هل سينجح دارمانان فيما فشل فيه سابقوه؟
باريس- المعطي قبال
على الورق، ومن خلال تصريحات وزير الداخلية والشغل، يبدو المقترح مغريا وكفيلا بحل أزمة آلاف المهاجرين اللاشرعيين أو السريين الذين يوجدون في وضع غير قانوني والذين يشتغل بعضهم من دون وثائق وبأثمنة زهيدة وبلا ضمان اجتماعي أو وقاية صحية. غير أنه عمليا، لا أحد يمكنه التكهن بالنتيجة النهائية لما يدخل المشروع إلى حيز التنفيذ بعد عرضه ومناقشته من لدن البرلمان خلال شهر يناير من العام القادم. على أي كشف جيرالد دارمانان، وزير الداخلية و أوليفييه ديسولبت، وزير الشغل عن الخطوط العريضة لمشروع القانون الذي ستقدمه الحكومة في شأن تنظيم الهجرة وحق اللجوء بفرنسا. بموجب هذا المقترح تمنح بطائق الإقامة لمدة عام للمهاجرين الذين يشغلون بصفة غير قانونية مناصب شغل أو هم قادرون على احتلال هذه المناصب التي تعاني من خصاص في اليد العاملة سواء في قطاع البناء، الفلاحة، الطبخ، السياقة وغيرها من القطاعات الأخرى. وتعرف هذه الميادين بالحرف التي تعاني من الضغط على الطلبات. وتوجد قائمة بموجبها يمكن لأرباب الشركات أن يشغلوا أجانب غير أوروبيين من دون طلبهم بشهادات الإقامة. ويتعلق الأمر حسب وزير الداخلية ببضعة آلاف من الأشخاص لا غير. وقد يصحح مشروع القانون الجديد هذا الوضع. ومن المستجدات التي سيأتي بها هذا القانون الجديد في حالة تطبيقه هو تعديل قانون التشغيل بالاتفاق مع أرباب العمل الذين يطالبون بمراجعة الكوتا في استخدام العمال مع الزيادة في أعدادهم. إذا هناك من جهة تساهل من لدن الحكومة مع المهاجرين الذين يعملون في قطاع من القطاعات ولا يتوفرون على أوراق الإقامة ومن جهة أخرى تشدد مع المهاجرين السريين الطلقاء في الأزقة والشوارع والذين يعتبرون «المسؤولين عن الجرائم والعنف الذي تشهده فرنسا». وفي هذا الاتجاه أشار جيرالد دارمانان بأنه «علينا أن نكون صارمين مع الأشرار وظرفاء مع الأخيار». ويتقاطع هذا التصريح مع استفتاء نظم في شهر أكتوبر تبين منه أن 60% من الفرنسيين أوضحوا بأنهم لا يشعرون بأنهم يعيشون ببلدهم كما كان عليه الأمر في السابق وأن فرنسا تعاني من كثرة الأجانب. يسعى جيرالد دارمانان إلى الذهاب أبعد من ساركوزي. ويرغب في تسجيل جميع الأشخاص الذين يوجدون تحت طائلة البند «ضرورة مغادرة التراب الفرنسي» في سجل الأشخاص المبحوث عنهم أو هم قيد البحث مع طرد الأجانب الذين اقترفوا جريمة أو جنحة. حتى طالبي اللجوء السياسي الذين يعملون في أحد الشركات وبدون أوراق الإقامة يمكن تسوية وضعيتهم.
مشروع القانون لم يكن عند حسن ظن المعارضة المكونة من اليمين ممثلا في حزب الجمهوريين واليمين المتطرف بزعامة مارين لوبان. يرى هذان الفصيلان أنهما سيحاربان هذا المشروع عند طرحه للنقاش لأن من شأنه فتح أبواب الهجرة اللاشرعية على مصراعيها وعدم التحكم في تدفقها المستمر. وألح التنظيم الذي ترأسه ماري لوبان على حادث اغتيال الفتاة لولا البالغة من العمر 12 سنة في 14 أكتوبر الماضي على يد جزائرية توجد في وضعية لاقانونية. وكانت النيابة العامة قد وجهت اتهامات بـ «القتل» و«الاغتصاب مع أعمال همجبة »، للمرأة البالغة من العمر 24 سنة. هذه الجريمة التي هزت فرنسا استغلتها أطراف اليمين واليمين المتطرف كحادث لنعت المهاجرين وأصحاب الأصول الأجنبية بأخبث النعوت.
غير أن أطرافا اخرى شددت على الطابع المؤقت للتسوية مستندة إلى ما قاله وزير الداخلية نفسه لما أعلن أنه في حالة عدم وجود ضغط على المهن والقطاعات الحيوية فإنه سيتم سحب بطائق الإقامة من الأشخاص بعد عام على صلاحيتها. إلى جانب معارضة هذين الفصيلين السياسين لهذا المشروع، اقترح وزير الاقتصاد مناقشة هذه الاقتراحات وترتيب الأولويات التي من بينها التكوين المهني، الكفاءة وجاذبية المهن. وقد رأى بعض المحللين أن مقترح وزير الاقتصاد هو بمثابة حصى في حذاء دارمانان وديسولبت. على أي لم تنجح الحكومات الفرنسية المتعاقبة بمختلف أطيافها وتوجهاتها السياسية في إيجاد حلول عملية وغير صدامية لمشكل الهجرة المستدام والذي يبقى مرتبطا على نحو وثيق بالماضي الاستعماري لفرنسا. فهل سينجح دارمانان فيما فشل فيه سابقوه؟