لماذا انتصر جورج طرابيشي للاستبداد؟ (2/1)

لماذا انتصر جورج طرابيشي للاستبداد؟ (2/1)

لحسن أوزين

لم يكن من السهل علي تجنب هذا السؤال أو القذف به في دهاليز النسيان، لقد حاولت بما فيه الكفاية غض نظر التفكير عنه وحشره في دائرة المستحيل التفكير فيه، بنوع من العجز المتعلم، وذلك بتخيل فرضيات معرفية وعلمية تفوق تمكني العلمي واقتداري المعرفي، وهكذا عالجت قلق هذا السؤال بالية إيقاف التفكير بشأنه بشكل موضوعي، بناء على متخيل تلك الفرضيات التي هي أقرب الى المسلمات الحاسمة والنهائية. إلا ان السؤال كانت له سيرورة أسئلته الخاصة لذلك كان يفاجئني بشكل ساخر متحديا شرط الذاتي في التحكم في إرادة المعرفة وإنتاج الكتابة في أبسط مستويات تجليها الفكري والنقدي، لذلك بدأت عملية الاهتمام والبحث تأخذ مجراها المستقل في البناء والتكون والتطور عبر التمحيص النقدي وإعادة النظر الجذري في المكتسب المعرفي مع اغناء وتوسيع قراءتي بما يسمح لي بفهم ومقاربة إشكالية طرابيشي في انتصاره “لعنف استبداد البنية الثقافية الاجتماعية التاريخية الحاضنة لابن خلدون” ضد “ديمقراطية البنية الثقافية الاجتماعية التاريخية لأثينا”.

الامر يتعلق هنا بالمنهجية النقدية بشكل عام التي يستعملها طرابيشي في ممارسته نقد النقد، ويتعلق بشكل خاص وهذا ما نريد ان نتحدث فيه بمناقشة طرابيشي في الجزء الأول نظرية العقل من مشروعه النقدي لمقالة الجابري ” نظرية ابن خلدون في الدولة العربية”، وذلك انطلاقا من الصفحة 307 إلى الصفحة 344.

وافترض في التحليل الذي أقوم به في هذا النص انني أتحاور مع قارئ طرابيشي، الشيء الذي سيعفيني من الاستشهاد المطول بنصوص الأستاذ الناقد طرابيشي.

أولا السؤال النقدي بين جهد الناقد وصبر القارئ

يبدو السؤال النقدي في مقدمة كتاب طرابيشي “نظرية العقل” عميقا جدا على مستوى الطموح الذي سعى اليه، من خلال الجهد الكبير الذي قام به انسجاما مع ما تتطلبه المقاربة المنهجية لممارسة نقد النقد، حيث يقول ” استغرق مني الاعداد لهذا  العمل، على شيء من التقطع، ثماني سنوات. فقد كان علي ان اقرأ لا كل ما كتبه الجابري ولا كل ما قرأه أو صرح أنه قرأه فحسب بل كذلك ما لم يصرح أنه قرأه وما كان يفترض انه قراه أي التراث اليوناني بجملته والتراث الأوربي الفلسفي والعقلي في طوريه الكلاسيكي والحديث فضلا عن التراث العربي الإسلامي الفلسفي أساسا ولكن التاريخي والفقهي والكلامي والنحوي على الأقل في اصوله ومراجعه الأمهات.”1 فهذا الكلام يبين الى أي حد كان الناقد واعيا بجسامة المسؤولية التي تفرضها معرفيا وابستمولوجيا المقاربة العلمية المنهجية لنقد النقد، على مستوى ضرورة الالمام الواسع والاحاطة الشاملة والفهم العميق لكل ما يتعلق بمشروع الجابري في أسسه ومرجعياته وفي اطار اشكالياته ونتائجه. وتحقيقا لهذا الوعي النقدي  طرح مجموعة  من الأفكار في صورة أهداف مؤسسة لمشروع نقد النقد، وهو في ذلك لا يكتفي في طموحه بالنقد في صورته التفكيكية بل يأمل أن يتخطاه الى إعادة البناء.

” ان المشروع طردا مع تقدمه ما كان له ان يكتفي بالتفكيك بل كان عليه أيضا كأي مشروع نقدي طالب للمشروعية الابستمولوجية فضلا عن الجدوى الأيديولوجية ان يعيد البناء. ذلك ان مكمن القوة والخطورة معا في خطاب الجابري انه يعرض نفسه او يفرضها بالأحرى على متلقيه من خلال شبكة من الإشكاليات. والحال ان كل نقد يكتفي بمناقشة نتائج الإشكاليات يبقى اسيرا لها. فالمطلوب قبل دحض النتائج تفكيك الإشكاليات نفسها. فأسئلة الجابري لا أجوبته هي الملغومة.” 2

فهل استطاع طرابيشي ان يصل الى مستوى تلك الأهداف الطموحة التي يتطلبها السؤال النقدي في ممارسة نقد النقد؟

 أعتقد حسب قراءتي البسيطة لكل ما كتبه طرابيشي في مشروعه النقدي حول نقد العقل العربي للجابري انه مفكر كبير انجز موسوعة عظيمة تبين بشكل واضح الاطلاع الواسع والعميق الذي يؤكد عن جدارة واستحقاق مدى الجهد العلمي الذي بذله الناقد طرابيشي في مشروعه النقدي. الا انني أرى، باستثناء، من اسلام القران الى اسلام الحديث، ان السؤال النقدي في هذا المشروع الطموح لم يرق الى مستوى الأهداف التي سطرها الناقد، حيث لم يعمل على تفكيك الإشكاليات بالمعنى التفكيكي أي القطع والتجاوز نحو التأسيس الابستمولوجي للاشكاليات العلمية  المنفتحة على سيرورة السؤال النقدي، بل اكتفى بالاشتغال توسيعا واغناء ضمن ما طرحه الجابري من اشكاليات في منطلقاته الفكرية المعرفية وفي ادواته والياته المنهجية.   فالناقد طرابيشي قبل بالأرضية التي اشتغل في اطارها الجابري واختزل مفهوم التفكيك في تصريف الجهد الفكري المعرفي والبحث الموسوعي الرائع الذي قام به في التمرس على البحث عن الألغام قصد تفكيكها ثم إعادة البناء انطلاقا من أرضية الإشكاليات  نفسها باعتماد الية واحدة ووحيدة هي الية ما يسميه طرابيشي نقلا عن الجابري الية الحضور والغياب، وهي الية تستهدف التوسع والاغناء بنوع من الإيحاء النقدي الذي لا يقترب الى التأسيس العلمي والمنهجي للسؤال النقدي الذي تتطلبه الممارسة النقدية، وهي تنتج اختلافها في الأسس والمنطلقات النظرية والمفاهيمية، و في موقع زاوية نظر الرؤية لإستراتيجية الكتابة التفكيكية النقيضة.

ثانيا آلية الحضور والغياب

“وما دام الجابري يقيم بين العلم والسحر علاقة تضاد وتنافس فليس يصعب علينا ان نتكهن بطبيعة جدول الحضور والغياب الذي يعتمده في تمييزه التفاضلي بين حضارات العقل وحضارات اللاعقل. فهو فيما يتعلق بالثلاثي الحضاري الذي يكيل له المديح وينسج حوله اسطورة ابستمولوجية ذهبية فإن كل علامات الزائد+ يضعها في خانة العلم وكل علامات الناقص- يضعها في خانة السحر. وما دمنا من جهتنا بصدد مشروع  لنقد النقد فليس امامنا مناص من ان نضع بدورنا جدولا للحضور و الغياب ولكن بعد ان نعكسه. فبدون ان ننكر وجود قطاع ضيق او عريض للسحر حسب الحالات في حضارات اللاعقل فإن كل تركيزنا سيكون على الخانة العلمية الموجبة. وبدون ان ننكر وجود قطاع مواز للعلم في حضارات العقل فإن كل تركيزنا سيكون على الخانة السحرية السالبة. بعبارة أخرى اننا سنحضر ما يغيبه الجابري وسنغيب ما يحضره لا لنعكس العلاقة بين حضارات العقل و اللاعقل بل لنؤكد انتماءها جميعا الى نمط متماثل ومشروط تاريخيا من العقلانية ما كان يدرج السحر في عداد اللامعقول ولا كان يحصر نطاق المعقول بالعلم وحده نظير ما تفعل الحضارة الحديثة”. 3

إننا لسنا امام ممارسة نقدية تؤسس اختلافها انطلاقا من مسافة نقدية تبتعد عن معاودة الإنتاج، بل هي تعمل على تكريس المضمون الفكري نفسه والاشكاليات ذاتها بنوع من الاغناء ذي الطموح الموسوعي. لنرى مثلا انطلاقا من هذا النص، وعلى امتداد صفحات كثيرة من كتاب نظرية العقل، كيف يناقش طرابيشي إشكالية التفكير بالعقل والتفكير في العقل، فهو لا يرفض الأرضية الفكرية والابستمولوجية التي تنهض عليها الإشكالية بقدر ما يحتج بنوع من الشكلانية النقدية على قصر النظر النقدي الذي يمارسه الجابري في طريقة تفكيره في التوظيف المركزي الاثني لنظرية العقل، وهو يتناول بالتحليل النقدي الإشكالية المذكورة سابقا وفق الية  الحضور والغياب، لذلك يرى الناقد طرابيشي  ضرورة التوسيع والاغناء بما يضمن عمق بعد النظر المتجاوز للتمركز حول الذات الشبيه بالنزعة الاستشراقية الكولونيالية. فهل هذا هو معنى التفكيك الذي يمارسه طرابيشي في البحث عن ألغام أسئلة الجابري؟

فبعد ان يذهب بعيدا في جميع الاتجاهات استجابة لجدلية الحضور والغياب تعميقا وتوسيعا واغناء لإشكالية الجابري، وهو جهد عظيم لا نقلل من قيمته، بل أعترف بأنني لست في مستوى كفاءة أستاذي المفكر و الناقد طرابيشي في هذا المجال من الاطلاع الواسع، يصل في النهاية الى نوع من الخلاصات التي تؤكد النتائج نفسها التي وضعها الجابري، بعد ان يتناولها طرابيشي بشكل علمي موضوعي أخذا بعين الاعتبار الشروط التاريخية والمادية. ” وعندما يؤكد الجابري من باب التبخيس الحضاري ان البابليين او المصريين القدامى لم يمارسوا التفكير في العقل فإن ما يسكت عنه وما يغيبه عن وعي قارئه هو ان ذلك من مستحيلات التاريخ بالنسبة اليهم. وهو لا يثبت بتطبيقه إشكالية التفكير في العقل أو عدمه على تلك الشعوب نقصا او عجزا ما تكوينيا في بنيتها العقلية والتفكيرية بقدر ما يثبت صدوره هو نفسه عن ” لا مفكرفيه” وهو المشروطية التاريخية والمادية بل والتقنية إن جاز التعبير لفعل التفكير النظري من حيث ارتباطه أداتيا بفعلي الكتابة والقراءة.”4  ويقول أيضا ” عندما نقيم علاقة التلازم هذه بين الكتابة والعقل نكون مضطرين ضرورة الى تبرئة ذمة جميع الشعوب القديمة التي ما كان لها ان تدشن ” حضارة اللغوس” من حيث ان اللغوس هو بالتعريف عقل مكتوب ما دامت أعطت عطاءها الحضاري قبل اكتشاف الكتابة الأبجدية.”5  وكأنه  يؤكد في الأخير مدى “صواب علمية” جدول الحضور والغياب الذي أنجزه الجابري.

 وبعد هذا يتساءل القارئ ما جدوى من ذلك التوسع والاغناء اذا كنا ننطلق من الإشكاليات الملغومة نفسها و نصل الى تأكيد  الخلاصات  والنتائج ذاتها التي يبلورها التحليل النقدي للجابري انطلاقا من اشكالياته؟

 هكذا يعود من حيث يدري او لا يدري الى تعزيز وتدعيم إشكاليات الجابري، بل اكثر من ذلك يكشف لقارئه مدى بعده عن الأهداف الطموحة التي سطرها في مقدمة كتابه، والى أي حد تورط في إشكاليات الجابري اثراء وتوسيعا لا تفكيكا ونزعا لألغام أسئلتها الاسرة. وغالبا ما كان السؤال النقدي هو الغائب الأكبر في الية الحضور والغياب هذه، وقد تم اختزاله في معظم الصفحات في أخلاقيات البحث العلمي المرتبطة بمسألة الضبط و التوثيق العلمي للشواهد والمراجع والمصادر. والغريب في الامر ان يسقط هو نفسه في المشكلة ذاتها وبشكل مضاعف مما يسيء الى جهده النقدي. ففي الجزء الأول من مشروعه النقدي ” نظرية العقل ” يتبنى بشكل واضح أطروحة فستوجيير حول” افول العقلانية اليونانية” بدون ان يشير من قريب او من بعيد الى مصدر هذا الكلام. ” ان اول ما يمكن ان نميز به العقل اليوناني على ما يتراءى لنا هو انه عقل استفاد من سانحة تاريخية استثنائية تمثلت بغياب دين منظم وسائد فاستطاع من خلال معركة سهلة نسبيا مع الميتوس ان يؤسس نفسه في لوغوس. ولكن بالنظر الى انسداد الأفق التاريخي والى عدم إمكانية تطور علم على نحو ما سيعرفه عصر النهضة الأوربي فقد راح اللوغوس يدور على ذاته ويأكل نفسه ويتحول الى ضرب جديد من الميتوس. وهذا التحول لم ينتظر طغيان المذاهب الغنوصية والهرمسية والتيارات الشرقية اللاعقلانية كما يفترض الجابري تأثرا بفرضيات الاب فستوجيير كما سنرى بل لاحت نذره الأولى منذ ارتد افلاطون عما يسميه المستهلنون بعصر التنوير اليوناني فحول الفلسفة الى شبه دين والعقل الى اله وعلى الأخص منذ ان جعل ارسطو الوظيفة الوحيدة لهذا الاله العقل ان يتعقل ذاته”.6 وفي صفحات أخرى نجد الكثير من اراء فستوجيير في شان استقالة العقل وقد صيغت بعبارات لا تبتعد في معناها عن جوهر ما يطرحه هذا الأخير ” فالعلم بما فتحه من إمكانيات تقدم لا متناهية ألغى الطابع الدائر على نفسه للعقل التأملي”  7

وليست المشكلة فقط في سكوته عن مصادره، بل هي اكبر من ذلك حيث ان الناقد طرابيشي يخصص صفحات كثيرة متميزة في الجزء الرابع من مشروعه النقدي ” العقل المستقيل في الإسلام؟” لدحض وجهة نظر الجابري  وأيضا أطروحة فستوجيير بشأن استقالة العقل حيث يرى هذا الأخير بأن ” العقلانية اليونانية الت ابتداء من القرن الثاني للميلاد الى عقلانية نازفة مثلها مثل جسم جريح فقد قدرا كثيرا من دمه. ما مصدر هذا الجرح؟ انه الطبيعة الذاتية للفكر الفلسفي والعلمي عند الاغريق هذا الفكر الذي افتقد من الأساس روح التجريب. فالعقل اليوناني كان عقلا نظريا خالصا يربط العلم بالفلسفة الأولى ويستغني عن التجريب والاستنتاج. وبمعنى من المعاني يمكن القول ان العقلانية اليونانية التهمت نفسها بنفسها…وهكذا ال الامر بالفكر اليوناني في ختام مغامرته المعجزة الى ان يقدم مشهدا كئيبا لمقتلة العقل. وبعبارة مقتضبة واحدة أخلى العقل مكانه للوحي.”8

 وعلى امتداد صفحات هذا الفصل الأول المعنون بالابستمولوجية الجغرافية من كتاب ” العقل المستقيل في الإسلام؟” يقوم طرابيشي بتحليل نقدي متميز للجابري الذي ” وقع على ما نقدر تحت تأثير الاب فستوجيير في أحبولة لعبة احضار وتغييب كبرى. احضار هائل للعرفان الهلنستي تحت أسماء شتى الغنوصية الهرمسية الافلاطونية المحدثة بصيغتها المشرقية وتغييب تام للبيان المسيحي في صورة وحي انجيلي منزل واعمال الرسل= الحواريين وكتابات اباء الكنيسة الأوائل في طور اول ثم بينات الاعتقاد ودوغمائيات المجامع الكنسية المدعومة بقبضة السلطة الزمنية منذ ان تنصرت الدولة الرومانية في القرن الرابع للميلاد في طور ثان.”9 وفي الوقت نفسه ينتقد ويكشف المسكوت عنه في خطاب فستوجيير مبينا ان الامر يتعلق بإقالة العقل وليس استقالة العقل كما يريد فستوجيير ان يوهمنا بذلك. لهذا يوضح طرابيشي بأن  ” لا سبيل الى المماراة في ان العقلانية اليونانية الفلسفية حافظت حتى نهاية القرن الثالث ب.م. على قدر كبير من ديناميتها. واذا كنا نستطيع ان نموضع واقعة افولها في مطلع القرن الرابع فلسنا نستطيع بالمقابل ألا نربط هذا الافول بسياقه التاريخي الفعلي تنصر الإمبراطورية الرومانية وتحول المسيحية الى ديانة رسمية وبتعبير أدق الى ديانة دولة…واذا أبحنا لأنفسنا ان نسقط مصطلحات عصرنا على مسيحية القرون الأولى فلنقل ان استقالة العقل جاءت نتيجة طبيعية لانتصار الابستمولوجية المسيحية واقالة العقل جاءت نتيجة جبرية لانتصار الأيديولوجية المسيحية المعززة بقبضة السلطة الزمنية منذ تحولها الى عقيدة رسمية للدولة”. 10

وقد حلل في هذا المجلد بشكل رائع الدور الخطير الذي قام به المد المسيحي  وهو ينشر مناخا فكريا ونفسيا ضد الفكر الفلسفي، إلا أن هذا الأخير لم يستسلم بل واجه ضغط البيان المسيحي هجوما ثم دفاعا الى ان تورط في المناخ الفكري والنفسي الذي فرضه الضغط الكاسح للمسيحية.

 لا نستطيع ان نقمع الأسئلة التي تتبلور أثناء القراءة وهي تطرح نفسها بإلحاح فاذا كان البيان المسيحي قد وأد الفلسفة فلماذا يعول او يراهن طرابيشي على الواقعة القرآنية من أجل نشأة مستأنفة؟ فهل السر في ذلك هو ان طرابيشي يرى بان البيان الإسلامي قام بدور متميز في احياء الفلسفة اليونانية؟ لا نعتقد ذلك فهو نفسه قد أشار في كتابه “نظرية العقل” الى حدود ومحدودية ما يسميه العقل العربي الإسلامي الفلسفي والفقهي وهويستشهد بالحارث المحاسبي ” العقل عن الله” وبالغزالي ” العقل لا يبصر الا بنور الشرع  وبالشاطبي ” العقل غير مستقل البتة ولا ينبني على غير اصل وانما ينبني على اصل متقدم مسلم على الاطلاق…ولا اصل مسلم الا من طريق الوحي… والعقل اذا لم يكن متبوعا للشرع لم يبق له إلا الهوى والشهوة”. 11

كما أننا نستغرب عدم مراجعة طرابيشي لكتبه في طبعة منقحة جديدة تتخلص من التناقضات الواردة بين أجزاء مشروعه النقدي، أي مثلا في تبنيه الصامت في الجزء الأول نظرية العقل لأطروحة فستوجيير حول ” عقل يدور على ذاته ويأكل نفسه…” ثم في تكذيبه هذه الاطروحة في الجزء الرابع ” العقل المستقيل في الإسلام؟” كما يشرح ذلك بتحليل نقدي ممتاز مغر بمواصلة القراءة الى ان يقول مثلا :  

“ما ابعدنا اذا عن اللوحة المؤسية التي رسمها الاب فستوجيير لعقلانية يونانية التهمت نفسها بنفسها واختارت استقالة العقل بعد ان تعب هذا العقل من نفسه واستنزف قواه في دورانه على نفسه في دائرة مفرغة بعيدا عن معطيات الواقع العيني والتجريب. فما جرى في التاريخ في القرون الأولى للميلاد كان عملية استئصال وابادة لجنس الفلسفة. والعقلانية اليونانية لم تنتحر بل قتلت قتلا شنيعا.”12

الهوامش

1 و2 ) جورج طرابيشي نقد نقد العقل العربي  نظرية العقل دار الساقي ط 2  س 1999 ص7

3 ) نفسه ص  37 وهذا النص جزء من كل حيث يقول مثلا في الصفحة 45 من الكتاب نفسه ” لنعد الى جدول الحضور والغياب. فما فعلنا في الصفحات الماضية سوى اننا احضرنا بالنسبة الى الحضارتين “السحريتين” البابلية والهندية الجانب الذي يغيبه الجابري منهما أي الجانب العلمي. فلنرى اذن الى أي حد نستطيع ان نستحضر من الحضارتين ” العلميتين” اليونانية والعربية المظهر الذي يغيبه الجابري منهما أي هذه المرة المظهر السحري”.

4) نفسه ص 73

5) نفسه 74

6) نفسه ص 96 و97

7) نفسه ص 98

8) جورج طرابيشي نقد نقد العقل العربي العقل المستقيل في الإسلام؟ دار الساقي ط 1 س 2004 ص 77 و78

9 ) نفسه ص 74 و 75

10 ) نفسه ص 84 و85

11 ) نظرية العقل ص 94 و 95 و 96

12 ) العقل المستقيل في الإسلام؟ ص 89

Visited 2 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

لحسن أوزين

كاتب مغربي