عندما تحوّلُ الجزائرُ نضالَ نيلسون مانديلا إلى ريعٍ للاسترزاق

عندما تحوّلُ الجزائرُ نضالَ نيلسون مانديلا إلى ريعٍ للاسترزاق

عبد السلام بنعيسي

    وجهت السلطات الجزائرية الدعوة لحفيد نيلسون مانديلا من أجل حضور الاحتفالات المقامة بمناسبة افتتاح دورة الشان في الملعب الذي يحمل اسم جده مانديلا، وفي كلمته التي ألقاها في هذه المناسبة تطرّق حفيد مانديلا إلى قضيّة الصحراء الغربيّة، التي وصفها بأنها آخر مستعمرة في إفريقيا…

   توجيهُ السلطات في الجزائر الدعوة لأي شخصٍ يبدو لها مناسبا لحضور افتتاح دورة الشان أمرٌ لا يمكن لأي كان الاعتراض عليه، فهذا حقها الذي تخوله لها سيادتها التي تمارسها فوق حدودها الجغرافية، وأن يلقي أي ضيف من ضيوفها كلمة في الحضور خلال احتفالات الافتتاح، فهذا أمر لا يثير هو بدوره أي إشكال، لكن عندما ألقى حفيد نيلسون مانديلا، خطابا تناول فيه بطريقة عشوائية قضية الصحراء المغربية التي هي موضوعُ خلاف بين المغرب والجزائر، فهنا لم يكتف الحفيد بتجاوز حدود اللياقة، وتناول موضوع ليس على إلمام بحقائقه، وعدم احترام المتطلبات التي تستدعيها المناسبة الرياضية حيث يتوجب عدم خلط السياسة بالرياضة، وإنما أعلن الحفيد عن انحيازه السافر للموقف الرسمي الجزائري، وأغاض بذلك الرأي العام المغربي، ومعه الرأي العام الإفريقي المؤيد للمغرب..

   حفيد مانديلا كان ضيفا على الجزائر، ومن المؤكد أن زيارته، تنقُّلا عبر الطائرة، وإقامةً، ومأكلا، ومشربا، كانت على حساب الدولة الجزائرية، وقد يقضي مدة لابأس بها في عطلة معتبرة محاطا بالعناية الجزائرية، وليس من المستبعد أن كلمته التي تناول فيها قضية الصحراء المغربية، كان يستهدف من خلالها استرضاء السلطات الجزائرية، وردَّ جميلِ الدعوة التي وجهتها له لقضاء أيام مريحة في الضيافة الجزائرية.

   ولعل ما لا يعلمه الحفيد هو أن المغرب كان من المؤيدين الكبار لنضال الأفارقة السود في تصديهم للميز العنصري بدولة جنوب إفريقيا، وقدم لهم المغاربة الدعم الكامل في كفاحهم ضد العنصرية، واعترف بذلك نيلسون مانديلا ونوَّه به في حفل أقامه بعد خروجه من السجن، ودعا لحضوره السيد عبد الكريم الخطيب، وفي الحفل، طلب مانديلا  من الجمهور الحاضر الوقوف والتصفيق للخطيب تكريما له، واعترافا من مانديلا بالمساندة المغربية المطلقة لنضاله ورفاقه وشعبه ضد العنصرية إلى أن أسقطوها، المساندة التي كان يتكلف بإيصالها إليهم من المغرب السي عبد الكريم الخطيب أحد المقربين من الملك الراحل الحسن الثاني، ويمكن العثور على وقائع الحفل المذكور في اليوتوب صوتا وصورة…

   نضال نيلسون مانديلا فعلٌ مقترن به لوحده، ولم يعد بعد وفاته مِلْكًا خاصا به وأفراد عائلته، وهو ليس إرثا ماليا وماديا يمكن للورثة من الأبناء والأحفاد، إناثا وذكورا، التصرف فيه كما يطيب لهم، نضالُ مانديلا صار إرثا رمزيا مِلكا لجميع أبناء البشرية، ويحق لهم كلهم الاعتزاز به، والعمل من أجل صونه، والحفاظ عليه من الزيغ، والتلويث، والتشويه، ولكن مع كامل الأسف هذا هو ما لم يحصل في افتتاح دورة الشأن. السلطات الجزائرية دشنت في هذه الدورة الشروع في عملية استغلال هذا الإرث النضالي لنلسون مانديلا أبشع استغلال لأغراضها الأنانية، وعملت على توظيفه في غير محله، بتحويله إلى ريعٍ في ملك حفيده، يسترزق به في الشان، وربما في مناسبات أخرى قادمة. أليس هذا هو الفساد والإفساد في الأرض المغاربية والإفريقية؟؟؟

Visited 16 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة