ما الذي ميَّز دورة قطر لكأس العالم عن غيرها؟

ما الذي ميَّز دورة قطر لكأس العالم عن غيرها؟

عبد السلام بنعيسي

أعطى وصول المنتخب المغربي لمرحلة نصف النهاية في دورة كأس العالم لكرة القدم المنظمة في قطر رونقا متميزا لهذه الدورة، وأضفى عليها طابعا جعلها فعلا دورة عربية أمازيغية وإفريقية حقا. ما كانت تتمناه الدولة القطرية، وهي تنظم المونديال في ديارها، تحقق لها، وزيادة. لقد تظافرت عدة عوامل، لم تكن متوقعة، ساهمت في جعل هذا المونديال مختلفا، ومتميزا، وأدت إلى أن يُكتب له النجاح، بشهادة رئيس الفيفا السيد جياني إنفانتينو. 

مرور المنتخب المغربي إلى دور نصف النهاية أفضى إلى حضور جمهور مغربي كثيف إلى قطر، ولقد ظل هذا الجمهور غزيرا في المدرجات ويشجع بحرارة فائقة وبحماس منقطع النظير منتخب بلاده، وعقب نهاية المباريات كان الجمهور المغربي ينتقل إلى شوارع المدن حيث تجري المباريات، وكان ينقل إلى ساحاتها العامة أهازيجه، وأغانيه، ورقصاته، واحتفالاته، وكان يضفي بذلك جوا من البهجة والحبور على دورة المونديال، مع حفاظ على الأمن والطمأنينة وفي احترام تام لقوانين البلد.

وبطبيعة الحال كانت إلى جانب الجمهور المغربي، في احتفالاته، الجماهير العربية، سواء تلك التي حققت منتخباتها نتائج إيجابية، أو تلك التي جاءت لتتابع أطوار المونديال، وكانت تشجع معه، المنتخب المغربي، وكانت برفقتها باقي المكونات التي تعيش فوق الخريطة العربية من سريان، وكرد، ودروز، وآشوريين، وزيديين، وكندال، فالكل كان في بوتقة واحدة يتعاطف مع المنتخب المغربي بحُكْمِ أن لديهم معه علاقات قرابة، وجيرة، وتشابه، وتعايش، ونفس الطموح، والمصير…. 

لم يكن إنسان هذه المنطقة مكتفيا في دورة قطر بتنظيم البطولة، ومتفرجا سلبيا على أطوارها. من خلال النتائج الإيجابية التي حققتها فرقٌ عربية، ومن خلال الانتصارات الباهرة التي أنجزها المنتخب المغربي أمام منتخبات عالمية قوية، كان إنسان هذه المنطقة حاضرا في البطولة، سواء في داخل الملاعب، أو خارجها، وكان يقارع من أجل الفوز بها، ونتيجة لذلك، ظل إنسان منطقتنا، يعيش بهذه المشاعر الجياشة والحماسية على امتداد الدورة بكاملها، وكان متفاعلا مع وقائعها، وفاعلا فيها، ومن هنا جاء، بالنسبة لنا نحن أبناء هذه المنطقة، وأبناء القارة الإفريقية، تميُّزُ دورة قطر عن غيرها من الدورات التي سبقتها…

لنتصور أن كافة المنتخبات العربية والإفريقية كانت قد أقصيت في الدور الأول، وبقيت المباريات تجري، كالعادة، بين منتخبات من القارتين الاثنتين التقليديتين، أمريكا اللاتينية من جهة، وأوروبا من جهة أخرى، وظل التنافس محصورا في هذا الإطار، بماذا ستختلف دورة على هذا النحو عن باقي الدورات التي سبقتها؟ ألن نكون في دورة قطر أمام دورة نمطية ككل الدورات التي جرت في معظم بطولات الفوز بكأس العالم؟ ألا تبدو لنا الدورة عادية وباهتة ولا جديد فيها؟ وماذا عن عدد ونوعية الجماهير التي كانت ستمكث في مدرجات الملاعب تتابع المباريات؟

حتى إذا افترضنا أن الحضور الجماهيري كان سيظل على حاله، وأن الملاعب ستبقى مكتظة بالمتفرجين من أوروبا وأمريكا، ومن العالم العربي، ولكن الذي لا غبار عليه هو أن الطابع العربي للجمهور ولاحتفالاته كان سيصبح غائبا، ومعه الصبغة العربية للمونديال، وأن الحماس سيظهر فاترا، بالقياس مع استمرار حضور منتخب عربي يقارع الكبار من أجل نيل البطولة، والتشجيع العربي الذي يلازمه، لم نكن لنرى الأهازيج والرقصات والأناشيد والأعلام العربية في الملاعب، وكانت شوارع المدن القطرية قد تفرغ في معظمها من المتفرجين العرب الذين سيعودون لبلدانهم لمتابعة أطوار المونديال من خلال شاشات الفضائيات.

حين بقي المنتخب المغربي العربي الأمازيغي المنتمي لمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط حاضرا، بقيت حاضرة معه جماهير هذه المنطقة، بثقافتها، وتطلعاتها، وتميزها، وحماسها، وساد الشعور العام في قطر والعالم أجمع على أن المونديال منظم فعلا في دولة عربية، وفي مناخ عربي، وفي أجواء عربية، ممزوجة بأجواء المكونات الهوياتية الأخرى الموجودة فوق الخريطة العربية. كنا نشاهد ذلك في الأزياء التي يرتديها المشجعون، وفي الأناشيد التي يرددونها، وفي الرقصات التي يستمتعون بها خلال تسجيل الأهداف.

 هذا الطابع المحلي الذي صبغ دورة قطر، والوصول غير المتوقع للمنتخب المغربي للدور النصف النهائي هو الذي ميز الدورة المذكورة عن غيرها، وأعطاها تفرُّدها، وهو الذي أمَّنَ نجاحها هذا النجاح الباهر الذي أغاض الأعداء والخصوم ودفعهم لشنِّ حملةٍ دعائية هوجاء ضد الدوحة، بالإضافة طبعا إلى حسن الضيافة وكرم الاستقبال الذي خصصته دولة قطر لضيوف المونديال الوافدين إليها من جميع أنحاء العالم، ناهيك عن جودة الإدارة والتنظيم والتغطية الإعلامية المتفوقة للمباريات الرياضية.

وكما أبانت دورة قطر لكأس العالم لكرة القدم أن شعوب هذه المنطقة قادرة على تنظيم المونديال، تنظيما جيدا ومحكما ومتفوقا على ما أنجزته دول متقدمة من تنظيم، فإن الدورة المذكورة قد أبانت أيضا أنها شعوب قادرة على المنافسة بقوة وجدية على البطولة، وأن بإمكانها مواجهة الكبار في مختلف المجالات، كما واجهتهم في المباريات الكروية، وما ينقص، هو حسنُ توظيف واستثمار النخبة الحاكمة للطاقات الجبارة التي تختزنها هذه الشعوب في وجدانها وفي عقلها، بما يؤدي إلى تنميتها، وازدهارها، وتحرُّرِ إنسانها….

Visited 2 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة