رحيل الفنان السينمائي والتشكيلي المغربي أبو الوقار
السؤال الآن
الموت يطاردنا كل لحظة، كل صباح تصل أخبار قصفه للأعمار بالجملة والمفرق، يزهق أرواحا ويخمد أنفاسا ويحيل أجسادا تنبض بالحياة إلى جثث هامدة برسم المدافن والذكريات والنسيان. مع انتشار الانترنيت أصبح الاعتقاد أن أعظم المصائب، وهو الموت، صارت آليته أشد فتكا وأقوى سرعة ودورانا، فكل يوم لا يمضي دون أن تجتاح صفحات مواقع التواصل الاجتماعي أخبار نعي بلا عد ولا حصر، تعلن وفاة أحباب وأصدقاء وأقرباء يرحلون تباعا.. يتركون وراءهم في القلوب جراحا غائرة لا تندمل، وفي الذاكرات صورهم الموشومة بالألم والفقدان.
هي جدولة الموت.. يجزئ النهايات على دفعات، كما كتب مرة جبران خليل جبران: “كلَما غادرنا حبيب مات جزء منا، وكلما قُتل حلم من أحلامنا مات جزء، فيأتي الموت الأكبر ليجد كل الأجزاء ميتة، فيحملها ويرحل”.
بعد رحيل الفنان الكوميدي نور الدين بكر بالدار البيضاء عن عمر يناهز السبعين، والمخرج السينمائي المصري علي عبد الخالق، والصحفي والكاتب العراقي سلام شماع (67 سنة)، يصل نعي الفنان التشكيلي والسينمائي المغربي محمد أبو الوقار (76 سنة) الذي توفي بروسيا التي اختار العيش فيها منذ سنوات إلى جانب عائلته الروسية.
أنجز أبو الوقار مجموعة أفلام قصيرة، واشتهر أكثر بفيلمه الروائي الطويل “حادة” (1984)، الذي نال عدة جوائز مختلفة، منها أربع جوائز بأحد مهرجانات الفيلم المغربي، ضمنها جائزة عن السيناريو الذي كتبه أستاذه في اللغة العربية في مرحلة الثانوي المسرحي محمد مشعل.، وقد أثار الفيلم ضجة لدى عرضه، واعتمد فيه على قصّة فتاة تعرّضت للاعتداء، حيث تروى الحكاية على خلفية تشكيلية تقوم على علاقة اللون بالوعي واللاوعي.
يكاد يكون محمد أبو الوقار أحد المخرجين العرب القلائل الذين اهتموا بتقديم تاريخ وأثر الفن من خلال العمل السينمائي. كما نظم معارض لأعماله التشكيلية، وصدر عنه قي سنة 2016 كتاب فني عن منشورات “غاليري أتولييه 21″، بعنوان: “محمد أبو الوقار: شغف الحلاج”، شارك في إنجازه كل من الناقد الفني عزيز الداكي والكاتب الروائي كبير عمي، إضافة إلى الصحفي والكاتب محمد جبريل صديقه من أيام الدراسة في موسكو السوفياتية.
تنتمي أعمال أبو الوقار التشكيلية إلى عالم من الفانتازيا القاسية والمكتظة بالشخصيات والرموز المستعارة من الثقافة العربية والتي يقوم بإعادة تشكيلها وفقاً لمنظوره الخاص.
أخرج أبو الوقار أفلاماً وثائقية حول الفن التشكيلي جمع بعضها بين المسرح والشعر والتشكيل، وسعى إلى توظيف تقنيات فن الفيديو والصورة الفوتوغرافية في مراحل متأخّرة من تجربته، فأقام معارض فوتوغرافية إلى جانب معارض لأعماله التشكيلية.
درس الراحل محمد أبو الوقار الإخراج السينمائي في “المعهد العالي للسينما” في موسكو، الذي تخرج منه سنة 1973، ثم التحق بالعمل في “المركز السينمائي المغربي”، لكن سرعان ما عاد إلى موسكو للعمل في “استوديوهات غوركي”، قبل أن ينسحب من السينما ويتفرّغ للتصوير وفن الفيديو والرسم.
على صفحتها بالفيس بوك نشرت ابنته آسيا أبو الوقار كلمة باللغة الروسية، جاء فيها “وفاة الأب يوم الفاتح من سبتمبر.. أجد صعوبة بالغة في إدراك وفهم ما حدث، فوالدي كان هو الكون بالنسبة لي.. قبل ستة ايام دخل في غيوبة، وقبيل ساعات قليلة من وفاته، بعد أن تغلب على عسر النطق المتطور وكسر الارتباك، تمكن والدي من أن ينطق بكلمة “أحبك”..
كان واضحا أن هناك الكثير من القوة في هذه الكلمة لرجل يحتضر، لدرجة أن الأمر أصبح واضحًا جدًا. هذا شعور معبر عنه وهناك شيء تقف عليه الحياة… وبالطبع هذه الكلمات موجهة إلى جميع أبنائه وإلى الأحفاد الذين أحبهم كثيراً.. لقد كان سموحا متسامحا.. ولم تكن لديهم ضغينة لأحد أبدًا … لم يحمل أبدا شرًا لأحد في قلبه… وفي تلك اللحظة فقط كنت هناك…
قد تجد روحك يا أبي التحرر من القلق والمخاوف والآلام التي كانت في الحياة الأرضية… سنتذكر النور والفرح والطاقة واللطف والعمق الذي كنت تمنحنا إياه دائمًا…
أحبك يا أبي… نحن نحبك”.
في اليوم الموالي من وفاته تمت مراسيم تشييعه في مقبرة روسية بجانب والدته في مقبرة إلكتروستال الجديدة.
تختم آسيا أبو الوقار نعي والدها الفنان:
“كل من أحب أبي وأتيحت له الفرصة، ننتظره في لقاء تذكاري الساعة 12.00 في كراسنايا، 44 (مقهى كارافيلا)“.