في تفسير الهجوم الإعلامي الجزائري الكاسح على ناصر بوريطة
عبد السلام بنعيسي
كان الاشتباك المغربي الجزائري، أثناء عقد القمة العربية، وقبل عقدها، وبعده، امتدادا وتتويجا للصراع القائم بين الدولتين الجارتين منذ ما يقارب الخمسين سنة حول الصحراء الغربية. كان هذا الاشتباك، بمناسبة عقد القمة، متوقعا، ولا ينبغي تصنُّعُ المفاجأة بحدوثه.
بسبب القطيعة الحاصلة بين البلدين من المرجح أن الرباط كانت ترغب في عدم عقد قمة عربية في الجزائر. مهما تحدثت الدبلوماسية المغربية علنا عن رغبتها في عقد القمة والمساهمة في إنجاحها، فإنها كانت في الواقع تريد لهذه القمة ألا تنعقد في الجارة الجزائر التي تناوئ المغرب في وحدته الترابية، وخوفا من استغلال عقد القمة لتمرير أجندة جزائرية مضرة بمغربية الصحراء.
وكانت الجزائر تعمل جاهدة على تجاوز كل العقبات لعقد القمة في عاصمتها، مع ميلٍ واضح لعدم حضور المغرب أشغالها، وسعيٍ جزائري لتوظيف مناسبة عقد القمة لعزل المغرب، وتفعيل نتائجها، انسجاما مع الطروحات الجزائرية في الإقليم المغاربي. التصريحات الدبلوماسية العلنية المُجامِلةُ لا ينبغي الركون والاطمئنان إليها من كلا الدولتين، فكل واحدة منهما لا تثق في الأخرى، وتعتبر أن ما يصدر عن غريمتها، الهدف منه الإضرار بمصالحها، ولذلك فإن الثابت والمؤكد هو أنهما تتصارعان بينهما، بلا رحمة ولا هوادة.
ولأن ملك المغرب قليلُ الحضور في أشغال القمم العربية، فلقد أثار خبر عزم العاهل محمد السادس المشاركة في قمة الجزائر دهشة واستغراب العديد من المراقبين المغاربة وغير المغاربة، ومنهم من وجد صعوبة كبيرة في تصديق الخبر. ولاشك في أن هذا الإعلان عن عزمه الحضور الشخصي في قمة الجزائر قد أحدث ارتباكا وبلبلة في صف الجهة المنظمة للقمة، وتناسلت الأسئلة حول الصيغ التي سيتم بها استقبال العاهل المغربي؟ وما هي الوسائل الكفيلة بالتعامل معه أثناء وصوله إلى الجزائر لكي لا يسرق الأضواء من أشغال القمة ويكون هو نجمها؟ وماذا ينبغي تجنُّبُه حتى لا يكون لاستقباله، بشكل لا يتوافق وتقاليد البروتوكول المغربي التقليدي، تبعاتٌ ومضاعفاتٌ قد تكدِّرُ أجواء القمة وتُلبِّدُها بغيوم سامة؟؟ وظلت هذه البلبلة حاضرة، إلى آخر لحظة، حين تمَّ الإعلانُ عن قرار محمد السادس النهائي عدم مجيئه إلى الجزائر للمشاركة في أشغال القمة.
ويبدو أن إعلان خبر حضور الملك أشغال القمة، مع الزوبعة التي خلقها في الجزائر العاصمة، ثم قرار غيابه عنها، كانا مقصودين لذاتهما، لقد كانا ردَّا على موقف جزائري سابق حدثَ في قمة الجزائر التي انعقدت سنة 2005، فلقد شارك فيها الملك محمد السادس، وكان قد حصل على تعهُّدٍ من الرئيس الجزائري وقتها عبد العزيز بوتفليقة، بأن مقابل المشاركة الملكية في القمة، ستكون هناك حلحلة لقضية الصحراء بما يفضي إلى إيجادِ حلٍّ لها، لكن عند انتهاء القمة، تخلى الرئيس الجزائري عن تعهُّدِه، وظل متمسكا بالموقف الجزائري التقليدي من الأزمة، وبدا المغرب وكأنه قد خُدع، حين بادر إلى المشاركة في قمة الجزائر بناء على وعد من بوتفليقة، لم يقع التقيُّدُ به واحترامُه…
يجوز القول إنه بغيابه عن هذه القمة، وبالصيغة المثيرة التي رُتِّبَ بها الغياب، ردَّ المغرب الصاع للجزائر على ما كانت قد اقترفته في حقه في قمة سنة 2005، وعزَّزت أسباب الغياب المغربي وبرَّرتهُ أمام الرأي العام العربي، المناوشات التي تعرَّض لها وزير خارجية المغرب ناصر بوريطا في الجزائر، والتضييق على الوفد الإعلامي المغربي الذي كان مكلفا بتغطية أشغال القمة، وإبراز خريطة المغرب مبتورة من صحرائه، ناهيك عن عدم حضور القادة الخليجيين الكبار إلى قمة الجزائر….
ومع ذلك، فرغما عن رغبة المغرب، تمكنت الدولة الجزائرية من تجاوز كل العقبات، ونجحت في عقد القمة العربية في عاصمتها، ولكن واضح أنها لم تعقدها كما كانت تهوى لها نفسها، لقد كان للمغرب رأيُه في كافة القرارات الصادرة عنها، وتم احترامُ الشروط التي كانت الرباط تروم عقد القمة في أجوائها، وفي مقدمة الشروط عدم الإشارة بأي شكل من الأشكال إلى ما يشكك في الوحدة الترابية المغربية أو يخدش في شرعيتها، كما لم تتمكن الجزائر من إدراج أي إشارة تُلمِّحُ للتطبيع ولما تسميه الجزائر التهديد الإسرائيلي لها انطلاقا من الجارة الغربية، وكان الحاضر في أشغال القمة وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطا فحسب، وليس العاهل المغربي محمد السادس، أو رئيس الحكومة عزيز أخنوش.
وطبعا، قرارات من هذا القبيل صادرة عن قمة مقامة في الجزائر سوف لن تكون الدولة الجزائرية راضية عنها، وستشعر بانتكاسة تجاها، ولذلك وجدنا الإعلام الرسمي الجزائري يشُنُّ حملة إعلامية شرسة ضد الوزير ناصر بوريطا عقب انتهاء أشغال القمة، فلقد وصفته وكالة الأنباء الجزائرية بأوصاف قاسية، وأحيانا قدحية، علما بأنه كان مجرد مشارك من المشاركين الآخرين في أشغال القمة، وأنه كان يؤدي المهمة الموكلة إليه والمتمثلة في الدفاع عن مصالح دولته التي انتدبته لتمثيلها في القمة. فالهجوم على بوريطا كان انعكاسا لعدم رضى القيادة الجزائرية عن النتائج التي أسفرت عنها القمة التي انعقدت في عاصمتهم.
لاشك في أن لناصر بوريطة مناوئين كثرا في المغرب، وينتقد سياسته التطبيعية العديد من المغاربة ويعارضونه ويهاجمونه بقسوة بسببها، ولكن الهجوم الكاسح عليه من الإعلام الجزائري، نظرا لدفاعه عن مغربية الصحراء في القمة العربية، قد يحرج معارضيه المغاربة، ويضعهم في مأزق، لأن هذا الهجوم الجزائري عليه، يسهل على مناصري سياسته، مهمة تصويره وتسويقه في هيئة السياسي الوطني، والبطل القومي، الذي يتلقى اللكمات والضربات نتيجة لدفاعه عن وحدة المغرب الترابية. الحملة الإعلامية الجزائرية ضد بوريطا تفيده، وتخدمه، في حين يتصور منظموها، أنها تؤذيه وتنال منه، وهنا تكمن المفارقة…
رغم ذلك، فمن المحقق أن سياسة الجزائر الخارجية تخلقُ مشاكل عديدة للمغرب في معركته من أجل الحفاظ على وحدته الترابية، ولكن بيَّنت أشغال القمة العربية الأخيرة، ومناسبات أخرى عديدة، أن المغرب، بتحالفاته، وبطاقاته، بإمكانه بدوره، إقلاق الجزائر، وعرقلة مخططاتها، ومنعها من إدراك مراميها في المنطقة، فمتى تفهم الدولتان أن مصلحتهما ليست في التباغض، والتناحر، وفي دس المكائد لبعضهما، وأن الخير كل الخير، في تصالحهما، وتضامنهما، ووحدتهما التي تعود بالنفع على الشعوب المغاربية كافة؟