السبب الكامن وراء الحملة الغربية ضد قطر
عبد السلام بنعيسي
بماذا يمكن تفسير الحملة الدعائية الغربية المُشنة، بلا هوادة، ضد دولة قطر ونحن على بعد ساعات من إعلان انطلاق بطولة كأس العالم لكرة القدم في نسختها الواحدة والثلاثين؟ ما هي الدوافع الحقيقية التي تقف خلف الحملة؟ هل فعلا سببها هضمُ حقوق العمال الذين اشتغلوا في إعداد الملاعب التي تدور فيها البطولة؟ هل يتعلق الأمر برفض الدوحة تصرفات المثليين جنسيا وتقييد سلوكياتهم، طبقا لما تنص عليه الشريعة الإسلامية وقوانين الدولة المنظمة، وبعدم السماح بتناول الجعة في الملاعب والأماكن العمومية القطرية؟؟؟
في المؤتمر الصحافي الذي عقده السيد جياني إنفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، أجاب بإيجاز وبحدة على كل هذه الأسئلة، وتمكن من إفحام طارحيها بمنطق غاية في الدقة والقوة، وكان بليغا جدا حين خاطب الغربيين بالقول: “أنا أوروبي. وبسبب ما فعلناه على مدى 3000 عام في جميع أنحاء العالم، يجب أن نعتذر لمدة 3000 سنة مقبلة قبل إعطاء دروس أخلاقية”. أنا شخصيا معجب بهذا الجواب، وبهذه الصراحة التي طبعته، فيبدو أن رئيس الفيفا غضب من هذه الحملة، ولعله تفاجأ بها، ولم يفهم أسبابها.
وأظن أنه كان يتعين على نفانتينو أن يضيف، أن اعتذار الغرب كل هذه المدة المذكورة، 3000 سنة، لن يكون كافيا لشطب المآسي والآلام التي خلفتها تصرفات الغرب الاضطهادية، للشعوب، في العديد من أنحاء الكرة الأرضية، فالاعتذار الذي لن يحدث، حتى وإن تمَّ، فإنه لن يغير مما جرى شيئا، لأن ما وقع، قد وقع، وعقارب الساعة لن تعود إلى الخلف، لرفع المظالم، وإزالة المجازر والمذابح الغربية المقترفة ضد شعوب الجنوب، إنها مجازر ومذابح ستظل دائما منقوشة في الذاكرة الجمعية لهذه الشعوب، مع كل الأهوال التي صاحبتها، ولا يجوز لمقترفيها إعطاء الدروس للآخرين حول حقوق الإنسان…
ولذلك، فإن السبب الكامن وراء الحملة ضد قطر، ليس هدرُ حقوق العمال الذين اشتغلوا في تشييد ملاعب كرة القدم، كما يقع الترويج لذلك، حتى وإن كنا مع احترام حقوق هؤلاء العمال والاستجابة الكاملة لها، وليس السبب عدم السماح بتناول الجعة، أو عدم قبول تصرفات المثليين في مدرجات الملاعب وفي شوارع وفنادق المدن القطرية، فهذه كلها ذرائع واهية، لا تقنع عاقلا، يبدو أن السبب الحقيقي وراء الحملة هو أن التقارير الإعلامية الوافدة إلى الغرب كانت تشير إلى أن دولة قطر هيأت كافة الوسائل والإمكانيات لتقديم نسخة جيدة لكأس العالم في هذه الدورة، وأنها ستكون دورة ناجحة، أو من أحسن الدورات المنظمة لحد الساعة، كما صرّح بذلك إنفانتينو رئيس الفيفا نفسه…
ولقد قدمت دولة قطر في البطولة التي نظمتها للمنتخبات العربية الإشارة على أن دروة كأس العالم ستكون ناجحة، فلقد مرت البطولة العربية في أجواء رياضية رائعة، ونُظّمت بطريقة مهنية لائقة، وكانت بطولة مُوفَّقةً تنظيما، وحضورا جماهيريا، وتغطية إعلامية، وتفاعلا عالميا مع أطوارها. هذه الصورة، لدورة ناجحة لكأس العالم، لا يمكن قبول أن تكون مقرونة باسم دولة عربية صغيرة في حجم قطر، إنه لأمر غير مستساغ ومرفوض غربيا، ويتعين القيام بما يلزم لمنع حدوثه، أو للتشويش عليه، في أضعف الأحوال.
هذه المنطقة من العالم يتعين أن تظل، بالنسبة للغرب، مقترنة في الأذهان، بالعجز وبالدونية والعدمية، وبأنها بؤرة للفوضى الدموية المدمرة، وأنها مرتعٌ للحروب والاقتتال والفتن، وأنها مسكونة بنوع من البشر لا يجيدون أي شيء عدا الاستهلاك، والعنف، والتطرف، والإرهاب. وللأسف عملت دولة قطر، عبر امبراطوريتها الإعلامية العملاقة، وعلى رأسها قناة الجزيرة الفضائية، على ترويج هذه الصورة عن العالم العربي وساهمت في خلقها، فلقد كانت بوقا للناتو في العشرية السوداء، المسماة زورا وبهتانا الربيع العربي، التي عاشتها المنطقة، حيث كانت الجزيرة تبرر، التدمير الذي طالها، وكانت قطر تساهم فيه بالمال وبالنشاط السياسي…
وحين انتهى الغرب من عملية تدمير المنطقة، التفت إلى قطر ليقوم بتقريعها، وتوبيخها، والتعامل معها على أساس كونها، جزءً من العالم العربي المغضوب عليه غربيا، وأن ما يطاله قد يطالها هي أيضا. فهل تكون هذه الحملة الدعائية، مناسبةً للدوحة لكي تستوعب الدرس وتستفيد منه، وتحتاط مستقبلا في تعاملها مع الغرب، وتضع مسافة بينه وبينها، أم أنها ستظل سادرة في نفس ممارساتها السابقة؟
Visited 11 times, 1 visit(s) today