تصريح الرئيس المصري والقراءات التي يحتملها
عبد السلام بنعيسي
أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في حوار له مع وكالة الأنباء القطرية، على حتمية استعادة عدد من المبادئ والمفاهيم في منطقتنا العربية، في مقدمتها التمسك بمفهوم الدولة الوطنية، والحفاظ على سيادة ووحدة أراضي الدول، وعدم التعامل بأي شكل من الأشكال مع التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة، وفي المقابل دعم الجيوش الوطنية والمؤسسات العسكرية)، وأشار إلى أهمية (تعزيز سلطة المؤسسات المركزية لعدم ترك أي مساحة أو فراغ لأي قوى خارج هذا الإطار للعبث بمقدرات الدول العربية وشعوبها، وغلق الباب أمام أي تدخلات خارجية).
كلام الرئيس المصري يحتمل قراءات متعددة، ويمكن إخضاعه لتأويلات متباينة. ففي متناول كلُّ طرف أن يقاربه من الجهة التي تروقه. فإذا كان عبد الفتاح السياسي يلحُّ على التمسك بمفهوم الدولة الوطنية، والحفاظ على سيادة ووحدة أراضي الدول، فإن الأسئلة التي تفرض نفسها في هذا الباب هي، ماذا فعلت الدولة المصرية إزاء شقيقتها الدولة السورية؟ لماذا لم تتحرك الدبلوماسية المصرية وتنفتح على سورية، وتعمل على إعادتها للجلوس في مقعدها في الجامعة العربية؟ ما المانع من ذلك؟ ولمصلحة من استمرار عزل سوريا عن محيطها العربي؟ أليست سورية دولة مؤسسة للجامعة العربية؟ ألم تخض القوات السورية كل الحروب العربية من أجل تحرير فلسطين؟ ألم يمتزج الدم السوري بنظيره الدم المصري في معارك بطولية خاضها جيشا البلدين دفاعا عن قضايا الأمة العربية؟؟
إذا كانت مصر تؤمن حقا بضرورة الحفاظ على سيادة ووحدة أراضي الدول العربية، فإن الدولة العربية التي تتكالب عليها حاليا قوى عالمية متعددة لتفتيتها وتجزئتها، وتجريدها من سيادتها، هي سورية، وكان يتعين على الدبلوماسية المصرية أن تجعل من قضية عودة سورية إلى عالمها العربي قضية مركزية في كل تحركاتها، وأن تسعى لإقناع باقي الدول العربية التي تتلكأ في هذا الاتجاه، بالتخلي عن تلكؤها وأن تساند هذه العودة وتباركها.
حين لا تقرن القاهرة الأقوال بالأفعال، ولا تنشط دبلوماسيا وإعلاميا من أجل إنجاز الغرض التي تُصرِّحُ بأنها تصبو إليه، يكون كلامها بلا مفعول ولا إنتاجية، يصبح كأنه كلام يقال من باب رفع العتب، أو قد يفسر، كأنه مساومة للحصول، من خلاله، على منافع ومكاسب مادية، من الجهات الرافضة لعودة سورية إلى الجامعة العربية.
تصريح الرئيس المصري كان لفائدة وكالة الأنباء القطرية، أثناء زيارته لقطر، وكما يعلم الرأي العام العربي، فإن دولة قطر كانت مُساهِمةً بشكل كبير، بالمال والإعلام من خلال قناتها الجزيرة، في الحرب الأهلية الطاحنة التي عاشتها سورية، فرئيس دبلوماسيتها السابق صرّح لوسائل التواصل الاجتماعي، إن الدول الخليجية أنفقت في الحرب التي كانت رحاها تطحن الشعب السوري ما يفوق 2000 مليار دولار، فهل تمكن عبد الفتاح السيسي من إقناع القطريين ومعهم الخليجيين بضرورة رفع أيديهم عن سوريا، وتركها تلملم جراحها، لتستعيد عافيتها وتتمكن من لعب دورها القومي العربي كما ظلت تلعبه في العقود السابقة، والخطوة الأولى في هذا الاتجاه هي إعادتها للجامعة؟؟؟
لقد باتت الحالة السورية في عالمنا العربي بمثابة المعيار الذي يتميز بواسطته الحقُّ من الباطل، فالنظام العربي الذي يعارض عودة الدولة السورية إلى الصف العربي، فإنه يعبث بحاضر ومستقبل الأمة العربية، فالدولة السورية دولة محورية في خريطة المشرق العربي، والاستمرار في عزلها، بات فعلا عبثيا لا شيء يرجى منه عدا مباركة استمرار معاناة الشعب السوري… فحتى الذين يصرون على التمسك بعزل سورية يدركون أن عزلهم لها لن يؤدي إلى إسقاط النظام الحاكم فيها. فها هي تركيا أردوغان التي كانت من ألذ أعداء الرئيس السوري بشار الأسد، وعملت كل ما في وسعها لإسقاطه، تهيئ رأيها العام لإعادة علاقاتها الدبلوماسية مع سورية، في اعتراف منها بفشل سياستها تجاه الدولة السورية.
لو أن الدبلوماسية المصرية عملت على إقناع الدول الخليجية بإعادة سورية إلى الجامعة العربية لحقَّ لأبناء منطقة المغرب العربي أن ينتظروا منها التحرك بهِمَّةٍ ونشاط للمساعدة على طي الخلافات القائمة بين دوله، والضغط من أجل الحفاظ لهذه الدول على سيادتها ووحدة أراضيها، لكن، عندما تصوم مصر عن فعل أي شيء لسورية التي تتقاسم وإياها تراثا نضاليا واحدا وتضحيات هائلة مشتركة، يكون من الطبيعي ألا ينتاب أبناء المغرب العربي الشعور بالحماس والتصديق لتصريحات مسؤوليها التي تعدهم فيها بالدفاع عن وحدتهم الترابية.
لا يمكن لأي عربي إلا أن يبارك قول الرئيس المصري الذي يدعو فيه إلى (دعم الجيوش الوطنية والمؤسسات العسكرية) وأن يوافق على دعوته (عدم التعامل بأي شكل من الأشكال مع التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة، وغلق الباب أمام أي تدخلات خارجية). لكن الخوف هو أن يكون المقصود بالتنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة: حزب الله اللبناني، والحشد الشعبي العراقي، والحوثيين في اليمن، وأن يكون التصويب على التدخلات الخارجية، يستهدف القوات الإيرانية الموجودة في سورية بطلب من دولتها، فحسب، دون الحديث عن القوات الأمريكية، والفرنسية، والبريطانية التي تعيث فسادا في سوريا، والعراق، واليمن، وفي عموم الجغرافية العربية.
تصرفات النظام الرسمي العربي الحالي، في الواقع العربي، تدفعنا للقلق، والتشاؤم، والشك في كل ما يصدر عنه، من تصريحات، ومن وعود، ومن قرارات، إنها بمثابة أوهام يتم ترويجها وسط الجمهور بغرض، تسكينه، وإلهائه، واللعب بعقله…