيكون في تناقض مع مَفَاهِيم «الأُمَّة»،وَ«الدَوْلَة»،وَ«الوَطَن»، و«الشَّعْب»، و«المُوَاطنة»، كما هي مُتَـعَارَفٌ عليها عَالَمِيًّا.

◊ ولأنه لَا يُعقل أن يكون لِشَخص واحد، وفي نفس الوقت، وَلَاءٌ صَادِق، وتَامّ، لِـ «وَطَنَيْن»، هُمَا مُتَبَاعِدَيْن، ومُتَنَاقِضَيْن، واحد منهما هو المَغْرِب المُتَوَاضِع والمُسَالِم، والثاني هو إسرائيل المُتَمَيِّز بِكَوْنِه غَازِيًا، وَمُحْتَلًّا، وَاِسْتِعَمَارِيًّا، وَعُنْصُرِيًّا، وَاِمْبِرْيَالِيًّا.

◊ ولأنه مِن المُستحيل أن يلتزم أي يَهُودِي مُتَصَهْيِن (juif sioniste)، ولو كان مِن أصل مغربي، بالوَلَاء لِـ «وَطَن المغرب» !

◊ ولأن كلّ يهودي صَهْيُونِـي، هو بالضرورة جُنْدِيّ في الجيش الإسرائيلي (بِمَعْنَاه العَامّ)، وَعُضْوٌ فَاعِل في إِحدى أَجْهِزَة دَوْلَة إِسْرَائِيل، وَعَمِيل لِإِحْدَى أَجْهِزَة المُخَابَرَات الإسرائيلية (مثل «المُوسَاد»، أو «الشَابَاك»، أو «الشِينْ بِيتْ»، الخ).

◊ ولأنه كُلَّمَا مَنَحَت دولة المغرب الجِنْسِيَة المغربية لِـ «يَهُودِي إسرائيلي مِن أصل مغربي»، فَإنها تَمْنَحُ في الوَاقِع هذه الجِنْسِيَة المَغْرِبِيَة لِجُنْدِي إِسرائيلي، وَلِعَمِيل في إِحْدَى أَجْهِزَة المُخَابَرَات، أو في التَنْظِيمَات الإسرائيليةوهكذا سَتَكُون دولة المغرب تُسَاعِدُ الغُزَاة الصَهَايِنَة على التَسَرُّبِ داخِلَ وَطَن المغرب، وَتُـعَاوِنُهُم على اِحْتِلَالِه، وَالتَحَكُّم في مَصِيرِه، وَالتَلَاعُب بمَصِيرِهِ، وَالسَطْوِ على ثَرَوَاتِهأَلَيْسَ هذه غَلْطَة سيّاسية ؟

◊ وَلأن مِيزَة إِسْرَائِيل، هي أنها كُلُّهَا كِيَّان عَسْكَرِيّ، وكُلُّهَا مَنْظُومَة عَسْكَرِيَة، وَهَدَفُهَا الوَحِيد، وَالدَّائِم، هُو الغَزْو، والتَوَسُّع، والاِحْتِلَال، والاِسْتِيطَان، والعُنْصُرِيَة، وَالاِسْتِـغْـلَال، والـقَهْر، وَالقَتْل، وَالتَخْرِيب، والتَطْهِير العِرْقِي، وَطَرْد أو إِبَادَة كُلّ الإِثْنِـيَّـات (éthnies) المُخَالِفَة لِلطَّائِفَة اليَهُودِيَة المُتَصَهْيِنَة. وَوَرَاء إِسْرَائِيل، تَخْتَبِئُ الإِمْبِرْيَالِيَّات الغَرْبِيَة. ولَا يَقْدِرُ الحُكَّام العَرَب الرِجْعِيِّين، والمُسْتَبِدِّين، والعُمَلَاء لِلْإِمْبِرْيَالِيَة، على إِدْرَاك هذه الطَبِيعَة المُمَيِّزَة لِـإِسْرَائِيل.

◊ ولأن كل شَخْص إِسْرَائِيلِي، وكلّ يَهُودِي مُتَصَهْيِن، حَتّى وَلَوْ كان مِن أَصْل مَغْرِبِي (أو مِن أَصْل عَرَبِي آخر)، هُوَ بِالضَّرُورَة أَجْنَبِي عَن المَغْرِب، بَلْ هُوَ مِن بَيْن أَعْدَاء شَعْب المَغْرِب، وَمِن ضِمْنِ أَعْدَاء كُلّ شُعُوب العَالَم التَوَّاقَة إلى الحُرِّيَة، والدِّيمُوقْرَاطِيَة، والتَحَرُّر، والعَدْل، والاِسْتِـقْلَال، وَحُـقُوق الإِنْسَان.

◊ وَلِأَنّه، يُمْكِن أن نَجْزِم، أن كُلّ شَخص يُنَاصِرُ إِسْرَائِيل، أو يُنَاصِرُ الصَهْيُونِيَة، وَمَهْمَا كَان دِينُهُ، وَمَهْمَا كَانَت الجِنْسِيَة (nationality)التي يَحْمِلُهَا، هُو عَدُوّ لِكُل شُعُوب العَالَم، وليس فـقط لِشَعْب فَلَسْطِين المَقْهُور. وَعَلَيْه، فَإِن مَنْح جِنْسِيَة المَغْرِب لِأَشْخَاص إِسْرَائِيلِيِّين، أو مُتَصَهْيِنِين، هو تَجْنِيسٌ (بِمَعْنَى مَنْح الجِنْسِيَة) لِـأَعْدَاء شعب المَغْرِب، وَلِـأَعْدَاء بَاقِي شُعُوب العَالَم. فَلَا يَحِقُّ لِأَيِّ قَانُون وَضْعِي، وَلَا لِأَيِّ دُسْتُور، وَلَا لِـأَيَّة إِدَارة مِن إِدَارَات الدولة، لَا في بلاد المَغرب، وَلَا في غَيْرِه، أَنْ يُبِيحَ مَنْحَ الجِنْسِيَة لِأَشْخَاص مِن إِسْرَائِيل، أو مُنَاصِرِين لِلصَّهْيُونِيَة. وَكُلّ مَن يُدَافِع عن عَكْسِ ذلك، فَهُوَ إِمَّا مُرْتَزِق، أَو خَائِن، أَوَ عَمِيل، بَلْ عَدُوّ لِكُل شُعُوب العالم.

◊ زِدْ على ذلك أنه، لَا يُؤمن بِإمكانية وُجُود وَلَاء شخص يَهُودِي مُتَصَهْيِن لِصَالِحِ دَوْلة أخرى غير إسرائيل، سِوَى مَن هُو غَارق في السَّذَاجَة، ولا يَفْـقَهُ شيئًا في السياسة العَامَّة، وَلَا في الصِّرَاعَات الجارية في الواقع العَالَمِي الحَالِي.

◊ وَزِدْ على ذلك، أن «مُوَاطِنِي» الكِيَان الإسرائيلي تَلَـقَّوْا تَكْوِينَات مُتَعَدِّدَة وَمُتَنَوِّعَة، تَـفُوق بِدِقَّتِهَا، وَجَوْدَتِهَا، وَعُدْوَانِيَتِهَا، التَكْوِينَات التي يَتَلَـقَّاهَا عَادَةً «مُوَاطِنُو المغرب» المُضْطَهَدِين، والمَحْرُومِين مِن أَيّ تَكْوِين أو تَـثْـقِـيـف عُمُومِي رَزِين.

◊ وَزِدْ على ذلك أن «مُوَاطِنِي إِسْرَائِيل» هُم مُنَظَّمُون في عِدّة تَنْظِيمَات مُتَـعَدِّدَة وَمُتَنَوِّعَة، سِرِّيَة وَعَلَنِيَة، مُتَرَابِطَة وَمُتَكَامِلَة، بينما «مُوَاطِنِي المَغْرِب» هُم مَقْمُوعُون، ومُضْطَهَدُون، وَمُشَتَّتُون، وَمَمْنُوعُون مِن حَقِّ التَنْظِيم السِيَاسِي، وَمِن مُجْمَل بَاقِي الحُقُوق السياسية. حيث يَبْقَى «مُوَاطِنُو المَغْرِب» مُتَـفَـرِّقِين كَأَفْرَاد، وَضَعِيـفِين، وَمَغْلُوبِين، بَيْنَمَا الإِسْرَائِيلِيُّون يَتَحَرَّكُون كَدَوْلَة مُوَحَّدَة، وَكَجَيْش مُوَحَّد وَمُنْضَبِط، وَكَتَنْظِيمَات إِسْرَائِيلِيَة سِرِّيَة مُحْكَمَة. وفي مثل هذا الإِطَار، سَيَهْزِمُ حَتْمًا الإسرائيليّون («مِن أَصْل مَغْرِبِي») بَاقِي «مُواطني المغرب» غَيْر المُنَظَّمِين، أو المُتَـفَرِّقِين، وذلك في جميع المَيَادِين. وهكذا، سَيُصْبِح «مُوَاطِنُو المَغْرِب» يَشْتَـغِلُون كَمُسْتَـغَـلِّين، أو كَـعَبِيد، لَدَى «إسرائيليّين من أصل مَغربي». وهكذا فَإِنَّ تَـفْـعِيل «التَطْبِيع» مع إسرائيل غَبَاء سياسيا.

◊ وَكُلُّ مَنْ يَسْمَحُ لِـأَشْخَاص يَحْمِلُون جِنْسِيَة إسرائيل بِالدُخُول إلى المَغْرِب، وَيَمْنَحُهُم الجِنْسِيَة المَغْربية، وَيُعْطِيهِم حُقُوق الجِنْسِيَة المغربية، فَهُوَ «كَمَنْ يُدْخِلُ ذِئَابًا في حَظِيرَة غَنَم». حَيْثُ أن هؤلاء الإسرائيليّين، المُكَوَّنِين تَكْوِينًا دَقِيقًا، سَيُنَافِسُون، وَسَيَسْحَـقُون المُوَاطِنِين المَغَارِبَة، في جَمِيع الميادين الاقتصادية، والصِنَاعِيَة، والتِجَارِيَة، والخَدَمَاتِيَة، والبَنْكِيَة، والمَالِيَة، وَالمُخَابَرَاتِيَة، والتَجَسُّـسِيَة، والاِعْلَامِيَة، الخ.

◊ وَزِدْ على ذلك أنه، إذا مَنَحَت السُلُطَات السِيَاسِيَة في المَغْرِب، الجِنْسِيَة المَغْرِبِيَة «لِلْإِسْرَائِيلِيِّين مِن أَصْل مَغْرِبِي»، فَمِن المُحْتَمَل أنهاسَتَجُودُ عَلَيْهم أَيْضًا بِحُـقُوق وَاِمْتِيَّازَات إِضَافِيَة خَارِقَة، تَجْعَلُهُم فَوْقَ الـقَانُون المغربي، وَفَوْقَ المُرَاقَبَة، وَفَوْقَ المُحَاسَبَة، وَفَوْقَ المُوَاطِنِين المَغَارِبَة البُسَطَاء.

◊ وَ يَتَسَابَـقُ بعض المسؤولين في دولة المغرب، وَيَتَهَافَتُون، لِتَـقْدِيم اِمْتِيَازَات خَارِقَة إلى «إسرائيليّين مِن أصل مغربي»، وَيُعَامِلُونَهُم كَضُيُوف مُمْتَازِين، وفي نَفْس الوَقْت، يَتَشَدَّدُ هؤلاء المسؤولين في دولة المَغْرِب في حِرْمَان المُوَاطِنِين المَغَارِبَة مِنْ حُـقُوق المُوَاطَنَة، وَلَوْ كَانَت هذه الحُـقُوق مَنْصُوص عليها في دُسْتُور البِلَاد.

◊ وَهَكَذَا فإن النظام السياسي الـقائم في المغرب، بِمَا يُمَارِسُه مِن اِسْتِبْدَاد، وَاضْطِهَاد، وَقَمْع، يُحَوِّلُ المُوَاطِنِين المَغَارِبَة إِلى أَجَانِبَ مَقْهُورِين دَاخِلَ وَطَنِهِم، وَيَـقْلِبُ الأَجَانِب الإسرائيليّين، والمُسْتَغِلِّين الغَرْبِيِّين، إلى مُواطِنِين مَغَارِبَة، أَصْحَاب حُقُوق مُدْهِشَة، وَذَوِي اِمْتِيَّازَات خَارِقَة، لَا تَحُدُّهَا لَا أَعْرَاف وَلَا قَوَانِين.

◊ وحتّى إذا اِفْتَرَضْنَا جَدَلًا، إِمكانية وُجود أشخاص يَهُود، يَحْمِلُون «جِنْسِيَة مُزْدَوَجَة»، إسرائيلية ومغربية، ويَحْمِلُون وَلَاءًا مُزْدَوَجًا لِإسرائيل ولِلمغرب، فإن هؤلاء الأشخاص سَيُـفَـضِّلُون في كلّ حِين، وَبِدُون أَدْنَى تَرَدُّد، خِدْمَة إسرائيل على خِدْمَة المغرب. ولماذا؟ لأن العَقِيدة الصَّهْيُونِيَة مَبْنِيَة على أساس أَيْدِيُولُوجِيَة دِينِيَة مُتَطَرِّفَةوَمُقَدَّسَة. وَلِأَن إِيمَان هؤلاء الأشخاص بالصَّهْيُونِيَة يجعلهم يُـفَضِّلُون دَائِمًا خِدْمَة المشاريع الصهيونية الاستعمارية على أيّ شيء آخر.

◊ والعالم كله يعرف، ومنذ زمان، أن كل يهودي مُناصر للصهيونية، يُصبح بالضرورة مُجْبَرًا على العمل كَجُنْدِي مُجَنَّد لِخِدْمَة الأجهزة العَسْكَرِيَة أو المُخابراتية الإسرائيلية (المُوسَاد، الشَابَاك، الشِينْ بِيتْ، الخ)، وَلِخِدمة الدولة الإسرائيلية وَجَيْشِهَا. والاعتـقاد بِعكس ذلك هو جَهْل فَظِيع، أو سَذَاجَة سياسية.

◊ وَبَعْدَ «تَطْبِيع» دولة المَغْرِب مع إسرائيل، يَزْعُم بعض المسؤولين في دولة المغرب، أن «مَوْقِف الدّولة المغربية القَدِيم تُجَاهَ الشَّعْب الـفلسطيني لم يَتَـغَيَّر». بينما في الواقع، يَسْتَحِيل الجَمْع بين مُتَنَاقِضَيْن، هما من جهة أُولَى مُسَانَدَة الشعب الـفَلَسْطِينِي المُسْتَـعْمَر، والمَقْهُور، وَمِن جِهَة ثَانِيَة «تَطْبِيع» العَلَاقَات مع إسرائيل المُسْتَعْمِرَة، والظَّالِمَة.

◊ وَإِذَا مَا قَامَ النظام السياسي بالمغرب، بِسَخَاء مُصطنع، في مَنْح الجنسية المغربية لبعض «الإسرائيليِّين مِن أَصْل مَغْرٍبِي»، فإنه لَا يُوجد في مَنح هذه «الجِنْسِيَة المُزْدَوَجَة» لِـ «إسرائيليّين من أصل مغربي» أيّ إجراء مُتَبَادَل (réciprocité). وهذه الرَّغبة المُتَهَافِتَة في منح اِمْتِـيَّاز حَمْل الجنسية المغربية إلى «إسرائيليّين من أصل مغربي»، تُخْـفِي وَرَاءَهَا وَاقع حِرْمَان أبناء الشعب الفلسطيني مِن حَمْل أيّة جِنْسِيَة مَهْمَا كَانت، لَا الجِنسية الإسرائيلية، ولَا الجِنسية الـفلسطينية، وَلَا الجِنْسِيَة المَغْرِبِيَة ! لأن الكِيَّان الإسرائيلي الصَّهْيُونِي اِسْتَعْمَرَ وَطَنَ الفلسطينيّين، وطردهم منه، وَمَـنَـعَ عليهم حمل أية جِنسية، سواءً كانت جِنسية الكِيَّان الإسرائيلي، أم الجنسية الفلسطينية. وإذا كان النظام السياسي في المغرب مُتحمِّسًا لِمَنْح «الجِنسية المغربية» لبعض «مُواطِنِي إسرائيل»، فَمَنْ يَتَـفَضَّل بِمَنْح أيّة جِنسية كَانت لِلفلسطينيّين، المَنْزُوعِين مِن وَطَنِهِم ؟ وَمَنْح الجِنسية المغربية لِـ «مواطنين إسرائيليّين مِن أصل مغربي»، هو تَـكْـرِيـسٌ لِـحِـرْمَان الفلسطينيّين مِن أيّة جِنْسِيَة ! أو بِعِبَارَة أخرى، سَتُصْبِحُ هكذا دولة المغرب شَرِيكَة في اِرْتِكَاب الجَرَائِم التي يَقُوم بها الكِيَّان الصَهْيُونِي ضدّ الشعب الفلسطيني. ويمكن قـول نـفس الشيء عن أيّة دولة أخرى في العالم تُطَبِّعُ علاقاتها مع إسرائيل.

فَيَتَّضِح إِذَنْ مِمَّا سَبَـقَ، أن كُلُّ مَن «يُطَبِّعُ» عَلَاقَاتِهِ مع إِسْرَائِيل، يُصْبِحُ هُو نَفْسُه مُتَصَهْـيِـنًا (sioniste)، وَعَدُوًّا لِلْفَلَسْطِينِيِّين، وَشَرِيكًا في تَنْفِيذ، أو في مُسَانَدَة، الجَرَائِـم الجَسِيمَة التي تَرْتَكِبُهَا إسرئيل، والتي تَتَجَلَّى في غَزْو، وَاحْتِلَال، وَاسْتِعْمَار، وَاسْتِيطَان، أرض فَلَسْطِين وَمَا جَاوَرَهَا، وَتَقْتِيل الـفَلَسْطِينِيِّين، وَتَهْجِيرِهِم، وَتَهْدِيم بُيُوتِهِم.

فعلى مَن يضحك أولئك الحُكَّام في المَغْرِب، الذين يريدون أن يفرضوا على شعب المغرب، «التطبيع» مع إسرائيل؟

(1) رابط كتاب رحمان النوضة، نقد الصهيونية”، نشر 2017، الصفحات 65، الصيغة 12https://livreschauds.wordpress.com/2017/08/07/نَـقْد الصَّهْيُونِيَة/

Visited 18 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

رحمان النوضة

كاتب وناشط سياسي مغربي